ثقافة النثر والقصيد
بلقيــــس
بقلم عوني شايب الذراع *
بَلقِيــسُ قومِي مقامَ الـوصْلِ في شعري
واصغي إلى زفْــرةٍ أسْكَنـتُـها صـدري
بِتُّ الذي لا يرى في أمرِه رشَدًا= صريعُ وجدٍ يحَار الصّرعُ في أمري
لَا أَبْتَغِي مسْكنًا فالرّوحُ قابعَةٌ = عند التي خدْرُهَا قلبِي وَ ما تدري
أرجو الـمقام بقلبٍ قد قلى شططا = و العينُ آسرةٌ .. حسنٌ لها أسري
فَهذه الشمس في الأجواء حائرة= هل تملكُ الشمسُ أختا و هْيَ لا تدري ؟
حتى إذا أفلتْ أحتارُ في قمري = كم ذا توشي بهاء من سنا البدر
ترنو إلي بطرف لمحُه برَدٌ= و القلبُ مستعرٌ يُكْوى على الجمْرِ
قدٌّّ لَها إنْ مشتْ ريمٌ يكلِّلهَا= شَعْرٌ تسـاوَى فمنسَابٌ علَى الظَّهرِ
عينَانِ حَوضٌ سرَى بالسحرِ أسْوَدُهَا =و الدّرّ منتظمٌ في بسْمَةِ الثّغْرِ
وَ الثغر وردٌ بغصْنِ اللوزِ منبَجِسٌ= يسبيكَ منظَرهُ أَو منتهَى العطْرِ
تقُولُ (عوني)لك القلبُ انتمى و دمي=منْ عشقِ عينَيكَ في شريانه يجري
تهواكَ عيْني فإنْ أخفيتُـهُ حجُبًا= بدا بها علنا سرًّا إلى جهرِ
تغيبُ بلقيسُ لاَ أحظَى بِرؤيتها = صدت كأن فؤادي قدَّ من جمر
ما زلت أطلبهَا أو خانني أجلي = أمــا ترى كبوتي و الشّيبَ في شعْرِي
كأنما ترقبُ الأنْفاسَ إنْ قبِضتْ =وَ هلْ وسِدتُ ترابَ اللحْدِ و القبْرِ
و العينُ غارَت أجيجُ الشوق أنضبَها = لطفا اذا ما بكتْ يبكي لها غيري
لو كنتُ أجزَى على دمعِي لنلتُ بهِ= عفو الإله هدى فِي ليلَةِ القدرِ
و القلبُ طير لـقرٍّ ساقه قدر = يطيرُ من ذكرهَا إن جيءَ بالذّكْرِ
******
جئتُ الخيامَ و ما لي غيرها وطر = و القَــومُ يغرقهُمْ فِي حيرةٍ أمري
أسعَى لهَا سعْيَ منْ يمْشي على سبغٍ= يرَى السَّرابَ منَ الإجهادِ كالقَطرِ
فكلُّ منْ يفِدُ الأمصارَ منْ بشرٍ = ألقي النداءَ لهُ : بلقيسُ يا عمرِي
و أرمقُ القومَ في عطفٍ و في عذلٍ= حولي جثا ملأٌ أنظارهمْ تزري
قالَ الكبيرُ غريبٌ جاء مرتبكا = لأي أمر ترى قد جاءنا يجري
فقلتُ يا سيدي ذاكَ الحنين قضى = هل تشفقون و يرجى عندكم عذري
عشِقْتُ ظبيا أتى بي غير مكترث =قد أشَفقَ التَّوقُ منْ حالِي وَ منْ صبْرِي
إنْ تطلُبُونَ العلَا فالعِزُّ فِي شرَفِي =أو تطلبونَ الغنَى فالقلبُ مِنْ دُرِّ
مهرِي لها الرّوحُ والأضلاعُ تحضنها= وَ هْيَ الحَياةُ إذا أحيا فلا تمري
فاستصرَخَ الأمرَ للحرّاسِ فِي غضبٍ = وَ لم أبالِ بجيش يقتفي إثْري
غلُّوا الذِي يصفُ الحسناءَ مفترِيًا= و اغدوا به درَكا في أسفلِ القصْرِ
فصِحتُ يا معْشرَ الأخيَار ما عدلت = منكم فتاوى تديم الصبَّ في الأسرِ
ما كنْتُ منْ تكْسِرُ الغرْبانُ سطْوتَه = ما حط نسر العلا في قاحل القفر
