المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

الإعلامي والمذيع الفلسطيني نعيم إبراهيم للمجلة الثقافية الجزائرية:

نعيم إبراهيم إعلامي وصحفي وكاتب فلسطيني مقيم في سورية وله رصيد كبير من المقالات السياسية المتخصصة بالشأن الفلسطيني في الصحف والدوريات العربية. وهو مراسل ومحرر ومعدّ برامج في العديد من الفضائيات السورية والفلسطينية ومنها قناتي (الدنيا) و(الإخبارية) السوريتين وفضائية (الأقصى) الفلسطينية.. لكن ضيفنا الذي اشتُهر من خلال إذاعة (القدس) أيام الانتفاضة بصوته الدافئ وأدائه الوطني المخلص له مسيرة إذاعية مهمة تعدت الثلاثين عاماً من العطاء، استطاع خلالها أن يصنع لنفسه بصمة خاصة كمذيع شغوف ومتفاني في عمله، وكمثقف يحترم مستمعيه ويسعى دائماً لتقديم ما يفيدهم.. المجلة الثقافية الجزائرية سألته عن فلسطين.. عن الجزائر.. عن مستقبل الراديو.. وعن تجربته الطويلة مع ميكرفون الإذاعة فكان هذا الحوار:
حوار: باسمة حامد

أستمتع جداً بالتواصل مع المستمعين

المجلة الثقافية الجزائرية: حدثنا عن رحلتك مع الإذاعة.. كيف بدأت؟ وهل كان عملك في هذا المجال مصادفة أم بتخطيط مسبق؟
نعيم إبراهيم: بدأت في الكتابة الصحفية (مقالات وحوارات وتحقيقات سياسية و ثقافية وفنية) في الصحف السورية ومنها \”تشرين\” و\”الثورة \”و\”الأسبوع الأدبي\” و\”الوطن\” على مدار سنوات عديدة في ثمانينيات القرن الماضي اضافة إلى العديد من الدوريات العربية مثل صحف \”السفير\” اللبنانية و\”الحياة و\” الرياض\” السعوديتين و\”الخليج\” الاماراتية و\”الاستقلال\” التونسية الصادرة في لندن و\”فلسطين\” الصادرة في غزة ومجلات \”إلى الامام \” و\”صوت فلسطين\” الفلسطينيتين و\”النور\” الصادرة في لندن و\”الكويت\” الكويتية و\”الأصيل\” و\”آيات\” السوريتين خلال الفترة ذاتها.  أما رحلتي مع الاذاعة فقد بدأت في بدايات العام 1987 من خلال اذاعة \”القدس\” الفلسطينية التي تبث من دمشق والتي تزامن انطلاقها مع اندلاع انتفاضة الحجارة في فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي في العام المذكور، حيث عملت محرراً ومذيعاً للأخبار والبرامج والحوارات السياسية والثقافية وذلك بعد أن خضعت لدورات عديدة في تحرير الخبر والإلقاء والإعداد البرامجي في الاذاعة المذكورة وفي المركز الاذاعي والتلفزيوني التابع لجامعة الدول العربية ومقره في دمشق اضافة إلى دورات في الحقول ذاتها في \”بي بي سي\” ومعاهد خاصة والمتابعة الذاتية عبر المطالعة والاستماع إلى الاذاعات العربية تحديدا نشرات الاخبار والبرامج السياسية والثقافية والحوارية. وخلال عملي في إذاعة \”القدس\” عملت مراسلاً لإذاعة \”أم درمان\” السودانية في سورية سنوات عديدة. وفي العام 2011 انتقلت إلى العمل في \”اذاعة و قناة شام اف ام \” السورية للعمل معداً ومقدماً للأخبار والحوارات السياسية ورئيساً لتحرير الأخبار وما زلت حتى الأن أعمل في هذه الإذاعة.

