المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

الباحث والمؤرخ المصري د.إبراهيم مرجونة للمجلة الثقافية الجزائرية: المفكر إن لم يكن له تأثير إيجابي في المجتمع لا فائدة من أفكاره

إبراهيم مرجونة باحث ومؤرخ وأستاذ جامعي ومدرب دولي محترف ومعتمد في الأكاديميات العلمية ومنها الأكاديمية الكندية للتدريب والاستشارات، ومركز الديمقراطية وحقوق الإنسان بجامعة القاهرة. ضيفنا مثقف   استطاع لفت الانتباه إليه في السنوات الأخيرة ربما لأنه يبدو مختلفاً في قراءته للتاريخ، فهو لا يقف على الأطلال حين يكتب عن الماضي إنما يبحث عن الدروس المستفادة منه ويحرص على لفت الأنظار إلى المعالم المضيئة والمتفردة في الهوية العربية، حيث يلمس القارئ في كتاباته لغة علمية رصينة قائمة على إحساس بالمسؤولية وأساس إبداعي وأخلاقي أيضاً. في رصيده الإبداعي الكثير من الأبحاث المهمة ومنها: (التسامح والإخاء الإنساني في وثيقة الرسول بالمدينة المنورة) و(الشيعة في مصر إبان عهد صلاح الدين الأيوبي بين التهميش والإقصاء السياسي)، ومن مؤلفاته نذكر: (تاريخ الدولة الأموية) (تاريخ صدر الإسلام) (المغول والحضارة الإسلامية: رحلة المغول من الاستكبار إلى الانصهار) (تاريخ الأكراد\” الدور السياسي والحضاري في ظل الخلافة العباسية) (تاريخ الدولة الفاطمية) (تاريخ الدولة الإسلامية حتى بداية التاريخ الحديث) وغيرها.. المجلة الثقافية الجزائرية تصل هذا المبدع بقرائها في هذه المساحة من السؤال والجواب:
حاورته: باسمة حامد

اقرأوا التاريخ جيداً

المجلة الثقافية الجزائرية: لنبدأ من كتابك المهم (الدلالة والرمزية في التاريخ الإسلامي) الذي أضاء على مظاهر حضارية عديدة عند المسلمين قلما تطرق إليها المؤرخون، ما الرسالة التي أردت إيصالها للقارئ من خلال هذا العمل ضمن ما يجري الآن في منطقتنا العربية من اقتتال داخلي واحتراب أهلي؟
إبراهيم مرجونة: الرسالة هي: البحث في الـ مـاوراء والنظرة التأملية في كينونة الأحداث ودلالاتها وقراءة الرمزيات التي حركت أحداثاً تاريخية وأسهمت في تغيير الخريطة السياسية غير مرة وذلك بهدف اعتبار التاريخ خزان خبرات تساعد على قراءة الواقع من خلال البحث عن الأسباب الحقيقية وراء الأحداث ورسم تاريخنا بأنفسنا وعدم السماح للآخر بأن يعبث بنا ويسطر لنا تاريخ نسير وفق سيناريوهاته مسلوبي الإرادة؛ فالرسالة: اقرأوا التاريخ جيداً بهدف العظة والعبرة كما قال الإمام السخاوي وبوعي وإدراك وفهم لمجريات الأمور وخذ من الماضي ما يعينك على قراءة وفهم الواقع وحسن التنبؤ بالمستقبل.
فما نعانيه الآن في منطقتنا من اقتتال واحتراب ما هو إلا نتاج عدم قراءة التاريخ وعدم استيعاب الدروس، حتى إننا إن قرأنا فإننا نغمض أعيينا عن الدروس المستفادة ولا نفتش عن الـ ماوراء أو صاحب المصلحة في اقتتالنا واحترابنا. وكما قال أفرد ويتني جرسولد: \”إن الذين لا يعتبرون من أخطاء الماضي مكتوب عليهم تكرارها مرة أخرى\”.

