لا شك أن تجربة الأديبة والفنانة التشكيلية صونيا عامر مثيرة للاهتمام، فهي مبدعة متمكّنة من أدواتها الإبداعية، وأعمالها على المستوى الأدبي والفني والإنساني تتميز بالتنوع والعمق والثراء رغم أنها زوجة وأم وامرأة عاملة، مجلة (الثقافة الجزائرية) تسلط الضوء على هذه المبدعة اللبنانية من خلال حوار مطول يُترجم إلى الفرنسية حيث سيُنشر في مجلة Lire الفرنسية الشهيرة وفق الاتفاق الأخير معهم على ذلك.. فإلى تفاصيل الحوار:
المجلة الثقافية الجزائرية: سأسألك السؤال الذي نسأله عادة لضيوفنا؟ كيف تقدم الأديبة صونيا عامر نفسها للقارئ الجزائري؟
صونيا عامر: اسمحي لي في البداية أن أتقدم منك ومن أسرة مجلة الثقافة الجزائرية الموقرة بالشكر على إتاحة الفرصة لي للتواصل مع أخواتي وإخوتي الجزائريين المحترمين، التي أتاحت لنا عن طريقكم الحريري فرصة التواصل مع الجمهور الناطق بالفرنسية من خلال ترجمة أهم المواد التي تنشرها المجلة الثقافية إلى اللغة الفرنسية. أنا يا أستاذتي: صونيا صالح عامر، لبنانية، جنوبية من قرية الخلوات – قضاء حاصبيا. أكتب الشعر والنثر وأرسم. متزوجة لدي من الأبناء الأحباء اثنين ومقيمة في دولة الكويت العزيزة منذ العام ١٩٨٩. موظفة، أجيد الأعمال الإدارية، بجانب وظيفتي بدأت مشروعي الخاص في تصميم وبيع حقائب الجلد الطبيعي في العام ٢٠٠٩ على أثر الأزمة الاقتصادية العالمية، إيماناً مني بأن الوظيفة قاتلة للوقت والطموح والعمل الخاص أوسع للإبداع. أنهيت دراستي بحيازتي على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ويلز، كارديف بنهاية العام ٢٠١١. لي ديوان شعر (تيه) صدر عام ٢٠١٢ عن دار نشر الوطن في دولة الكويت، وديوان (عصفور الجنة) صدر العام ٢٠١٣ عن وكالة سفنكس في القاهرة، جمهورية مصر العربية. رواية (بطن الحوت) بالعام ٢٠١٢، رواية (إن و أخواتها وحروف النصب) بالعام ٢٠١٣ صدرتا عن مؤسسة الرحاب للنشر والتوزيع، بيروت لبنان. رواية (قاب قوسين) بالعام ٢٠١٦، ورواية (صبي عالمة) بالعام ٢٠١٧صدرتا عن دار ليليت للنشر والتوزيع، الاسكندرية، جمهورية مصر العربية. (وقصص أخرى) كتابي الأدبي الأول صدر عام ٢٠١٢ عن مؤسسة الرحاب، والكتاب الثاني (بالناصع القاني) قيد النشر في وكالة سفنكس ليحمل إصدار العام ٢٠١٨. علما بأن (وقصص أخرى) قد حازت على المرتبة الأولى مبيعاً عن فئة الأدب في معرض بيروت الدولي للكتاب عام ٢٠١٢. أما (بطن الحوت) فلقد تمت ترجمتها من قبل الدكتورة الصديقة/ عبير الجمل، وإعادة نشرها باللغة الإنجليزية عن طريق دار نشر Partridge في سنغافورة في العام ٢٠١٦، كما تم نشر معظم أعمالي طبعة ثانية في دار partridge كنوع من الاستمرارية حيث قوانين الدار تسمح باستمرارية التوزيع ما لا نحظى به في الشرق الأوسط حالياً.صدر لي كتاب يلخص فكرة مشروعي التجاري لتصميم الجلود باللغة الإنجليزية عن طريق Partridge كذلك بعنوان:
Entrepreneurship from theory to fact; Obstacles and Challenges in the case
of Sonia Amer TM.