وعلى صعيد التلفزيون عملت محرراً ومعداً للأخبار والحوارات السياسية والثقافية ومعداً لبرنامج \”الصحافة \” في تلفزيون الدنيا السوري في العام 2006 واستمر عملي فيه ثلاث سنوات ثم انتقلت بعد ذلك إلى قناة الإخبارية السورية لمدة عامين حيث عملت محرراً ومعداً أيضاً. وكنت في الوقت ذاته مراسلاً لقناة \”الأقصى\” الفلسطينية في سورية وهذا الأمر استمر حتى العام 2013. وفي الحقيقة لم يكن عملي في هذا المجال مصادفة أبداً بل تمّ بتخطيط مسبق لأنني أمتلك الرغبة والطموح بهذا الاتجاه منذ الصغر حيث كنت أقرأ دائماً كل ما أكتبه وكل ما يقع تحت يدي من كتابات بصوت جهوري، وما ساعدني في صقل موهبتي ورغبتي كان مشاركاتي العديدة في عرافة احتفالات ومهرجانات وندوات سياسية وثقافية حيث ما زلت مستمراً إلى الآن بصقل موهبتي كإذاعي، الأمر الذي جعل علاقتي مع \”المايك \” علاقة صداقة متينة، ورغم أنه آلة جامدة إلا أنني كمذيع أستمتع جداً بالتواصل مع المتلقي من خلاله حيث الإلقاء السليم وإيصال المعلومة على مختلف أشكالها إلى الناس بأسلوب سهل و صحيح وجواز سفري في ذلك هو اللغة العربية الفصحى بنسبة جيدة جداً والحمد لله.

راديو الانترنت سيقلص المسافات بين الخبر والمتلقي بشكل أكبر

المجلة الثقافية الجزائرية: مازال الراديو أكثر الوسائط الإعلامية جذباً للجمهور في وقتنا الراهن.. برأيك لماذا لم ينهزم أمام التقدم التكنولوجي وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي؟!
نعيم إبراهيم: نعم هذا صحيح.. وبالنسبة لي أعتقد أن دور الراديو لم ولن ينحسر أو ينزوي بعد مرور أكثر من 100 عام على أول بث إذاعي لأنه يتمتع بمميزات خاصة تؤهله لهذه المكانة، وسيصمد أمام ثورة التكنولوجيا وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي التي أخذت تشغل اهتمام كثير من الناس في الوقت الراهن بل سيبقى هذا الجهاز الجميل وسيطاً إعلامياً رائعاً يرافق الإنسان أينما حلّ على عكس الاختراعات الإعلامية الأخرى، فالراديو كأداة صغيرة يتميز بإمكانية التنقل مع المستمع في كل مكان في البيت والسيارة والحقل والموبايل والمكتب والنزهة والبحر والبر..

ودعيني أشير في هذا السياق إلى اختيار منظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو) في العام السادس ليوم الإذاعة العالمي في العام 2017 تحت عنوان محور \”مشاركة الجمهور\”، رافعة شعار \”أنتم الإذاعة\” فربما يكون دافع اليونسكو وراء اختيار هذا المحور بقناعتي وآخرين معي هو انخراط الجماهير أكثر فأكثر في مواقع التواصل الاجتماعي التي سعى بعضها إلى خطف دور الإذاعة بإضافة ملمح البث الصوتي المباشر، بعد انتشار تجربتها في البث المرئي المباشر. والراديو أداة شخصية يكلم الملايين، في كل مكان ، وفي الوقت ذاته يتكلم كل انسان وحده ، فأصواته موجهة إليه، تتسلل إلى رأسه عبر أذنيه تحاكي مخيلته لتظل بداخله حيث يكون تأثيرها أكبر من تأثير التلفزيون مثلاً والذي يعتبر وسيلة جماعية ووسائل التواصل الاجتماعي التي فرض البث الاذاعي نفسه عليها و بتنا نستمع إليه من خلالها بحسب امتلاكها من قبل الناس حيث أفاد من ثورة التكنولوجيا الرقمية إلى حد كبير .
وهنا أستطيع الجزم بأن راديو الانترنت، سيقلص بلا شك المسافات بين الخبر والمتلقي بشكل أكثر من ذي قبل وسيجعل المستمع على مقربة أكثر من الأحداث، ومن هنا سيتلمس الحقائق بنفسه وعليه أن يقرر في النهاية كيف ينتقي معلوماته ويشكل رؤيته للأحداث والتطورات المتلاحقة في عالم اليوم.