يجب أن نلتف حول لون الوطن ولا نعبث بحضارتنا

 المجلة الثقافية الجزائرية: الكتاب يبحث في الألوان ودلالتها السياسية والحضارية عند دول المشرق الإسلامي، كيف نشأت فكرة البحث في هذا الجانب تحديداً؟
إبراهيم مرجونة: لقد نبعت الفكرة ونشأت من الرغبة في البحث عن مكنون الأحداث ودلالات ومغزى الانتماء إلى لون أو اتخاذه شعار، ولماذا أصبح لكل فرقة لون؟ وبالنظرة التأملية للتاريخ يُلاحظ أن اتخاذ الألوان جاء بهدف التمييز ولإثبات الهوية النابعة من الأطماع السلطوية؛ فمنذ القدم كان لكل قبيلة علم ولون يميزها عن غيرها ولا توجد دولة في العصر الحديث بدون علم يحمل ألوانا ذات دلالات ورمزيات مرتبطة بأيديولوجيات الدولة أو أصحاب الفكرة أو الأحداث التي مرت بها هذه الدولة؛ من هنا جاء البحث والتنقيب عن ماهية الألوان ودلالاتها حيث انتهت الدراسة إلى نتيجة مهمة وهي: أن كل من بحث لنفسه عن لون وشعار وعلم كان طامعاً في السلطة أو له اتجاه سياسي أو حزبي وحاول بكل السبل أن يصبغ فكرته بصبغة دينية أو عرقية لتلقى القبول ومثال ذلك: الشيعة والخوارج وغيرهم من الفرق، أما أصحاب الفكر والرؤى فلم يشغلهم اتخاذ علم أو لون مثل المعتزلة والأشاعرة فالطمع في السلطة كان من دوافع اتخاذ الألوان والشعارات. فعلينا جميعاً أن نلتف حول لون الوطن، نجتمع لا نفترق ونؤصل هوايتنا تحت هذا اللون ولا نعبث بحضارتنا ولا موروثنا الثقافي.

الغرب نجح في زرع الشكوك حول ارتباط الإسلام بالعنف والإرهاب

 المجلة الثقافية الجزائرية: الغرب نجح بإثارة الشكوك وإشاعة المغالطات داخل منظومة الدين الإسلامي بحيث تم ربطه بالعنف والإرهاب والجهل والتخلف.. لماذا؟ أين تكمن المشكلة؟ في فهمنا للآخر؟ أم في القادة والساسة والعلماء والفقهاء؟ أم في بُعدنا عن حقيقة ديننا؟ في قراءتنا للراهن أم في تمجيدنا للتاريخ؟!
إبراهيم مرجونة: أولًا: دعيني اتفق معك وأقول أن الغرب نجح إلى حد كبير في زرع الشكوك حول ارتباط الدين الإسلامي بالعنف والإرهاب وكذلك بالجهل والتخلف من خلال الإعلام الممنهج مستغلاً عدم قدرتنا على التصدي وخلق إعلام موازي متبني الحقيقة وكاشف للزيف ويرفع عنه نقابه، أخلاق الدعاة والمؤسسات الدينية في إيصال الفكرة الصحيحة عن الإسلام الوسطي إلى الغرب واكتفى الكثير بالحديث والخطاب الداخلي، لم يكن هناك خطة دعوية توعوية تنتقل للغرب بفكره بهدف إكساب المعرفة الصحيحة وتغير القناعات، رغم أن هناك بعض المحاولات التي خرجت من دول عدة ولكنها غير كافية .
وفي المقابل الغرب لم ينجح في زرع هذه المغالطات داخل منظومة الدين الإسلامي فالدين ثابت لا يتغير، لكن ما يثار ما هو إلا إساءة فهم لهذه التصور، فالأزمة الحقيقة في البعد عن القراءة بفهم والمعرفة الصحيحة والدعاة الذين يعملون وفق خطة مسبقة ومدربون بشكل جيد على دحض الحجة بالحجة وتقديم البرهان والدليل على زيف الغرب وتدليسه، أيضاً الجهل بثقافة الآخر وكيفية الوصول إليه وفق منظومته الفكرية وعدم تمكن من يعملون في مجال الدعوة من إجادة أكثر من لغة لإيصال الفكر الإسلامي الصحيح إلى المجتمع الغربي، وما زاد الطين بلة قيام عدد من الدول الكبرى بتجنيد الشباب في جماعات بمسميات مسلمة لتحقيق أهداف سياسية في المنطقة ولضمان السطوة والسيطرة لتديين وجهها القبيح والإساءة للإسلام، ونفتقد أيضاً لقراءة المشهد الراهن والتنبؤ بسيناريوهات المستقبل ببعدنا عن الفهم الحقيقي لعلم التاريخ قراءة ووعياً وتدريساً.

