ثقافة السرد
لتقفز إلى حضني..؟.
بقلم: ماهين شيخاني
استلطفتني أو لنقل صادتني لدى ولوجها إحدى المحلات المجاورة لمحلي , طلبتْ منهم كمثيلاتها اللواتي تطلبن الحسنة , فلم يساعدوها بل تحرشوا بها كغيرها وأصبحوا يسمعونها كلاماً يخدشُ طبلة الحياء , لم يحترموا حتى من هم حولهم , لذا تهيأت لمغادرة المكان , استدارت نحوي وقالت : أيه …وأنت يا أفندي … إلى أين تذهب ؟..
– أنا لست صاحب المحل , مجرد ضيف هنا ؟.حالاً سأغادر المكان, سأنسحب كما ترين ؟ إذا دخلت (……) ذهبت الملائكة .
– لست نجسة كما تظن ولكن للتاريخ وأمام هؤلاء الناس أشهد بأنك ملاك يا سيدي بكل تأكيد , أنت صاحب ذاك المحل الواقع في الجهة الثانية من الشارع , أعرفك جيداً ولن أنساك طالما لي قلب ينبض في هذه الحياة , لقد سبق وساعدتني ذات مرة , خلصتني من ثلة مراهقين هنا في هذه الحارة ؟!. ومع ذلك لا تهرب ولا تتمسكن عليًَ , مُدَّ يدك إلى جيبك …؟.
– لا أتذكر ماتقولينه , و لا أعرفك , اكشفي عن غطائك , حتى أراك ؟ . كلكم بنفس اللباس (( نينجا التسول )).
– انتبهت لقهقهات الجالسين وقالت : لن أكشف أمام هؤلاء الأبالسة , سيهجمون علي كالوحوش , سأذهب إلى محلك ….
– وهل نعيش في غابة , إياك والذهاب , لا أحد في المحل ؟.
– سأنتظرك , لا تخف لست بسارقة , وخرجت دون أن تحصل منهم على شيء .
قالوا لي اذهب إلى محلك قبل أن تسرقك هذه الملعونة , لحقتها بارتباك , سبقتني إلى المحل , دخلت وجلست على الكرسي بدلع وغنج وقالت : أجلس يا رجل لم أنت مرتبك بهذا الشكل ؟. وكأني عفريتة جلبت الصقيع إلى محلك , أنت رجل يبدو عليك الهيبة والوقار .
– أجبتُ بثقة : ولِمَ أرتبك من امرأة متسولة مثلك ولكن لا أريد أن يلاحظ أحداً بأنك بقيت لفترة طويلة عندي , ماشاء الله رائحتكم تفوح قبل وصولكم البلد , احترم المرأة التي تحترم نفسها ولكن الخوف لا يخطر ببالي , كوني اعرف ذاتي جيداً .
– انظر إلى حالك كيف تتمسك بالطاولة . تكاد أن تهوي ؟.
– لا أبدا عادي , ها أنا ذا أرفع يدي عن الطاولة..؟!.
– وها أنا ذا أرفع الحجاب !.
يا سبحان الله , يالجمالها الأخاذ وعينها المكحلتين بكحل الخالق . آية في الحسن والإبداع بريشة صانعها الباري . سبحانك ربي , أشهد بأنك خلقتها في أحست تقويم .
– هه ما رأيك ..؟. ألا أستحق منك حسنة وحسنة دسمة أيضاً. ثم تفرست وجهي وقالت : عندما أكشف وجهي لأحدهم يرتسم علامات الغبطة والانشراح على وجوههم , وكأني وهبتهم حبة فياغرا , أما أنت عابس وكظيم ؟. لم يتغير أو يتحرك فيك شيئاً ؟؟؟. لم هذه الكآبة و هذا الحزن في عينيك ؟ . هل أحد من أقرباءك أنتقل إلى دار الآخرة ؟.
– ما شاء الله وتقرئين العيون أيضاً . حسبتك تقرئين الجيوب فقط .
– والكف أيضاً …بصارة وحياة شواربك , لا أحد يفوقني مهارة بذلك , هات كفك إذا لم تصدق ؟ من خطوطه أعلم طريق مستقبلك كما أرى ومتأكد بأن ذاك الخمسمائة ليرة من نصيبي .