الإذاعة بيتي الثاني

المجلة الثقافية الجزائرية: بالعودة إلى تجربتك الإعلامية سنلاحظ أنك فضلت العمل الإذاعي دائماً رغم اشتغالك في الإعلام المرئي والمقروء.. ما سر هذا الشغف؟! وماذا أضافت لك الإذاعة على المستوى الإنساني والمعرفي؟
نعيم إبراهيم: حقيقة كمذيع إذاعي أستمتع دائماً بعملي وبتواصلي مع المتلقي أينما كان وفي أي وقت من خلال نشرات الأخبار والبرامج المسجلة أو تلك التي تبث على الهواء مباشرة تحديداً الثقافية وأخص الحوارية منها .
ومعلوم أن الصوت كان في البدء وأنه قيمة حياتية كبرى ولا أبخس قيمة الصورة أبداً وفي غالب الأحايين يكملان بعضهما البعض في نقل المعلومة إلى المتلقي ولكل دوره في ذلك. غير أنني منذ نعومة أظفاري تعلقت بالراديو الذي كنت وما زلت أتابعه بشغف كبير وبالأصوات الاذاعية التي كانت تشدني و أحاول تقليدها وأحرص حسب المراحل العمرية التي مررت بها على قراءة ما في بطون الكتب التعليمية وأحيانا في الصحف والمجلات والمؤلفات بمختلف محتوياتها وأسجل صوتي عبر آلة التسجيل العادية في ذلك الزمان (على شريط كاسيت) ومن ثم أعود إلى سماع صوتي وتقليد بعض المذيعين العرب. ولا أنسى كما أسلفت مشاركاتي في عرافة مهرجانات خطابية و ندوات وفعاليات سياسية وثقافية.
كل ذلك كان له الدور الاساسي في تعلق قلبي بتلك الذبذبات التي تنبعث عبر الأثير حاملة معها الكثير من المشاعر التي تمتزج بالخيال، فتخلق عالماً مليئاً بالبهجة وتترك للخيال تكوين الصورة الذهنية المناسبة. ومرت الأيام والشهور والسنين وأنا في حالة ارتباط عاطفي مع أصوات عدد من المذيعين العرب وتطلعاتي وأمنياتي تنمو إلى أن وصلت إلى مرحلة النضوج التي تمكنني من العمل في عالم الإذاعة الرحب فكان أن تواصل مع المعنيين في إذاعة (القدس) الذين منحوني فرصة للتدريب في التحرير والإلقاء بعدها انطلقت والفرحة تغمرني في العمل بالإذاعة من خلال تسجيل فقرات قصيرة تتناول مواضيع وجدانية وأخرى حماسية حول فلسطين وانتفاضة الحجارة التي اندلعت العام 1987. ولكي أصقل موهبتي أكثر خضعت لدورات متتالية في الإذاعة نفسها و في مركز الاذاعة والتلفزيون التابع لجامعة الدول العربية وغيره إلى أن بدأت أقدم مواجيز ونشرات إخبارية على الهواء مباشرة وبرامج سياسية وثقافية مسجلة تارة و مباشرة تارة اخرى و اليوم تصل رحلتي في عالم الإذاعة إلى عمرها الثاني والثلاثين على التوالي.
في السياق أعتبر الإذاعة بيتي الثاني الذي يثلج صدري بكل ما فيه مضيفة لي على المستوى الإنساني والمعرفي الشيء الكثير بحيث جعلتني قريباً من الناس وقضاياهم على الصعد كافة وأقترب من أفكارهم وطموحاتهم مجدداً لها العهد والوعد بالاستمرار في العطاء خدمة للناس حاملاً لهم رسالة نبيلة في نقل الأخبار وتسليط الضوء على مشاكلهم ومعاناتهم والحوار معهم وأيضاً على كل ابتكار و تجديد وهذا يتأتى من خلال الاستمرار في التثقيف الذاتي و مواكبة كل أشكال المعرفة وخاصة ما يتعلق بمجال عملي في الإذاعة والإعلام مستنداً في ذلك على القاعدة التي تقول: (خذ كل شيء عن شيء ,, و شيء عن كل شيء) .
وأعتقد أنني حققت نجاحاً جيداً من خلال الاحترافية والشغف بالعمل والقدرة على التواصل الحسي مع المستمع، خاصة في البرامج التي تعتمد على بناء علاقة متينة معه، إلى جانب مهارات أخرى، مثل التحدث بلغة جمهوري المستهدف ومخاطبتهم بمستوى تفكيرهم، مع تمسكي بإظهار شخصيتي الحقيقية دون تقمص شخصيات أخرى كي لا أبعد عن ذاتي.

