المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

أحبكِ أمي لأنكِ أمي

  سمير خلف الله

 

أحبكِ أمي لأنكِ أمي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

أحنُّ إليكِ

 

وإلى أيام كانت فيها يداكِ

 

تُمشِّط شعري وتُرتِّب ثوبي

 

وإن عدّتُ من مدرستي

 

تتفقد أحوالي وأمري

 

وتحضنني كأنني غبتُ

 

عنها لقرن وقرن

 

أحبُّكِ أمّي وأكاد أجنُّ

 

فقلبي يحنُّ

 

لأيّام كان فيها أبي

 

يغار من حبّكِ وحُبي

 

ويراني غريما له

 

بساحات مبسم وثَـغْـرٍ وخدٍّ

 

وكم كنتُ ولا زلتُ أهوى لوجه  

 

فراقه اليوم يُدمي لقلبي

 

ويَرمي به في نوائب دهري

 

ويُبكي لجفني وعيني

 

كنوحي بيوم ألاقى فيه كتابي وسفري

 

يهزُّ فؤادي كرجفة يوم نَـشْري وبَعْـثي

 

وإلى أنْ أشهد ما في ذلك اليوم

 

أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمي لأنكِ أمي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

أنا عندما كنتُ صغيرا

 

كنتُ ككلّ الأطفال أخاف من ظلّي

 

فإذ ذاك كنتُ أهرب لصدركِ أمي

 

أمَا كان فيه سِـلـْمي وأمني

 

فيا ليتكِ أمّي من القبر واللحد

 

تعودين ولو للحظ

 

فإذ ذاك هيهات على الثّرى أن

 

تسيري وتمشي

 

و والله لن أقَـبِّـلَ لذاك الجبين والأكفّ

 

وأيادي عهد غبطتي وبِــشْـري

 

وإنّما ترابا أنتَ عليه سِـرْتِ

 

وما كان هذا ليكفي

 

وهيهات لجميلكِ أن أوَفّي

 

حزين وما لي سوى ذكريات أمسي

 

وهاتف هَـمْـسٍ

 

وهيهات هيهات أن تعودي

 

أو يعود أمسي

 

ولولا مخافة ربّي لكنتُ

 

أهديتك تمثال لؤلؤٍ وماسٍ وتِبْرٍ

 

أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمي لأنكِ أمي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

فمن بعدكِ أمّي

 

عادت الأحزان رفيقة دربي

 

وعاد شوك المآسي كُـحْـلا لعيني

 

وبعد أيام حُـلْـمكِ النَّدي

 

عادت الكوابيس قرينة فُرشِي

 

وإذا ما استسلم للوسْـن جفني

 

فإنّها تغدو تابوتي ونعشي

 

أحبكِ أمّي لأنك كنتِ

 

لمسة الشفاء أيّان تدنين منّي

 

فكيف هان على الرَّمْسِ

 

أن يضُمّكِ

 

ويتركني دون الورى

 

أجالد فجائع نحبي

 

فو الله لو علم مقدار حزني وهمّي

 

لقام لتَـوِّه يُكفكفُ دمعي

 

فأنا أمّة في الحزن وحدي

 

وما على الثّرى صاحب فجيعة مِثلي

 

أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمي لأنكِ أمي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

أحنُّ إليكِ أمّي

 

وأخشى أن يقتلني

 

الأسى والاشتياق وحبُّكِ أمّي

 

وآه لو تعودين

 

سأهديكِ في كلّ لحظة

 

زهرة وقُبْلة

 

وأجثوا كقانتٍ أتأمل وجهكِ أمّي

 

وها أنتِ مذْ رحلتِ

 

وفي القلب تركتِ مليون آهٍ وغُـصَّة

 

لأنَّ عيوني وإلى اليوم

 

لم تَـرْتَـوِ من مُحَيَّاكِ

 

ولا من دفئ ملمس يديك

 

ويوم بعد يوم وشهر بعد شهر

 

وعِـقْـد بعد عِـقْـدٍ

 

أراود فيكِ النسيان وهيهان أن ترسو

 

أجفاني بميناء سُلْوانٍ وسَهْوٍ

 

أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمي لأنكِ أمي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

وأين أجد رفيقة عُـمْـرٍ كأمّي

 

بدونكِ أمّي كسير الجناح

 

وريشة في مهب الرّياح

 

وأشتاق لتلك الوشوشات

 

كأن الذي قد دار بيننا

 

أحاديث سُرّاقٍ

 

وبلسم لأنّات قلبي والجراح

 

وبعد الفراق ها إنّني أرى الصّباح

 

يَـلْـقَى القرين بما في الورود

 

وتلقاني الصَّباحات بما في العزاء

 

فأهٍ يا أمّي من وصَبِ الفراق

 

كأنّي ذاك الذي إلى الجحيم يُسَاق

 

وما بينه وبين الفراديس من تلاق

 

رحلتِ فأنَّى اللقاء

 

وما لي سلطان أو بُـرَاق

 

أيا مَنْ أتتكِ مجاميع كلّ حُسْنٍ

 

على ركّبٍ يسابق ركّبا

 

وكنتُ إذا ما نظرت

 