الحل في القراءة والتعلم

 المجلة الثقافية الجزائرية: وما الحل؟ كيف السبيل إلى النهضة؟
إبراهيم مرجونة: الحل يكمن في وضع خطط استراتيجية مرتبطة بالواقع تسير وفق جداول زمنية دقيقة يشترك فيها الجميع: ساسة وقادة ورجال دولة بالإضافة إلى العلماء والفقهاء، والخطة أيضاً تشمل وبصفة أساسية الاهتمام بالتعليم كقاطرة للنهضة بالمجتمعات الإسلامية سواء سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، فقد التقت السماء بالأرض في أول مشاهد الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بفعل الأمر: \”اقرأ\” ؛ إذاً الحل في القراءة والتعلم وأن يطابق القول العمل، ووضع آليات تناسب كل موقف مع تنمية مهارة إدارة الأزمات بشكل منهجي .

على المفكر إحداث حراك علمي وثقافي في المجتمع

المجلة الثقافية الجزائرية: كتابك (المواجهات الفكرية في المشرق الإسلامي) يسلط الضوء على قضية في غاية الأهمية وهي انتصارات الفكر الإسلامي التي فاقت أحياناً الانتصارات الحربية والعسكرية.. كيف يستعيد المفكّرون العرب دورهم الفاعل والمؤثر ضمن الراهن المفجع بكل كوارثه وخيباته وانكساراته؟
إبراهيم مرجونة: يستعيد المفكرون العرب دورهم بالنزول من الأبراج العاجية التي استوطنوها منذ زمن إلى أرض الواقع، فالمثقف والمفكر إن لم يكن له تأثير إيجابي في المجتمع لا فائدة من أفكاره، فقد صار معظم المثقفين يرى نفسه بنرجسية وكأنه من عالم آخر ولا ينخرط بين الطبقات المجتمعية، وعلى المفكرين إيجاد وتوليد أفكار تساعد على الحلول الواقعية وغير التقليدية تحمل سمة الإبداع للخروج من الأزمات وبث روح الثقة بالنفس ورفع الوعي والإدراك لدى المجتمعات، لأن الفكرة أكثر وأشد تأثيراً من القنابل الذريةـ، ففكرة (فرّق تسد) التي اعتنقها بسمارك في القرن التاسع عشر الميلادي أصبحت سياسة واستراتيجية تنتهجها معظم الدول للوصول إلى أهدافها المنشودة، لذا أكرر على المفكر النزول إلى الشارع وإحداث حراك علمي وثقافي في المجتمع يساعد على صحوة العقول وزيادة الفهم والإدراك والقدرة على مواجهة الأزمات.

الفكر العربي بدأ يتهيأ للنهوض

المجلة الثقافية الجزائرية: الكتاب ركّز على الريادة الفكرية والدينية للمدارس النظامية في مواجهة المدّ الشيعي خلال العصرين الأموي والعباسي، اليوم وفي ظل ما يجري في منطقتنا من تجاذبات طائفية وسياسية حادة دعني أسألك من موقعك كباحث تاريخي وأستاذ جامعي: برأيك ما الذي يمنع المؤسسات التعليمية العربية من القيام بهذا الدور لإعادة هيكلة الشخصية الإسلامية وبنائها على أسس علمية ومنهجية ومعايير الفهم الصحيح لتعاليم الشريعة؟
إبراهيم مرجونة: أتفق معك تماماً، فعلى المؤسسات التعليمية (مدارس – جامعات – أكاديميات بحثية) وكذلك المؤسسات الدينية (مساجد – كنائس) أن تطلع بدورها التوعوي لنشر صحيح تعاليم الدين ومواجهة الأفكار المتطرفة بالفكرة السليمة وكشف الزيف إسقاط ورقة التوت عن الأفكار والمعتقدات المشبوهة التي تغلفت بغلاف الدين وهو منها براء؛ فالدين يدعو إلى الرحمة والتسامح والعمل والبناء وقبول الآخر، فعلى جميع المؤسسات وكذلك العلماء والمؤرخون القيام بدورهم في تغيير القناعات وإكساب المعرفة والمهارات للمتعلمين وتريبهم جيدا للوصول إلى الحقيقة والمعرفة السليمة وصحيح الدين وتعاليمه والرجوع إلى أهل الذكر من المتخصصين لأن الدين ليس بالرأي.