– الله يرضى عليكِ , لا تذكرينني بالبصارات, فقط شبعنا ضربا حينما كنا أغراراً في الجيش بسبب البصارات مثلك..ثم عن أي خمسمائة تتحدثين يا ….؟
– تلك التي تكاد أذنها تخرج من جيب قميصك لتقفز إلى حضني – أقصد تحت ثدياني – .
– لا تحلمي كثيرا يا بنت ….الناس , لم أدفع لأمثالك سوى عشر ليرات فقط .
– أحلفك بالله , أصدقني القول , أليست لهذه النقود حكاية .
– وما أدراك بذلك ..؟
– حدسي يقول بأنك دفعتها لإحداهن ثم رجعت إلى جيبك ومن ثم …..
– ومن ثم ماذا ؟
– سيكون حتما لي , من نصيبي؟!..
لن أخفيكم سراً , كان حدسها صادق وبالفعل لهذه الفئة النقدية حكاية مؤلمة , تمالكت وسيطرت على ذاتي , حاولت أن لا أسر لها بالحقيقة , كي أتخلص من ثرثرتها فالحكاية طويلة وقلت لها:
– لا أعتقد ذلك , حدسك في غير محله ..؟. – مددت يدي إلى جيبي – تفضلي عشر ليرات واغربي عن وجهي لقد أثرت غيظي وأصبحت أعصابي كالأفاعي تخرج من أوكارها, اذهبي إلى جولتك المعتادة ولا تتأخري عن بيتك , زوجك وأولادك بانتظارك وهم بحاجة إليك ؟.
– مازال الوقت باكراً الآن ؟.دوامي لم ينتهِ بعد , ألا تحتاجني لخدمة ما يخطر ببالك , علي جمع مبلغاً ( أبو طربوش ) يا عزيزي , حتى يستقبلني الأفندي وإلا سيكون الضرب من نصيبي. هل أكشف مكان الضرب ؟. كدمات زرقاء وحمراء على كل أجزاء جسدي البض .
– لا..لا ..لن أسمح بذلك , كفي بلاك وشرك عني , لا ترينني شيئاً , لست بحاجة لخدماتك , استغفر الله لقد نزعت صباحي اليوم ,كم من المبلغ حصلت عليه إلى الآن .؟.
أخرجت كل ما في جيبها من النقود المعدنية ووضعتها على الطاولة , ها هي الغلة كلها أمامك .
– حسناً , حسناً , خذي منهم خمسين ليرة أجرة النقل وهذا مني أبو طربوش نصيبك وأمري لله . إياك ثم إياك الدخول لهذا المكان ثانية . اتفقنا ؟.
– رمقتني بنظرة وقالت : حسبتك مثلهم , حاولت أن أرضيك بطريقة تفكير البعض منهم , ولكن أعتذر منك , نزاهتك وإنسانيتك غيرت مفاهيمي الخاطئة .أشكرك وبارك الله بك أخي. ليتهم مثلك , ليرزقك الله من حيث لا تدري , اعذرني على تصرفي معك.
– لا داعي للشكر ولا للاعتذار , أريد فقط منك وعداً بأن تعملي عملاً نظيفاً , أي عمل شريف , لتكن عاملة تنظيف في المنازل خير لكِ من التسول هذه وكلام الناس .
ودعتني بابتسامة وهي تمضغ العلكة مدندنة أغنية كلام الناس..لمطرب معروف وخرجت .وأنا بدوري تذكرت حكمة معروفة (( من شب على شيء شاب عليه )) , ثم لاحقتني الذاكرة بمقولة أخرى : أعمل الخير وأرميه بالبحر , نظرت لساعتي و حملت جهاز التحكم لأقلب قنوات التلفاز لأنتقل إلى الأخبار العاشرة ( صباحاً طبعاً ) .
بعد مرور نصف ساعة تقريباً , دخلت أليَّ ثانية وسُرت في أذني قصتها ووضعت ورقة ملفوفة في كفي وهي تتوسل وتعتذر , هدأت من روعها ووعدتها بحل الموضوع , أجلستها وطلبت كأس من الشاي وتركتها في المحل .
دخلت محل الصياغة وطلبت من الصائغ خاتم جميلاً , ابتسم وقال : مبروك , هل ستتزوج ثانية ؟.
ابتسمت وقلت : كل شيْ قسمة ونصيب..؟.
وعندما فرش علبة الخواتم أمامي تغير نبرة صوته , ابتلع ريقه وقال : لقد سُرق مني خاتماً .
أخرجتُ الورقة التي في جيبي وقلت أهذا هو الخاتم .