والموقع التالي يوضح الفكرة:
www.soniaamerbooks.com
كما يمكن إيجاد الكتب على Amazon
كتبت العديد من القراءات النقدية في أعمال الأصدقاء الكتاب و أشارك في العديد من الصحف والمجلات الالكترونية، كما لي صفحتي على الفيسبوك والتي أعتبرها news letter my. لدي حوالي ٢٠٠ لوحة إلكترونية، تمت إضافة معظمها إلى ديواني (تيه) ليأخذ شكل الغاليري المطبوع. وكذلك يمكن الاطلاع على الموقع التالي للتعرف على التصميمات:
www.soniaamer.com
المجلة الثقافية الجزائرية: نعم، من اللافت للانتباه أن تجربتك الإبداعية تتنوع بين الأدب والرسم وفن التصميم. ما الذي يربط بين هذه الاتجاهات؟ وكيف تستطيعين الموازنة بينها؟
صونيا عامر: الذي يربط هو الروح، أنا شخص ملول وسريعة الاختناق، أهرب من الكلمة للون و أعود تلافياً للتكرار وعبء الالتزام، فالكتابة هم ومسؤولية أحياناً أتمنى لو لم يخصني الله بها، إنما وبالطبع لا أستطيع التخلي عنها غذاء روحي، فهي سوسة تنخر دمي، أما اللوحة أو التصميم فهو وقت الترفيه بالنسبة لي، خاصة وأنني لست رسامة محترفة ولا أجيد الPortrait (أفضل رسم الرأس من الخلف) كل ما أفعله فقط (دلق) الألوان المائية أو الزيتية أو حتى بالماوس على برنامج Paint مع بعض التطويرات لينتج عنه أشكالاً أحسها وقد لا أفهمها أنا نفسي إنما تسعدني كثيراً.
المجلة الثقافية الجزائرية: إلى أي اتجاه تنحازين أكثر: الأدب أم الفن؟
صونيا عامر: أنا كاتبة بالفطرة، الفن موهبة مساعدة، أما البدء فكان في الكلمة.
المجلة الثقافية الجزائرية: حدثينا بشيء من التفصيل عن مجموعتك القصصية :\”وقصص أخرى\”.. ما الذي يميزها تحديداً عن بقية إصداراتك؟
صونيا عامر: كما قلت في البداية، تميزت (… وقصص أخرى) دون جهد ودون حتى توقع مني أو من دار النشر، أظن ما ساعدها على التميز وزن الكتابة فهي من العيار الثقيل، الثقيل جداً، أسلوبها تنوع ما بين البسيط، المبسط والمجنون والمركب حد التعقيد، حتى أن الصديق الأستاذ الناقد/ أيمن دراوشة، حين كتب قراءته النقدية فيها أشار إلى أن هذا الكتاب نقل مستوى القصة العربية من مكان إلى مكان آخر تجعل القارئ يعيد ويعيد القراءة مكتشفاً في كل مرة مواضيع جديدة ومفاجئة. احتوى الكتاب على سبعة أجزاء من القصص القصيرة والنصوص الأدبية والفلسفية بأسلوب مبتكر. أما الغريب فهو أنني لم أخطط لهذا الإخراج إطلاقاً، إنما جاء نتيجة تركيب لبناء بدأ من \”صباحيات هنا\” سيدة المنزل البسيطة المغتربة حبيسة الجدران الأربعة إلى أن انتهى بـ \”طريق العودة\” الذي يصف النهاية توقعاً وليس واقعاً مروراً بنصوص فلسفية تناقش ماهية السر الإلهية والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية تماشياً مع عصر السرعة والتكنولوجيا المستجد حد الدهشة.
المجلة الثقافية الجزائرية: ما لفت انتباهي وأنا أقرأ لك هو اهتمامك بالجانب الفني إبداعياً، وهو ما يغفل عنه الكاتب عادة. إلى أي درجة استفادت صونيا من التفاصيل الفنية أثناء الكتابة؟
صونيا عامر: لست تقليدية ولا أؤمن بالقوانين ولا بالأنظمة، ما يجب أن تحكمنا هي الإنسانية، الأخلاق والقيم، أنا مختلفة ولا أشبه أحداً حد الغربة، فأنا وحيدة وروحي مشردة تغرد خارج السرب منذ الولادة، أهيم على وجهي في عالم لا يشبهني. الكتابة الحقيقية هي بوح بفكرة مجنونة قد تؤدي إلى هلاك كاتبها، فكرة يجب أن تكون جديدة مفيدة ومميزة وهذا ما يجعلها فنية (تحفة) فالكتابة باختصار فعل تعر تام إنما ليس بالضرورة فاضح بل على العكس جميل جميل جداً.
المجلة الثقافية الجزائرية: روايتك (بطن الحوت) تطرح العديد من الأسئلة الوجودية الجوهرية من خلال المزج بين الخيال والواقع المعاش، برأيك.. متى يلجأ المبدع إلى هذا النوع من الأدب؟ ولماذا؟ وهل لهذا الخيار علاقة بطبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في بلادنا؟
صونيا عامر: بكل تأكيد، الخيال هو حزام الأمان على طريق سريع مليء بالأشواك والألغام وأنت ككاتبة تسيرين حافية بسرعة ١٠٠ كيلومتر في الساعة.