نحن صوت فلسطين

المجلة الثقافية الجزائرية: من يتابع مسيرتك المهنية يلاحظ أنها ارتبطت دائماً مع القضية الفلسطينية بكل أبعادها الإنسانية والوطنية.. ما مدى تفاعل المستمع الفلسطيني تحديداً مع القضايا التي تطرحها حول فلسطين؟
نعيم إبراهيم: فلسطين بلدي وليست لشذاذ آفاق تآمروا عليها واحتلوها بدعم كامل من الدول المتآمرة وهي تعرضت إلى غزوات استعمارية عبر التاريخ وصولاً إلى المشروع الصهيوني الذي يراد منه إقامة ما تسمى (إسرائيل من الفرات إلى النيل) .

وأنا افتخر أن للقضية الفلسطينية بكل أبعادها الإنسانية والوطنية النصيب الأوفر في مسيرتي المهنية عبر الأخبار والبرامج والحوارات التي أعددتها وقدمتها خاصة في ظل انتفاضة الحجارة وما بعدها ولمست حقيقة تفاعلاً كبيراً من شرائح واسعة من الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين وهذا الأمر لمسته شخصياً عبر المتابعة والاتصالات الهاتفية والرسائل المكتوبة واللقاءات المباشرة وهنا أعبر عن اعتزازي بكل من وصفني وزملاء آخرين بأننا (صوت فلسطين الأرض و الإنسان) .
لقد أعددت وقدمت الكثير من البرامج السياسية والأدبية والثقافية التي تتحدث عن تاريخ فلسطين والغزوات الاستعمارية التي تعرضت لها وعن الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني الاحتلالي وعن بطولات وتضحيات شعبنا الفلسطيني وثوراته المستمرة وقوافل الشهداء الذين رووا ولا يزالون أرض بيت المقدس وأكنافه بدمائهم الطاهرة .

الحق الفلسطيني لن يسقط مهما تعاظم حجم المؤامرة

المجلة الثقافية الجزائرية: وكيف تقرأ ما يجري اليوم في فلسطين وتحديداً في غزة التي تعرضت قبل أيام عدة لعدوان إسرائيلي جديد راح ضحيته عشرات الفلسطينيين وماذا عن راهن ومستقبل ثقافة المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي؟
نعيم إبراهيم: حقيقة ما يجري في بلدي فلسطين باتت جلية للقاصي والداني تؤكد أن الصراع مع المشروع الصهيوني هو صراع وجودي و ليس صراعاً على حدود أو جزء من الأرض أو الحقوق وأن السلام والاحتلال نقيضان لا يمكن أن يلتقيان مع تقادم الزمن ومهما طرح من مشاريع للتسوية أو تحت أي مسمى آخر لأن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر هي لأصحابها الشرعيين أبناء الشعب الفلسطيني الذين يتمسكون بحقوقهم وضرورة استعادتها غير منقوصة وأنا كلاجئ فلسطيني لن أحيد عن هذا الهدف و كذلك الأجيال المتعاقبة.

والعدوان الصهيوني الجديد على غزة قبل أيام عدة لن يكون الأخير طالما بقي الاحتلال جاثماً على أرض فلسطين وبالمقابل لن تتوقف مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال بكل السبل المشروعة وعلى رأسها الكفاح المسلح لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها . كما أن ثقافة المقاومة بكل تجلياتها تترسخ أكثر فأكثر في وجدان أبناء الشعب الفلسطيني ومنهم اللاجئون الذي يؤكدون تمسكهم بالعودة إلى وطنهم حقاً مشروعاً لن يسقط مهما تعاظم حجم المؤامرة.

