المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

الروائي السوري نهاد سيريس للمجلة الثقافية الجزائرية: أربكتني الأحقاد التي طفت على السطح.. وأشعر بهزيمة المثقف وإحباطه..

يُعد الروائي والسيناريست السوري نهاد سيريس واحداً من الكتّاب الذين يعملون على مشاريعهم الأدبية والفنية بتأن شديد لأنه يحرص على تقديم جرعة تنويرية للقارئ. تتميز كتاباته بالانتماء للبيئة الحلبية العريقة حيث أن معظمها يدور حول مدينة حلب وتاريخها وتراثها وعلاقاتها الاجتماعية.. حصدت أعماله الدرامية شهرة عربية واسعة ومنها (خان الحرير) و(الثريا) و(الخيط الأبيض).. وحظيت رواياته بانتشار كبير ومن أبرزها: (السرطان) و(رياح الشمال) (حالة شغف) و(الصمت والصخب). المجلة الثقافية الجزائرية تواصلت مع نهاد سيريس لتسأله عن أخباره وأسباب غيابه وأشياء أخرى فكان هذا الحوار:

خارطة الإبداع السوري مبعثرة..

المجلة الثقافية الجزائرية: نهاد سيريس الكاتب والإنسان الذي عرفه المشاهد العربي من خلال أجمل المسلسلات السورية: غائب أم مغيب؟ وأين هو اليوم من خارطة الإبداع السوري؟
نهاد سيريس:
الظروف فرضت علي العزلة فقد أصبحت بعيداً عن الساحة التي أحب العمل فيها والتي كانت تلهمني الأفكار والمشاريع الجديدة. أعيش في ألمانيا في انتظار \”غودو\”، بعيداً عن بيئتي وعن أولادي فكل واحد منا يعيش في بلد آخر، لا نجتمع إلا على الواتس آب. أما خارطة الإبداع السوري فهي مبعثرة وممزقة بشكل لم يكن له مثيل.

المجلة الثقافية الجزائرية: في زمن (الربيع العربي) كيف ترى مستقبل الأدب في سورية؟ وهل يمكن التعويل على هذا الحقل المعرفي كتاريخ يوازي الواقع باعتباره يكشف الحقائق الإنسانية الدفينة والعميقة، ويساعد على فهم الأبعاد الخفية لما جرى؟
نهاد سيريس:
مستقبل الأدب في سورية غامض. بعض الكتاب في الداخل يكتبون كما كانوا يفعلون قبل الأحداث وكأن شيئاً لم يكن. ربما كان ذلك بسبب الرقابة الشديدة وربما لأن الأزمة تجاوزتهم، وإن كتب البعض الآخر عن الحرب فإنهم يكتبون يومياتها بأسلوب قديم ومجرّب. كنت أتمنى أن يصل الدمار إلى أساليبنا ولغتنا وأفكارنا ليتم إعادة بنائها من جديد، بينما الكتاب المتواجدون خارج الوطن، وأنا وحد منهم، يعيشون في أزمة عميقة، أزمة هزيمة وأزمة وعي، فهم يحاولون في دواخلهم الإجابة على عدة أسئلة منها هل أخطأنا بدعوتنا إلى الديمقراطية؟ وهل أسأنا تقدير ما سيفعله الديكتاتور إن شعر بأن البساط ينسحب من تحته؟ من ناحية أخرى بدأ مئات اللاجئين من الشبان الموهوبين بكتابة تجاربهم، كما أن وجودهم خارج البلاد جعلهم يتعرفون على تجارب الأمم الأخرى. أعتقد أن هؤلاء سيكتبون مستقبلاً الأدب السوري المختلف.

التغيير والوعي والمثقف..

المجلة الثقافية الجزائرية: روايتك (الصمت والصخب) نُشرت قبل اندلاع الأحداث السورية بثماني سنوات.. وكانت إدانة للاستبداد ودعوة للتغيير.. هل ترى أن المهام التنويرية في الأدب يجب أن تتقدم على الأهداف الجمالية في هذه المرحلة التاريخية العصيبة؟
نهاد سيريس:
لقد نادت هذه الرواية بالتغيير وقامت بإظهار الوجه الحقيقي للاستبداد ولكن انظروا ماذا حدث. لقد دفعت قارئها إلى المشاركة بالتغيير ولكنها لم تدفعه لتغيير العقل بل فقط للتغيير السياسي. أعتقد أن مسلسل \”خان الحرير\” كان أهم في هذا الجانب، فقد دعا الناس إلى التغيير في العقل والقلب مع وعي أساليب الاستبداد. أما عن الأدب الآن فعليه أن يختار مواضيعه بحرية ولكن مع التأكيد على التغيير الحقيقي نحو الحداثة والتنوير، التغيير في أسلوب الكتابة ومنطقها الخاص.

المجلة الثقافية الجزائرية: علاقة المثقف بالسلطة علاقة إشكالية وشائكة.. لأن الطرف الأول يريد الحفاظ على استقلاليته فيما يسعى الطرف الثاني للهيمنة على كل شيء.. لكن هل ترى أن الظروف الراهنة قادرة على تقريب المسافات بينهما بعد كل ما جرى في البلاد العربية من دمار وخراب وقتل وإرهاب؟
نهاد سيريس:
كيف يمكن التقريب بين الطرفين بعد كل هذا الذي جرى؟ يشعر الآن المستبد المنتصر بأن على الناس (والمثقف خاصة) أن يخنعوا ويطلبوا الغفران منه. لقد دمر المدن بدون ذرة ضمير أو ندم وهو الآن يتمتع بكونه الحاكم المطلق والقادر على تدمير وإبادة ما يشاء بدون رادع.