*****
وَ سيقَ بي أحمِلُ الْأغلالَ مثقَلةً= و وحدها قدْ بكتْ بلقيسُ فِي سترِ
وَ لوْ فديتُ فصخرُ الأرض يطمرني= فدى لـمنْ دمعها أغلى من الدر
أُرمى إلَى عتْمَة الأركانِ منْتَكسًا=حالي غلابٌ منَ الأحزان و الضيْرِ
كيوسفَ الصادِقِ الـمنسِيِّ فِي ظلَمٍ= يا ليتَ لي صاحبا يروِي لهُمْ ذكْري
وَ ألبسُ الهَمَّ سربالا فصِحتُ بهَا = بلقيسُ ناشدتكِ الرحمان في أمري
فإن أغثتِ فذاكَ الحقُّ حقَّ لنا = يوماً ملكتِ دمَ الأوصالِ وَ الصدرِ
أَبْكِي و يبكي أسَى ما أشتكي حرسي=
و السوطُ منطقه بلقيسُ في ظهرِي
حتّى إذا جنحَ اللّيلُ انتبهتُ على = نور الشموعِ علا الأرجاءَ كالتّبرِ
إنّي رَسولُ الجَنَى فاسمعْ لـما أمرَتْ =مولَاتنا، تفتحُ الأبوابُ في الفجْرِ
حرّاسُ بلقيسَ إنْ حلُّوا بموْعِدِهمْ = فاهربْ و حاذرْ بهمْ قتلًا على وزْرِي
يأتونَ منْ جانبِ الأسوار أبعثُهُمْ= فاسلُكْ بهمْ سبُلًا تأتي إلى البحرِ
فقلتُ يا خيبتي ظنِّي بظالـمَةٍ = أمشي معي جثّتي و الرّوحُ في الأسْرِ
هلْ يبزغُ البَدْرُ إشراقًا بلا وهجٍ = أو يعبقُ الوردُ في ريحٍ بلا عطرِ
فارْجعْ لهَا و استبِقْ في قولنا عتبًا= ما جئْتِ غير الذي يزداد في قهري
للسجنُ في ظلمتِي عمرًا أحبُّ إلى= قلبِي منَ البعْدِ أو أصلى لظَى الهجرِ
*****
و استرسلَ الصبحُ إقبالا علَى عجَلٍ= يغزو بجحفله ثِقْلًا على إصْري
نادَى منَادٍ أيا قومًا أن اجتمعُوا=نقْضي لشأن الذي قد ضلَّ بالوزرِ
نسْوانهُمْ قدْ بكتْ و الحبلُ في عنقِي= في غربتي غربةٌ أقضي بها نحري
يا ماشيًا حيثُ ما الخلان تعرفني =سرْ للخيامِ و لا تأخرْ عنِ السيرِ
و اركبْ على فرسي المفجوعِ من حزَنِي=فحاله ماثلٌ من دمعِهِ الـمرِّ
سلِّمْ علَى مرسمٍ بلقيسُ فيهِ أتَتْ= و أخلفتْ موْعِدِي في آخرِ الأمْرِ
و اضممْ أخا إنْ بكى فقدِي و والدَتِي= و كلًّ سائِلةٍ تأتِي على ذِكْرِي
وَ اسألْ تنلْ مطلَبًا منْ قبلِ ما عزمُوا= ذاكَ الذِي قدْ رأى العزيزُ في أمري
فقلتُ ذا طلبِي لوْ ترسُمونَ غدًا= إسمًا لبلقيسَ في أحجارهِ قبرِي
إنِّي وَ إنْ ذكِرتْ ألقَى بمسْمعِه= بردًا لـما يلهِبُ الأشواقَ منْ حرِّ
ذِكْرُ الحبِيبِ إلى محبُوبهِ برَدٌ= يطفي الجوى شكلُه ماءٌ علَى الجمرِ
ذِكْرُ الحبِيبِ زلَالُ الرّوحِ إن ظمئتْ= تُسقَى بهِ بلْسمًا فِي شرْبةٍ تُبْري
منْ خدرِها طلّتِ الحسنَاءُ و اشتَملتْ= فغابَ عنِّي الورى في تيهةِ السِّحرِ
تبكِي و في سكرة الـموتِ احتضَرتُ علَى =همسٍ أتَى مرسلًا منْ ثغْرِها يسْرِي
تقولُ قُلْ ماتَرى يَفديكَ قلتُ لها= بلقيسُ قُومِي مقامَ الـوصلِ في شعري
وَعَاوَدَتْ قَوْلَها تبْكِي فصحْتُ بهَا=بلقيسُ قُومِي مقَامَ الـوصْل في شعري
* شاعر جزائري