ثقافة النثر والقصيد
سراب
خالد فلياشي*
كأنّ العام الذي مضى
ذهب بنصف عمري
و تركني رماداً
اشتدّت به الريح في يومٍ عاصف
تركني ممدداً
طريح الذكريات
و الأحزان
مثل شاطئ البحر تركني العامُ
للعام
انتظرُ مواعيد المساءات الحميمة
و الصباحات المشرقة
و فجراً انتظرُه
مسرجاً بالأحلام
تركني كشمس الشتاء
أشرقُ يوماً
و أغربُ في أغلب الأيام !
تقولُ الشمس في غروبها
أنا للمفجوعين
و العاشقين
و الأولين
و الآخرين
أنا الوحيدة نوراَ
و هذي البراري اسألوها عنّي
هذي الطفولة المسروقة
تعكسُ ضوئي
و هذي حرقة الأيتام !
كما البحر تركني
هائجاً
هادئاً
عميقاً !
يحبّ البحر المدّ
و الجزر
و الصمت
و لا يهوى فضول الكلام !
تركني كالطير في ملكوته
حرّاً
تغرّد الطيور دون مقابل
و تخشى السقوط في قفص الأوهام !
تركني كالسماء في عليائها
هل كانت السماء غير سحابٍ
و غمام ؟!
هل كانت السماء غير ليلٍ بارد
أطفأ عليّ شموعه
طول العام ؟!
هل كانت السماء غير نسمة
تؤانس الحيارى في وحدتهم
و تمسح دموع الغرباء
في وحشة الظلام ؟!
تركني كالرمال المبللة
بأمواج الأحزان
و الآلام
تركني كالرّضيع في مهدِه
وليداً مفطوماً قبل الأوان !
كان الرّضيع يبكي طول الوقت
يصرخ ببراءةٍ شديدةٍ
لا يأكل
و لا ينام !
أعيدوا الرّضيع إلى بطن أمه
و خذوا هذي الحياة عنه
أعِدكُم
سيشربُ الرضيع نخب عِتقه
هناك
في بطن أمه
سيعزفُ إن عاد
روائع الأنغام
___________________________
*جزائري مقيم بفرنسا