ثقافة النثر والقصيد
ما باتَ حُلُم

ابراهيم مالك*
كنتُ كعادتي في غفوةِ نُعاسٍ نَهاري
ألتزمُ الجُلوسَ تحتَ زيتونتي الرائعة
عند صخرتي المُحَبَّبَة
حضرَني على حينَ بغتةٍ طائِرٌ بَهيُّ الرّيش
أعاد إلى ذاكرتي شِبْهَ المُمَزَّقة
ملامِحَ سَرْدوكْ يُرَدِّدُ صَوْتَ ” عواويش ” ،
صاحَ وكانَ يُحَلِّقُ في فضاءاتِ جَليلِيَ المَسْلوب ،
شبَّهَ لي ، سَمَعْتُهُ كانَ يَصيح :
قُمِ انهضْ وانتَفِضْ حياةً
وألقِ عن كتفيْكَ المُتْعَبَتَيْن
كُلَّ أعباءِ هذا الزَّمَنِ الغادرِ ببَعْضِ ناسِهِ
فثمَّةَ صّخْرَةٌ أشبَهُ بمَزارِ ناسِكٍ عاشقٍ
عندَ ” الكافِ الأوراسِيِّ الأخضرَ ”
قد تكونُ ساكِنَة فيها
روحُ أبيكَ ” الفتى الأوراسي ”
فتسير في إثرِهٍ
حين كان فتىً يَمْشي الهُوينا
راقِصَ الخطْوِ خلْفَ البقراتِ السارِحاتِ
الراقصاتِ فرحًا بحثًا عن عُشْب وادي مجردة
وقد حَطَّ مِنْ عَلٍ مُنْحَدِرًا بين شَجَرٍ أخضرَ كالحَياة ،
حصى وِديانٍ و” جُلْمودِ صَخْرٍ ” ،
وفي يدِهِ مِزمارٌ يروي قِصَّة عِشْق !
وما أنْ أتَمَّ صِياحَهُ وغابت ملامحه
خَلْفَ غُيومٍ ملأتِ السَّماء فَجْأةً
فلم أعُد أرى ما لا يُرى إلاّ في حُلُم .
لحظتها أفقتُ مِنْ غَفْوتي النَّهارِيَّةِ الحالِمَة
وكمْ تَمَنَّيْتُ لو أنَّني غالبتُ عَجَزي الجسدي
وهممتُ بالنهوضِ لأبْدَأ العدوَ
بَحْثا عَمّا رَأيْتُ في ذاك الحُلُم
لأرى ما لا يُرى !
*كاتب فلسطيني جزائري الأصول