المجلة الثقافية الجزائرية: قلتِ في أحد حواراتك السابقة أن رحلتك مع الشعر \”بدأت في التسعينات على أثر غربة\”.. لو سألناك عن القصيدة الأكثر تعبيراً عن غربتك فما تقولين؟
صونيا عامر: حيث أن غربتي متأصلة في وطن المولد ووطن الإقامة، فإن عصفورة القفص هي الأكثر ملائمة:
عصفورة القفص
طيري وغردي
يا عصفورة القفص
ذبحت على باب اسمه الحرية
غني وانشدي بكل فخر
فحروفك كلها أبجدية
لبلادك الحزينة
سجينة قفص العبودية
تبكي أبا نواسها وريتا
وعيونها العسلية
حاضرنا كولن وانن
وماستن وبقية
جيل عولمة واحرقتي
ممسوح الهوية
حلقي حلقي
يا عصفورتي
والمعي وابرقي
فجنحانك ذهبية
غيم ومطر وبرد
يدق رأسك الحالم
بيوم تشرق فيه
شمسنا العربية
المجلة الثقافية الجزائرية: لبنان كبلد تحكمه الكثير من التناقضات الاجتماعية والسياسية.. فما هي التحديات التي تواجه المرأة اللبنانية المبدعة؟ وما الحقوق التي تسعى إلى تحقيقها؟
صونيا عامر: لدينا بعض السيدات الحديديات كالدكتورة/ مي شدياق، فنيا كالمخرجة المبدعة/ نادين لبكي والمطربة جوليا بطرس، معترفة بأنني تغربت منذ ٢٩ عاماً وأسمع وأشاهد أعمال المبدعات اللبنانيات عن بعد، أزور قريتي مرة كل صيف، ولو سألتني عن قريتي أستطيع الإجابة عن نساء لبنان عامة بأنهن مكافحات طموحات متعلمات ويبذلن قصارى جهودهن لينافسن في مجال العمل، إنما التحدي الأكبر للمواطنين على مستوى جميع الطوائف هو تحكم الإقطاعية وضيق العيش والتعصب الديني الأعمى.
المجلة الثقافية الجزائرية: دعيني أسألك عن مدى اقترابك من الأدب الجزائري؟
صونيا عامر: في التسعينات تعرفت على روايات المبدعة/ أحلام مستغانمي، وكنت مفتونة بـ (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس)، وأعجبني (عابر سرير) ومؤخراً لفتتني أناقة (الأسود يليق بك). و كنت كلما قرأت لها أتحسر على أوراقي المخبأة في الأدراج تمنيا لنشرها إلى أن أصبحت تيهاً وقصصاً أخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر للمبدع/ واسيني الأعرج، تأثرت كثيراً بـ (أصابع لوليتا). ولي تجربة مع الكاتب الصديق/ عبد القادر كعبان، الذي اهتم مشكوراً بروايتي (قاب قوسين) التي لخصت تاريخ قريتي، وما أدهشني مدى المصداقية التي تمتع بها والإحساس العالي الذي استطاع من خلاله اصطياد السمك برفقتي على شاطئ بحيرة البلوط التي تغطي دار أهلي في موسم الشتاء تحت سنديانتنا المقدسة ككل ما يخص والدي، الذي كتبت له روايتي حباً وتقديراً.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تقرأين؟
صونيا عامر: كل ما يشدني وأستطيع الوصول إليه وكل ما يصلني من جديد من الأصدقاء الروائيين والشعراء المعاصرين، أتخصص بقراءة أعمال من سبقونا، على سبيل المثال لا الحصر: جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، نجيب محفوظ، أمين معلوف، نزار قبان
ي، نازك الملائكة، طه حسين، يوسف زيدان، إسماعيل فهد إسماعيل، ربيع جابر، وجبور دويهي، و غيرهم. وبالطبع من الأدباء العالميين أهتم بكل ما يكتبه/ باولو كويلو/ وقرأت إصدارات المرحوم/ غابريال غارسيا ماركيز/ وأعشق الأدب الروسي مثال/ ليو تولستوي/ وتحفته (الحرب والسلام) وغيرهم الكثير الكثير ممن أجلهم وأشعر بالخجل أمام إبداعاتهم.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تكتبين؟
صونيا عامر: أكتب وجعي على شكل فكرة قد تقصر كقصيدة أو تطول لتصبح رواية وإن كانت من مئة صفحة أو أقل. لا أحتمل الظلم ولا أطيق الرياء وأطمح لمجتمع أقرب للإنسانية والعلمانية بعيداً عن الجهل والعنف والتخلف والفقر والجوع والعطش والمرض الأخلاقي قبل الجسدي بطريقة جدية حد الهزل ومجنونة حد الاكتئاب.
المجلة الثقافية الجزائرية: كلمة أولى (لا أقول كلمة أخيرة).
صونيا عامر: شكرا لك من القلب على إتاحة الفرصة.