 المجلة الثقافية الجزائرية: لعل ما تحتاجه المجتمعات العربية والإسلامية اليوم إلى نضج معرفي صحيح بالتاريخ، والتعلم من التجارب الإنسانية السابقة، لكن برأيك هل تهيأ الفكر العربي لهذه المرحلة مع تفشي الإرهاب والتطرف وهيمنة الإيديولوجيات الأصولية وغياب ثقافة السلام والتسامح؟
إبراهيم مرجونة: أعتقد أن الفكر العربي قد بدأ المراحل الأولى من التهيؤ للنهوض، لأن شدة الظلام تعني اقتراب الفجر، فهناك عودة إلى البحث عن التعلم الحقيقي وفق جودة تعليم واهتمام بالمنتج، وبدأت سياسات بعض الدول تهتم بملف التعليم ونشر الأفكار الصحيحة، فتفشي الإرهاب والأفكار المضللة والبعد عن صحيح الدين هو ما أنتج الرغبة الصادقة والملحة لنشر الأفكار والتعاليم الصحيحة لدحض كل ما هو باطل وغير صحيح، فعلى الجميع اغتنام الفرصة وبداية الغرس المعرفي السديد لإنبات جيل لديه العلم والفهم والإدراك ليواجه كل هذه الأفكار، فلن نستطيع عبور النهر دون تعلم السباحة فالقضية كما ذكرنا مرتبطة بالعلم وطريقة تحصيله وفهمه وآليات تطبيقه والانفتاح على الآخر بما يفيد ويخدم قضايانا العربية.

من المصائب الكبرى خلط الدين بالسياسة

 المجلة الثقافية الجزائرية: تجربة الإسلام السياسي في الحكم أثبتت نزعتها لتوظيف الدين لصالح مشروعها السياسي لا لملاقاة حاجات الشعوب في الحرية والعدالة الاجتماعية.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا انخدعت مجتمعاتنا بالشعارات الدينية البرّاقة ولم تحرر من تاريخها المغرق في الصراعات الدامية بين الجماعات الدينية خصوصاً وأن الخطاب الديني الطائفي -كما تعلم- له امتداداته التاريخية؟!
إبراهيم مرجونة: من المصائب الكبرى خلط الدين بالسياسة وتوظيف الدين لخدمة الأطماع السياسية، هذا بجانب الوصاية وتصدير الجماعات الدينية لفكرة أنهم (ظل الله على أرضه) وأنهم يمتلكون مفاتيح الجنة وهذا يخالف صحيح تعاليم الدين، فالسياسة هي أمر دنيوي لتحقيق المصلحة في إدارة البلاد ويجب انتهاجها بما لا يخالف تعاليم الدين مع الإبداع والابتكار والاطلاع على كل ما هو جديد في عالم السياسة ونظرياته واستخدام كل السياسات التي تساعد على النماء والارتقاء، وأكرر: في الخلط مفسدة، فهناك مشاهد تاريخية كثيرة في الشرق والغرب غيبت فيها العقول باسم الدين سواء في فترات الخلافة أو الحروب الصليبية، ويعود بنا ذلك إلى ما ذكرناه سابقاً من أن غياب الوعي وعدم قيام العلماء والدعاة بدورهم في إيصال التعاليم الصحيحة للدين والارتقاء الفكري بالمجتمعات من شأنه أن يؤدي إلى التهلكة فالذهن الخالي حينما تأتي إليه الفكرة تتحول إلى عقيدة – حتى وإن كانت غير صحيحة – يقاتل صاحبها من أجلها.

