ثقافة النثر والقصيد
حين يهطل المطر ..!!

محيي الدين كانون*
أُحُِبّكِ أيُّتها الحقيقةُ كما أنتِ …!
كالشمس في شروقِها …
و كالشمسِِ في غروبِها ….
لن يغيَّرُكِ شروقُ ولا غروبُ ….
أيُّتها الحقيقةُ العاريةُ من كلِّ الأصباغ / والترُّهاتِ / وغدر الذئاب
2
حُبِّي كبُرْعم ٍفى عينيك ِ لا ترينْه ..
ولأنَّه لا يمْشي مع خطوك ِ…
لكنه يرافقكِ كصديق طفولةٍ…
وحين يهطل المطر….
يستعجلك للطَّلِّ واللعب بالطينِ ..
يقفز مَعك ِحافي القدمين…
حاسر ُ الرأس في الغُدران ِ..
ولا يأبه للبرد ٍ ولا لمضاربِ القبيلة ِ..
مادام حُبِّي بُرْعُمُ في عينيك ِ…
3
يا أنشودةُ البساطةِ و يا نسيم السلام …!
مهما كان ضِعْفُنا ….!
لا تغيبي عنَّا يا حبيبتي…يا بلادي ..!!
فأنتِ العزاءُ / والفضيلةُ / والحبُّ الشجاعِ ..!!
4
عليَّ يا رعاع السوق …يا معتوهي النظر…
ممجدي الكراسي ….
ويا لصوص الامتيازات …
عليَّ بأمواجِ اللّيلِ الحاضرةِ وقناديلِ الحُزْنِ المؤجلة ….
فمن يُطفئ نار وطني …؟!
والخصم عنيد وعدو شرس …
في الصباح قزمٌ يتلون بلسان حرباوي متمرس …
وفِي المساء يخبيء سكائب الذهب تحت سريره بضميرِ ميت ٍ …
ويضحك من تخشبنا الذي لا يصنعْ فُلْكاً في بحر النّجاةِ..
5
أتراه جاء مع خاصرة المساء… ؟!
وسقط بهاوية عاصفة يوم خريفي مكفهر مجنون..
أرتطم بالشجرة…
و تناثرت ريشاته تحت سنابك الريح الهوجاء…
لم يعد بعدها لإصدقائه..
وأختفت تغريدة الصباح العذبة..
وعند الشروق الصامت….
تفقدته بالرابية زهرات الأكاسيا والأوركيدا..
تمايلت شاخصة نحو السماء الصافية بدابق الدموع…
6
تعطَلَّ صمام قلْبِي …
حين غابت…
من يومها تبدل الحال ….
صِرْتُ أسوح في البراري والطرقات …
بحثا عن عنوان بيتنا القديم ..
عن شجرة التوت العتيقة ..
عن ذكرى حبيبتي ..
من يومها لم أنم .ومن يومها الناس .
.
ينادونني : يا بهلول !!
7
بنشوة الحمامات البيضاء المكتنزات يتمالين بين أصابع العشب..
فرخ الحمام يقرقر بينهن ..
و يهزُّ رأسُه إلى الأمام…
يقرقر بينهن … وينفخ ريشه باستماتة ..
يتحرك في خط مستقيم مسرعاً صوب حمامته …
يلف
ويدور و ينحني برأسه الصغير ..
ويقرقر مجددا..
بينما هن يتمايلن على وشك الموت ضحكاً …
من سي السيد الصغير…!!
8
كيف أصادر رأسي…
وأركب فيه رأس دجال يفتي بزواج قاصر…
ويُقْسمُ الوطنَ في بلادي فسطاطين :
فسطاط للشهداء وفسطاط للكفّار
9
أفتحُ ِمحْرابَ الخَيالِ والجَمالِ…
أمنحُ كينونةّ الأشياءِ بأسماءِ جديدةٍ ..
أخلع عليها ثوبَ البنفسجِ و التلاقي..
أنسجُ بينها علاقات غير سرية …
و الكل سيغني اغنيةً تصدح بجمال الله الحي الذي لا يموت..
ويلبس ردائه الذي يريد…
وردائى البنفسج دون سِواه …
10
وحين يجيء المساء الأزرق برياح الخريف..
يتشبث أبناء وطني الطيبين بأنفاس الوردة..
ويدمعون بحناجر خرساء كالعصافير المقرورة تحت وابل المطر .
و تحت الشجرة هناك يجلس وطني وحيداً يبكي فجيعته..
ينتحب على البؤساء…
فالجوع كافر لا يستر عورته…
* شاعر ً و روائي من ليبيا