المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

الروائية الكندية نانسي هيستون: كل واحد منا يشتكي حالة تمزق داخلي

حاورها: سعيد خطيبي*

تعتبر نانسي هيستون إحدى أهم الروائيات الفرانكفونيات مقروئية، وأكثـرهن حيازة على أهم التشريفات الأدبية، وأبرز المناصرات للقضايا النسائية في أوروبا وأمريكا أيضا. التقينا الروائية ودار بيننا هذا الحوار…

شهدت بداياتك في الكتابة ميلا إلى نصرة القضايا النسوية قبل أن تنحرف عن ذات التوجه عبر أعمالك الأخيرة، مفضلة الانشغال بقضايا أكثـر شمولية تبتعد عن تحديد الطرح ومنخرطة في إشكاليات عموميات؟

باعتقادي أني لم أحِد يوما عن مسار نصرة القضايا النسوية. في ظل الفوضى الدائرة اليوم، أرى أنه من الضرورة توحيد الجهود ضمن ذات التوجه. مادام هنالك مزيد من النساء المتورطات في شبكات الدعارة ونساء مضطهدات يمنعن من حقوقهن، ونساء أخريات يتم استغلالهن في القضايا التجارية. وهنا لست بصدد الإشارة فقط إلى معاناة النساء في القارة السمراء وحدها أو نساء العالم الثالث، بل نفس الظاهرة يمكننا معاينتها عبر عديد الدول المتحضّرة. لا بد أن نفهم حقيقة مهمة تفيد أن منهجية نصرة القضايا النسوية اليوم تختلف عما كانت عليه في السابق، خصوصا سنوات السبعينيات، كحركة يسارية. حركة نصرة النساء هي أهم حركة سياسية خلال القرنين الماضيين، وستظل على نفس الحال مستقبلا. حريات الدول تقاس من خلال حريات النساء.

سايرت تكوينا باللغة الإنجليزية ثم انتقلت، على غرار عديد الكتّاب المغاربة، إلى الكتابة بلغة المنفى المتمثلة في اللغة الفرنسية؟

كلا! لا أعتقد بأن الفرنسية شكلت يوما لغة منفى. هي لغة ثانية ولكن لا أربطها بالمنفى. أذكر أني شرعت في نشر أول نصوصي في سن الثانية والعشرين بباريس باللغة الفرنسية. وظلت أتعامل وأكتب بنفس اللغة سنوات طوال. أول كتاب كتبته باللغة الإنجليزية، التي تعد لغتي الأم، كان العاشر في مساري الأدبي..

أنت تتحدثين هنا عن رواية \’\’غنائية السهل\’\’ التي كتبتها بالإنجليزية ورفضت تبنيها دور النشر؟

صحيح. رفضها الناشرون الإنجليز . قمت لاحقا بترجمتها إلى الفرنسية وتمّ رفضها مجددا في فرنسا. أتذكر أنه خلال تلك الفترة من العام 1994، تمّ رفض الرواية من طرف 17 دار نشر فرنسية. قبل أن أصل أخيرا إلى منشورات \’\’اكت سيد\’\’ التي قبلت تبنيها.

وهل يمكن أن نعرف سبب رفض تلك الرواية التي توّجت لاحقا بجائزة \’\’كندا ـ سويسرا\’\’ الأدبية المرموقة؟

السبب يعود إلى أنني خلال تلك الحقبة لم أكن أعرف منهجيات سير سوق النشر، لذلك كلفت وكيلا أدبيا باقتراحها على عدد من دور النشر، التي كانت تكنّ حساسية إزاء هذا النوع من الممارسات، حيث ظلت منشورات \’\’اكت سيد\’\’ الوحيدة في سوق العمل تعمل عبر وسائط. كما أذكر أن نفس الرواية رفضت من النشر من طرف الإنجليز لسبب أجهله. كانت تلك المرة الأولى التي أكتب فيها رواية تدور في كندا.

إشكالية هوية جد حاضرة عبر مختلف روايات. نشعر أنك لا تزالين تختزنين مشاعر الانكسار أو التمزق الهوياتي؟

أعتقد أن كل واحد منا يشتكي حالة تمزق داخلي. حالة انقسام أيضا. في الحقيقة، أنا لست الشخص الذي يبحث عن هويته. أطرح كثيرا إشكالية الهوية، لأني أرى أن الأفراد يظلون متعصبين إلى هوياتهم الدينية أو الجغرافية التي تشكل سببا رئيسا في مختلف الخلافات والصراعات الدائرة في العالم. أنا شخصيا لا أستطيع أن أحدد معالم هويتي. أحب استعادة عبارة أمين معلوف الذي يشير إلى أن الهوية هي الطريق الذي نسير عليه.

ربطتك علاقة هامة مع السيميائي المعروف رولان بارت. حدثينا عن تلك العلاقة؟

كان شخصا جدا مهما في حياتي. كل مرة أعيد مطالعة أحد كتبه أستحضر صورته. أذكر أني طالعت مؤخرا كتاب \’\’مذكرات الحداد\’\’ الصادر حديثا عن منشورات \’\’لوسوي\’\’. عرفته، سنوات السبعينيات، وجالسته على طول سنتين وأشرَف شخصيا عن مذكرة تخرجي في المدرسة العليا بباريس. تعلمت عنه طرائق تحليل النصوص، كما أذكر أن أول محاضرة حضرتها له كانت حول موضوع \’\’أداء الخطاب\’\’.

كان له دور في بداية تجربتك الروائية؟

بارت والماركسيون الثوريون كادوا أن ينتزعوا ميلي إلى الكتابة. كونه كان جد متشبّث بالأدب. كان بارت يكاد يحوّل فعل الكتابة إلى ممارسة صعبة ومعقدة. وهو شخصيا لا يكتب، فقد حاول كتابة رواية خلال نهاية حياته ولم يبلغ ذلك المطمح.