ثقافة السرد
موعد للأسفار
* مامند محمد قادر
أنزلق من الحافلة , ألملم اطرافي المتساقطة , اتّبع ظلي المشتّت على الأرصفة و أنا أفكر في درب أستعيد فيه أطرافي . أتجه صوب دائرتي العتيقة , أدخل الباب الرئيس لها . و دون أن ينتبه أحد اليّ أستدير نحو غرفتي الخاصة . توقفني للحظات حشود تطوّق صورتي الملصّقة في لوحة الاعلانات . أتأمّل عينيّ التائهتين و أطرافي المبتورة . أنتصب لساعات في مكاني و قد أنتابتني الحيرة . أعود أدراجي . يمرّ بيّ المارةّ و أنا عبثاً أسعى لألملم فيّ ظلي . تسحبني سورة الأنفال المنسابة في أقصى المدينة . أشاهد من خلال الفراغات بين القامات الدائرة جسداً نحيفاً عارياً دونما أطراف. توزّع الحلويات في هدوء على الأطفال , و أنا جالس في ركن أجترّ ما في فمــي . تداعبني عيون أطفالي من بعيد و هم يبادلونني الأبتسامات . توقظني أصوات محرّكات السيارات . هراء متواصل لكلمات غير مسموعة. أسرع وراء السيارات المنطلقة . أجد لي مكاناً تحت المقاعد . أنظر الى الأحذية التي تطوّقني في الأسفل , أتأمل أصحابها . أترجّل ساحباً ورائي أشلائي . أجلس القرفصاء في سهول تخنقها الأشعة الرمادية للغروب . أرسم أطرافي على لوحة من الماء . يورق جموحي ظلال البحر , و تذوي بين أصابعي زنبقة الأسفار . يعشّش الليل في رأسي . أشعل سيجارة في الظلام و أنا أنظر الى الظلال المتطاولة المتحركة في ضياء المصابيح للحشود المتجمّعة . أغفو ومازالت السيجارة المشعولة بين أصابعي . أستيقظ . أنظر الى ساعتي . ما زال الوقت مبكراً . أتكوّر في فراشي زهاء نصف ساعة . أخرج الى الشارع الخلفي للمنزل لأحضر شيئاً ما للفطـور . أرجع الى المنزل عبر الأزقّـة الخالية و أنا أتلمّس جدران البيوت بنظراتي .أستدير نحو غرفة الأستقبال حيث اعتدنا على تناول الفطـور فيها . تبعثر الشمس أشعتها الرمادية في الغرفة خلال زجاج النافذة . يسرّع الأطفال للّحاق بمدارسهم . يجادلونني و أنا في صمتي الدائم في أمور قد تكون في غاية الأهمية . غير أني أفكر و ما زلت في دروب أستعيد فيه أطرافي .
*كاتب ومترجم من العراق