جميع أطياف المجتمع شركاء في البناء

 المجلة الثقافية الجزائرية: كيف نصل إلى فكر ديني حقيقي ينهض بالمجتمع وينأى بنفسه عن التوظيف السياسي ويبرز طبيعة الإسلام كدين يرفض الإقصاء وينفتح على التعدد الإثني والتنوع الطائفي؟
إبراهيم مرجونة: إن التاريخ الإسلامي مليء بمشاهد تحمل إجابات شافية لهذا السؤال، ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم نرى اللجوء السياسي إلى ملك الحبشة النصراني والذي أدرك سيدنا محمد بالقراءة السياسية للمشهد والرؤى بأن هذا الملك يعتنق المسيحية ويعلم بالأديان السماوية ولا يُظلم عنده أحد، كما نرى أيضاً أن النبي عليه السلام أسند الأمر إلى أهله بالاستعانة بغير مسلم كدليل في طريق الهجرة إلى المدينة، ليس هذا فقط بل إن أصحابه كان فيهم أعراق مختلفة مثل بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وجابان الكردي، كما حملت صحيفة المدينة- التي تعتبر أول اتفاقية تحترم حقوق الأقليات- أرقى مثال على المواطنة وقبول الآخر عندما نصت على أن لليهود ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، أيضاً أنزل الإسلام كل إنسان منزلته حتى وإن كان غير مسلم ويتجلى ذلك في مخاطبات الرسول للملوك فنراه يخاطب هرقل بعظيم الروم، كما أن النساء كان لهن دورهن في المجتمع وهو دور لا يمكن إغفاله.
كل هذا يصل بنا إلى فكر ديني مبني على التعاليم الصحيحة كدين يرفض الطائفية والإقصاء وينفتح على الآخر، فلا فضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى والعمل الصالح، فكان جميع أطياف المجتمع شركاء في البناء وخير شاهد على ذلك المترجمون والعلماء الأوائل الذين حملوا مشاعل نقل العلوم الأجنبية إلى العربية كان معظمهم من أصحاب الديانات الأخرى ومن عرقيات مختلفة لكنهم عملوا تحت مظلة الحضارة الإسلامية التي وفرت لهم المناخ الحر والمكانة والماديات التي جعلتهم بنائين مهرة من بناة هذه الحضارة.
الكرد شركاء في نجاحات عظيمة في التاريخ الإسلامي

 المجلة الثقافية الجزائرية: وفق ما جاء في كتابك (الكرد في العصر العباسي) فإن اهتمام الأكراد بتاريخ الشعوب الأخرى كان أكبر من اهتمامهم بتدوين تاريخهم.. لكن ما تفسيرك للنزعة الانفصالية لدى المكوّن الكردي؟ لماذا برأيك ينجح الأكراد بالاستقلال عن الدول التي نشأوا بها كما الحال في سورية والعراق وتركيا؟
إبراهيم مرجونة: كان الكردي في العصور الإسلامية الأولى يميل إلى الجهاد في سبيل الله، وكانت هذه القضية هدفاً له يحقق به ذاته حتى أصبح الكرد شركاء في نجاحات عظيمة في التاريخ الإسلامي ومنها معركة حطين، فلما فترت هذه القضية وتحزب كل إلى نفسه وتقطعت الدولة العباسية إلى دويلات للترك والعرب والفرس نجح الكرد في تكوين بعض الدويلات التي عاشوا معها تحت مظلة الخلافة مثل: العيارية، الدوستيكية، الحسنوية؛ فالكردي بطبعه يميل إلى العناد فهو في عناده كقطعة من الجبل ويميل إلى أن يكون مستقلاً لا تابعاً. إلّا أن الطبيعة الجغرافية وقفت حائلا دون تمكّن الكرد من التوحد وتكوين دولة واحدة ساعد على ذلك التقسيمات الاستعمارية التي فرقت بين الكرد وشتتهم بين ما يربوا على خمس دول هي أذربيجان – أرمينيا – العراق – سوريا – تركيا، فكيف لهم أن يحققوا استقلالاً في ظل جغرافية الزمان والمكان؟!