التحدي الأكبر يكمن في سرد حكاية قوية..

المجلة الثقافية الجزائرية: المثقف ابن بيئته.. وأتصور أنك استوحيت روايتك (حالة شغف) من أجواء البيئة الحلبية التي احتفيت لها في معظم أعمالك الأدبية والفنية.. لكن كيف صنعت حبكتها المدهشة تحت أي تأثير: حلب وتاريخها العريق أم المرأة وعوالمها الخاصة؟
نهاد سيريس:
إن عوالم المرأة جزء من تراث حلب ومهمة الكاتب ليس فقط وصف المدينة وشوارعها وأبنيتها وإنما أيضاً ما تحتويه بيوتها. لقد عشت طفولتي وسط هذا التراث وكنت أعرف عوالم المرأة تلك وبعض بطلاتها. اكتشفت أيضاً أنه لم يكتب أحد من قبل عن تلك الأمور المدهشة فوجدت أنه من واجبي وإتماماً لمشروعي أن أتفرغ للكتابة عنها. عندئذ توقفت عن كتابة الدراما وغصت في البحث والتنقيب، فجمعت عشرات الحكايات والأغاني النسائية الخاصة بهن وغيرها. ثم انتقلت بعدها للعمل على القصة أو الحبكة كما تفضلتِ فرحت أكتب وأمزق الأوراق حتى انتهيت منها. كان التحدي الأكبر يكمن في سرد حكاية قوية تجعل شخصاً مثل الراوي يقع في أسرها ولا يخضع للتهديد بالرحيل قبل أن يستمع إلى باقي الحكاية.

المجلة الثقافية الجزائرية: رواياتك (رياح الشمال، خان الحرير، الصمت والصخب، الكوميديا الفلاحية) هي سرديات تنويرية وكأنها مفتوحة على أرشفة جمعية.. هل تكتب تحت وطأة الإحساس بضرورة التأريخ فقط أم بالاستفادة من الدروس التاريخية؟
نهاد سيريس:
لا معنى للتاريخ إن نحن قمنا بسرده فحسب، عندما أكتب عن مرحلة معينة من تاريخ سورية فإن ما يهمني هي عدة أشياء أهمها دفع القارئ إلى وعي الذات والمجتمع الذي يعيش فيه وتقديم أسباب التقدم أو الفشل في حياتنا المعاصرة، مثل طرح قضية معينة كان لها مثيل في التاريخ. دروس التاريخ مهمة إن نحن خضنا غمار التنوير، ففي التاريخ تكون نتائج الأزمات معروفة ولا داعي للافتراضات وعندما يضع الكاتب الأسباب والنتائج في سياق واضح فإنه يزيد من الجرعة المعرفية للقارئ.

النقد لا يجاري الإبداع..

المجلة الثقافية الجزائرية:الأدب العربي المعاصر شهد فورة إبداعية واسعة خصوصاً في حقل الرواية.. هل تعتقد أن هذا الزخم الإنتاجي كان سبباً في قصور النقد عن أداء مهامه في تحليل النصوص وتأويلها واستجلاء ما تقوله ضمن مقتضيات العناصر الشكلية والجمالية؟
نهاد سيريس:
نعم، هذا شيء مدهش فنحن نشهد تزايداً في عدد الروايات التي تنشر سنوياً في العالم العربي وليس عندي إحصائيات جاهزة فليس هناك من يقوم بها، ولكنني أتوقع أن يكون عدد الروايات العربية الجديدة بحدود العشرات والكثير منها روايات جيدة كتابها من الشباب والنساء. أما عن النقد فإنني لا أعرف السبب الحقيقي في عدم مجاراته للعملية الإبداعية. لدينا نقاد ولكنهم مشتتون ولا يشكلون أهمية نقدية في مواجهة الأدب الروائي الحديث. كنت أتمنى أن يشكل النقاد تجمعاً علمياً مهماً فيصدرون مجلة نقدية ويقدمون جائزة باسمهم لأهم الأعمال الروائية العربية.

الدراما .. والمنفى

المجلة الثقافية الجزائرية: في حوار سابق معك ربطت بين تقديمك لعمل درامي جديد وبين عودتك إلى سورية، لماذا هذا الربط؟!
نهاد سيريس:
الكتابة للتلفزيون تختلف عن الكتابة الروائية حيث بإمكانك كتابة كتاب ونشره في أي دور نشر في العالم بينما يحتاج السيناريو لشركة إنتاج محلية حيث يتواجد الممثلون والمخرج والأزياء والديكورات الطبيعية وبالطبع الرقابة التي تجيز النصوص. بالمناسبة فأنا ممنوع من النشر في سورية وكتبي مصادرة والرقابة ترفض نشر أي نص لي أو تصوير أي سيناريو درامي. قصدت بعودتي إلى سورية حين تتم التسوية ويصبح الوطن للجميع، إنني الآن مطلوب من قبل أجهزة المخابرات بسبب اشتهار \”الصمت والصخب\” عالمياً وبسبب بعض المقالات التي نشرتها أبين فيها حيثيات الأزمة السورية بشكل لا يرضي النظام السوري.

المجلة الثقافية الجزائرية: تعيش تجربة المنفى مضطراً وآسفاً منذ ست سنوات.. كيف تتفاعل مع هذه التجربة على المستوى الإبداعي؟
نهاد سيريس:
القلم لا يتوقف ولكن الرغبة خافتة الآن فقد فاجأني مستوى الأحداث وعنفها وأربكتني الأحقاد التي طفت على السطح، ثم إنني أشعر بهزيمة المثقف وإحباطه.