ثقافة المقال
ثمّة شيء في الروح يصرخ من أجل الحرية
رابحة الزيرة*
مصر حرّة.. رغماً عن إرادة كلّ قوى الاستكبار التي حاولت أن تنافق، وتراوغ، وتخادع، وتتقلّب ظهراً على بطن طيلة الأيام الثمانية عشر العصيبة لتلتفّ على أهداف الثورة فتستبدل وجهاً بوجه وتبقي لنفسها موطئ قدم للتدخل في شئون مصر الداخلية والخارجية، فالدرس الأهم الذي يجب أن يستوعبه ساسة الغرب وقادة الإمبريالية من انتصار هذه الثورة الشعبية هو أن يكفّوا أيديهم عن التدخل في مصير هذه الأمة لترسم مستقبلها باستقلالية وتتنفّس الحرّية التي حُرمت منها بسبب مساندتهم للاستبداد عندنا، ونصيحتنا لهم أن يعملوا بالنصائح التي قدّموها مجّاناً لمبارك قبل رحيله، فنقول لهم، ردّاً على بعض ردود الأفعال (الإيجابية) تجاه انتصار إرادة الشعب في مصر واحترامهم لهذه الإرادة (على مضض)، نقول لهم ولكلينتون ما قالته لمبارك قبل رحيله: “نريد أفعالاً لا أقوالاً”.
مصر حرّة اليوم.. ومن حقّها أن تحتجّ غداً، على الغرب بتصريحات ساستهم التي أمطرونا بها ليل نهار، وعلى أمريكا بما جاء في خطاب أوباما عشيّة تنحّي مبارك عن السلطة في مصر، حيث اعترف بأنه “شهد الناس من مختلف الأديان يصلّون معاً، مسلمين ومسيحيين”، وبأن هذه المشاهد تذكّره بأن “ما يعرّفنا يجب أن لا يكون ما يفرّقنا، فالتعريف الذي يحدّدنا يمكن أن يكون إنسانيتنا المشتركة التي نتشاطرها”، وبأنه شهد المتظاهرين يهتفون “سلميّة، سلمية”، كما اعترف بأنّ “هذه هي قوّة الكرامة الإنسانية، والتي لا يمكن نكرانها.. لقد ألهمنا المصريون، وقد فعلوا ذلك بفضح كذبة الفكرة القائلة بأن نيل العدالة يتم على نحو أفضل عن طريق العنف؛ لأنه في مصر كانت القوة المعنوية الخلقية السليمة، وليس الإرهاب، وليس القتل الطائش، ولكنه اللاعنف والقوة المعنوية هما اللذان استطاعا ثني قوس التاريخ صوب العدالة مرة أخرى”.
هذه شهادة نستلّها من فم أوباما لنذكّره بها غداً إذا ما قرّر هذا الشعب الواعي، المسالم، والحضاري أن يختار طريقه بحرية، وإن جاء قراره مخالفاً لما يريدونه، فهل سيشيدون به أم أنه سيتحوّل إلى شعب إرهابي بمجرد أن يخرج عن طوقهم وطوعهم، وسيحيكون المؤامرات للوقيعة بين أبناء الوطن الواحد – كما فعل وزير داخلية النظام المصري السابق – بحجة محاربة الإرهاب، وسيحولون بينه وبين أن يمارس ديمقراطيته بكيفما يشاء هو لا بالطريقة التي يملونها عليه.
ساسة الغرب، السذّج في تقييمهم لمستوى وعي أبناء مصر الحرّة، صُدموا لِما شاهدوا من إصرار وعزيمة، وحسن تنظيم، ووضوح رؤية، وتدرّج في المطالب، وروح معنوية عالية، وحاولوا أن يلعبوا لعبتهم الدائمة في الترنّح بين مساندة الديكتاتور الحليف، والاعتراف بحق الشعب في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بغية أن يفرضوا الواقع الذي يناسب أطماعهم ومصالحهم، ولكنهم فوجئوا بأنّ زمام المبادرة ليس بيدهم بل بيد أبناء الثورة وهم من سيحدّد النتيجة ويفرضها على العالم، فإن لم يفيقوا من رقدتهم، ولم يعودوا لرشدهم سيجدون أنهم قد فقدوا مصداقيتهم لدى جُلّ هذه الشعوب التي لا غنى لهم عنها، لو شاءوا أن يعيشوا في عالم يتمتّع فيه الجميع – بلا استثناء وبلا تمييز – بالحرية والمساواة والعدل، فثمة شيء في الروح يصرخ من أجل الحرية، ولا يمكن تجاهله.
* كاتبة من البحرين