لست حيادياً في نقل الحدث الفلسطيني

•​المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا عن أصعب المواقف المهنية التي واجهتك خلال عملك الإذاعي حتى الآن؟!
نعيم إبراهيم: الحقيقة صادفتني الكثير من المواقف وعانيت من جرائها لفترات زمنية طويلة وأخص منها مسألة المحسوبيات وعدم الإنصاف في الحقوق والواجبات حيث كان يتعامل عدد من أصحاب النفوذ مع هذه المهنة باستسهال مفرط والمجيء بأشخاص غير مؤهلين مهنياً ووضعهم في الأماكن التي لا يستحقونها .

أيضاً من المواقف الصعبة التي مررت بها كمذيع عدم قدرتي أحياناً على الفصل بين مهتمتي كإعلامي وشعوري كإنسان، وهذه المشاعر كثيراً ما واجهتها خلال انتفاضة الحجارة وما تلاها من انتفاضات في فلسطين حيث المجازر الصهيونية ارتكبت ولا تزال على مرأى ومسمع المجتمع الدول الذي لم يتحرك في السواد الأعظم منه لمناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وحقيقة كنت أجهش بالبكاء على الهواء مباشرةً أثناء تقديم نشرات الأخبار ونقل الحدث الفلسطيني ومحاولتي وصف ما يجري من قتل وتدمير واعتقال حيث كانت تتوالى الأحداث الدموية في المساجد والكنائس و في المخيمات و المدن الفلسطينية و كلما كنت أذكر أسماء وعدد الشهداء (الرجال و النساء والاطفال) في كل مواجهة ومجزرة ومنظر الدماء والأشلاء في كل مكان لأنني في النهاية إنسان له مشاعر وأحاسيس رغم أن مهنتي تتطلب الحيادية ونقل المعلومة إلى المتلقي ليس إلّا .

الموقف الجزائري يعكس المحتوى الحقيقي لثقافة المقاومة

المجلة الثقافية الجزائرية: في مباراة لكرة القدم قدّم الشعب الجزائري صورة معبرة عن تقديسه للقضية الفلسطينية حين وقف ليشجع الفريق الفلسطيني ضد فريق بلاده.. كمثقف فلسطيني كيف تفسر هذا المشهد؟!
نعيم إبراهيم: بكل فخر أعبر عن اعتزازي بشعبنا البطل في الجزائر بلد المقاومة والشهداء والداعم الأبرز للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني كيف لا ونحن أبناء أمة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج لها تاريخ مشرف في النضال والتضحية في سبيل حقوقها ومن اجل بناء حضارة انسانية عادلة .

وما تشجيع الجمهور الجزائري للفريق الفلسطيني إلّا تعبير صادق وعظيم لارتباط الجزائريين المقدس بقضية شعبهم في فلسطين وحقوقه العادلة . وحقيقة هذا الموقف من أبناء الجزائر يعكس المحتوى الحقيقي لثقافة المقاومة.

إذاعة فيروز..

المجلة الثقافية الجزائرية: في ضوء تجربتك الطويلة مع (شام f m) دعني أسألك عن عوامل نجاحها.. برأيك ما سبب انتشار ها الواسع ولماذا تُعتبر هذه الإذاعة مرجعية لشريحة واسعة من الجمهور داخل سورية وخارجها؟
نعيم إبراهيم: أولاً دعيني أعرّف القراء الذين لم يتابعوا بث الإذاعة حتى الآن. شام fm هي إذاعة سورية خاصة تأسست العام 2007 في دمشق، وتبثّ أثيرها ليصل إلى معظم المناطق السورية.