أعود كمن تعتريه لمسة مسٍّ

 

ويجتاحني طوفان نشوة

 

وفي حشى مُهْجتي يسري

 

فأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمي لأنكِ أمي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

تُراني سأنسى وكيف سأنسى

 

لضحكة أمّي وفرحة فِــيــهِ أمّي

 

يوم رأتْ أول خطوة منّي

 

تُراها بذلك اللحظ قامتْ

 

تداعبني وتحضنني

 

أم تراها كانتْ تُراقبني

 

بوجه ضحوكٍ كوجه أصحاب اليمين

 

أم تراها لوَّحتْ لي من بعيد

 

شادية بأغنية يا فرحة عُــمْــري

 

فأنا يومها لم أكنْ أفقه ما يُقال عنّي

 

والآن أدركتُ أنّ كلّ أيامي مع أمّي

 

كانتْ مواسم الأعياد وبهجة الكرنفال

 

ويشهد الله أنّني ما عدّتُ أقوى

 

على البُـعْـد والبَيْن والافتراق

 

والآن أدركتُ أن عودتي للبيت

 

بعد اللهو في الأزقة مع الرفاق

 

ورؤية أمّي ووجه أمي

 

كان كمن غاص بأبحر

 

راح ومُسْكَرات

 

أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمّي لأنكِ أمّي

 

وحبيبة قلبي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

وأين أجد امرأة

 

تخاصمني كخصام أمّي

 

وتأتي من الأعذار كأعذار أمّي

 

متى كابرتُ بعد اعتقادي

 

بأن ما أتته فيه كبير ظلم

 

فأنا يومها كنتُ صغيرا

 

ولم أكنْ أفقه تدلّل أمّي

 

ويا ليتها تعود وتصفعني

 

كما لم تفعلْ بيوم

 

ويا ليتها تقوم وتذبحني

 

بكلمات لم تقلها أبدا بيوم

 

ويا ليتها تقوم وترمي بوجهي

 

وعيدا تُجافي فيه لمَا

 

في السَّمَوْأل من وفاء

 

ويَفْـنى عند اللقاء

 

ويغدو كما لو أنه حِـيْكَ من الهباء

 

وغيظ أمّي كان شَرَرَ البروق والرُّعُـود

 

وإذا ما رأتني كانت تعود

 

كحَـمْل وديع بين أيادي موسى

 

والمسيح بعد أن ظلّ خراف القطيع

 

لهذا وذاك أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمّي لأنكِ أمّي

 

وحبيبة قلبي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

وإنّي بأيام أمّي كنتُ شغوفا

 

وأصبو بحرقة لرؤية الأهلة

 

واليوم ما عاد يستفزَّني

 

قدوم أو رحيل كلّ ما في المَجَرّة

 

فأنا الآن أدركتُ أنّ فرحة الأعياد

 

كان يصنعها وجود أمّي

 

وكم كنتُ فيما مضى أشتهي

 

الخيلاء أمامها في الثوب الجديد

 

واليوم ما عاد يُغْـري

 

حتى ما حيكَ من جوهرٍ أو حرير

 

وها إنَّني يا أمّي في كلّ يوم

 

يتساقط ما تبقَّى مني

 

وما من يدٍ تجمع شتات رُفَاتي

 

كما كانت يداكِ لجراحاتي

 

وبعد الرَّحيل والفراق 

 

ها إنّني جزوع وجزوع

 

وما عاد الصبّر ترياقا

 

لهذا البلاء

 

ففراقكِ مُـرّ ومُرّ

 

وأين منه كاسات حنظل وسُـمٍّ

 

أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

 

 

أحبكِ أمّي لأنكِ أمّي

 

وحبيبة قلبي

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ

 

أحبكِ أمي وأشتاق

 

لأيّام الصّبى والطفولة

 

فإذ ذاك كنتُ الأمير في بيت الأميرة

 

وكنتِ إذا ما الظَّلام أهَلَّ

 

شمعتي وقِنديل دربي والدليل

 

وكنتُ إذا ما ظمأتُ

 

كانت يداك تسبقني إلى الأقداح

 

والأكواب وإلى كلّ ما يروى الشّرايين

 

كنتُ إذا ما سغِـبْتُ فإذ ذاك كانت

 

يداكِ تدني عناقيد ما يفني

 

الطّوى ويسُـنِـد الجسد النحيل

 

وإذا ما مرضتُ كانت يداكِ

 

ترياق دائي السقيم 

 

وفيها شفاء جِـرْمِي العليل

 

وكان همسكِ يشفي جراح الفؤاد الكليل

 

وكنتُ أفضي إليك بهمّي

 

ومتى أثقل عليَّ سرّي

 

فإليك كنتُ إيّاه أفشي

 

فينزاح إصري كما لو أنّـني

 

صلَّيتُ بعد الفرض شفعي ووتري

 

أحبُّكِ أمّي

 

وأين أجد امرأة كأمّي

 

لأيام ما عادتْ كأيّام أمّي ؟

 

ولأنّ كلّ ما في الكون ما كان أمي

 

فإنّ الحياة بعد الفراق كظهر المِجَـنِّ