ثقافة السرد
بائع الفطائر
خالد فلياشي
بينما يغطّ أطفال المدينة في نومٍ عميق و يستعدّ آخرون للذهاب إلى مدارسهم ، تنتشر عند كل صباح تلك الأغنية الحزينة ، فيملأ صداها أرجاء المكان . هي في الحقيقة ليست أبداً بأغنية ؛ و إنما كانت و لم تزل ؛ حكايةً خانقة و ألماً غزيراً لم يلتفت إليه أحد:
– فْطَايِيِييييييييييرْ … فْطَايِيِيِيييييييييرْ.. فْطَاييِيِيِييييييييرَااااااااا…
أجل ؛ إنه بائع الفطائر ، المتسكّعُ في جُرحه الغائر ، هذا يراهُ بعين الإحتقار ، و ذاك لا يُلْقِ له أدنى بال ، و آخر يراه.. فلا يراه..
هو ببساطةٍ حارقة صبيٌ يافع لم يتجاوز بضعة أحلامٍ من عمره ؛ حديثُ عهدٍ بالطفولة و الحياة ..
رَمَاه الزمن بسهم غادر؛ فَأرْدَاهُ شريدَ ممرّات الحياة الضيقة.. و أيّ شريد..
يصولُ و يجول كل يومٍ من شارعٍ إلى شارع .. و من بيتٍ إلى بيت .. و من خيبةٍ إلى خيبة.. يبيعُ للناس فطائره الدافئة ، و يبيعُ للصباح لحناً طاعناً في البرد و في الوجع ، ثم يمضي في صمت مدقع . قد يكون في نهاية المطاف سبباً في بهجة أطفالٍ كثيرين ، ولكنه – و من دون شك – سَيجرّ أذيال الحرقة في حلقهِ كل يوم ، و هو يعود من غصّته المخفية وراء الدموع محمّلاً بنظارات الآخرين ، حتى تلك التي قد تحملُ شفقةً في أجفانها ؛ تقتلُه في سويداء قلبه مع كل نَفَس..
أمّا أمّه التي تنتظره هناك ؛ من قلب الوجع و الحنين ، و على بعد خيبةٍ تكبرُ ابنها بآلاف السّنين ؛ تنحني بروحها إجلالاً له كلما عاد ، فتغرّد الطّيور في أسرابها لِبائِعي الأحلام مع كل صباح باكر ، و ينوح الحمام عند الهَجير ، و تختفي النجوم في سماءها بين عتمات اللّيل المنسيّ خلف قضبان البؤس و الشقاء..
___________________________
كاتب جزائري مقيم بفرنسا