لسنا بحاجة إلى دين جديد لكننا نحتاج إلى التطبيق الحقيقي لصحيح الدين

المجلة الثقافية الجزائرية: انتشرت في الفترة الماضية ما سمي بالدين الإبراهيمي الجديد، والذي رفضته أطياف كثيرة في العالم الإسلامي. دعني أسألك دكتور عن خلفيات الديانة الإبراهيمية الجديدة ولماذا الآن وماذا سيترتب عنها إسلامياً خصوصاً في ظل هذا الانحدار الشامل للأمة الإسلامية؟
إبراهيم مرجونة: (مَا كَانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا)، صدق الله العظيم . إن المعتقدات الدينية والشرائع غير قابلة للتدخل البشري إلا في محاولات تفسيرها وفهمها وقراءة النص لأن الالتزام الحقيقي والفهم السليم يصل بنا إلى النهوض بشتى مناحي الحياة. وإن الأديان الإبراهيمية، أو الأديان التوحيدية التي تؤمن بوجود إله واحد خالق للكون، وملة إبراهيم، هي مجموعة من الإملاءات الربانية لسيدنا إبراهيم عليه السلام، ومنها انبثقت الديانات الإبراهيمية أو ما يعرف في شرائعنا بالديانات السماوية وهي اليهودية والمسيحية، وآخرها الدين الخاتم للرسالات السماوية الإسلام. وأما يثار حديثاً حول الديانة الإبراهيمية، فإن الدين الإبراهيمي الجديد مصطلح تم إطلاقه لغرض سياسي في المقام الأول وهو محاولة خلط ومزج اليهودية والمسيحية والإسلام في دِين واحد يجتمعُ عليه الناس، وذلك بالحجر على حرية الإنسان في الاعتقاد، فلسنا بحاجة إلى دين جديد ولكننا في أمس الحاجة إلى التطبيق الحقيقي لصحيح الدين الذي يحث على العلم والعمل وقبول الآخر والتسامح وغير ذلك من القيم الدينية السمحة.

ليس هناك ما يسمى بنهاية الأديان فصاحب العقيدة يموت وهو ثابت عليها

المجلة الثقافية الجزائرية: الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري -المعروف بإلحاده- أشاد بالإسلام كنظام متحرر من المادية وقال أن ما يحدث في العالم اليوم هو \”نهاية الإنسان الأخلاقي وبداية الإنسان غير الأخلاقي\”.. هل نعيش فعلاً في نهاية الزمان على رأي المفكر الإسلامي عمر عبد الكافي؟ وكيف بإمكان المسلمين أن يؤسسوا لدفاع حقيقي مما يسمى عالمياً ب(نهاية الأديان)؟
إبراهيم مرجونة: ليس هناك ما يسمى بنهاية الأديان فصاحب العقيدة يموت وهو ثابت عليها فبرغم الانفلات الأخلاقي والبعد عن الدين ودعوات الإلحاد وما يسمى بالأديان الجديدة ما هو إلا غثاء كغثاء السيل وما هو بجديد فادعاء النبوة ظهر إبان عصر النبوة وهناك الكثير من المعتقدات الغريبة التي ملأت الشرق والغرب لكن الأديان السماوية هي الغالبة يغيب الالتزام عن معتنقيها أحياناً إلا أنهم سرعان ما يفيقون ويتشبثون بدينهم. ولمواجهة ذلك سنكرر ما قلناه قبلاً: العلم ثم العلم، نشر الأفكار الصحيحة، التمسك بصحيح الدين، قيام المؤسسات والعلماء والمثقفون بدورهم، وسنعود إلى قولنا: المواجهات الفكرية وفق خطط معدة مسبقاً، لأن رؤية بلا خطة أحلام يقظة وخطة بلا رؤية مضيعة للوقت.هذا بجانب ضرورة العمل الجاد والرغبة الحقيقة في البناء الحضاري والبعد عن التنمر ونظرات الاستعلاء وليكن الشعار نلتقي لنرتقي تنوع على اختلاف دمج لكل أطياف المجتمع.