تهتم الإذاعة بالأخبار إلى جانب تقديم البرامج المتنوعة، وبثّ الأغاني والنشرات الموجزة. ولها مراسلون في معظم المدن والمناطق السورية، يزوّدونها بالأخبار لحظة بلحظة، وامتازت الاذاعة خلال السنوات الماضية ببثّ أغاني فيروز والرحابنة حتى بات يُطلق عليها اسم إذاعة فيروز إلى جانب اسمها الأصلي.  وإلى جانب أثيرها المسموع، تملك شام إف إم منصّة تيلي راديو على التلفزيون، ومنصّات تواصل اجتماعي مختلفة على فيسبوك وانستغرام وتويتر وتلغرام، إضافة لخدمة إخبارية عبر الرسائل النصية .
يعمل في الإذاعة فريق تحرير متخصص إلى جانب فريق فني كبير يدعمها ويزوّدها بكل الخدمات التقنية من أجل تقديم أفضل محتوى وصوت وأداء للمستمعين والمشاهدين على حدّ سواء.
كان لإذاعة شام fm و لا يزال دور كبير في نقل الأحداث في سورية والمنطقة كما وقعت خلال العشرية السوداء (الربيع العربي) منذ العام 2011 وتحملت مسؤولية ما بثته ولا تزال من أخبار وتقارير ولقاءات إعلامية من كل الأرض السورية وإليها.. تاركة بذلك بصمتها في المشهد الإعلامي كمؤسسة لها حضور في نقل كل ما تشهده هذه الأرض من أحداث بعضها مؤلم وبعضها سار..!.
ولقد قدمت الإذاعة محتوى إعلامياً احترافياً بحيث أُعطيت هامشاً جيداً من الحرية في نقل الأخبار وتقديم البرامج السياسية والثقافية وتحديداً الحوارية منها وأوصلت صوت (الموالاة و المعارضة الوطنية) داخل و خارج سورية إلى الرأي العام في كل مكان و هذا أدى إلى استقطابها جمهوراً واسعاً ومتابعين لها أينما كانوا بحيث أثبتت الإذاعة جدارتها فأصبحت مشروعاً اعلامياً وطنياً هاماً. وأنا شخصيا أشعر بالفخر لانتمائي إلى هذه المدرسة الإعلامية َلما وصلت إليه كوسيلة إعلامية سورية نذرت نفسها والعاملين فيها لخدمة سورية وعبرت عن الواقع السوري بكل تفاصيله وهي سباقة بالكلمة الطيبة والموقف الوطني وعذوبة الألفاظ والألحان التي تصل إلى القلوب والعقول وجمعت ولا تزال كل ألوان الطيف السوري وَتراثه الغني، وكل الأفكار والمعتقدات وحتى التوجهات السياسية داخل إطار لا يتجاوز عدة أمتار، ليصل الصوت إلى آلاف الكيلو مترات، بحيث يمكنك أن تشاهد وتسمع داخل هذه الإذاعة ما يمكن أن تشاهده وتسمعه في أي منزل سوري أو عربي، من مدح وذم ونقد وشكوى وتأييد ومعارضة وغلاء ونجاح وفشل وطلاب جامعة وفنانين وأطباء ومحامين ورجال شرطة وإسعاف… إلخ، لكن ما أريد أن يعرفه المستمع أن الجميع – الضيوف والعاملين- يخرجون من باب الإذاعة مبتسمون!

اللغة العربية مرتبطة بالهوية العربية

المجلة الثقافية الجزائرية: وما سرّ هذا التميز الذي يلمسه المستمع لدى نعيم إبراهيم على مستوى الأداء اللغوي والثقافي؟
نعيم إبراهيم: حقيقة تغمرني السعادة كلما لمست من المتلقي اهتماماً متزايداً بمستوى أدائي اللغوي والثقافي نظراً لاهتمامي الذاتي باللغة العربية الفصحى الميسرة والتي أحببتها منذ نعومة أظفاري حيث صقلت القراءة المستمرة لكل ما يقع بين يدي كتابات في الصحف والمجلات والكتب وحديثاً ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي اضافة إلى الاستماع للإذاعات و التلفزة العربية التي تولي اللغة العربية الفصحى اهتماماً خاصاً ولا أنسى ما أقدمه في عرافة المهرجانات والملتقيات والندوات الجماهيرية . فالتثقيف الذاتي – وهو ضروري جداً لأي إعلامي- جعلني أمتلك ناصية الأمور في كثير من جوانبها على صعيد الأداء اللغوي والثقافي ولا أدعي أنني أتحدث اللغة العربية الفصحى بكليتها لأن طبيعة العمل في الإذاعة التي أعمل بها حالياً يتطلب لغة عربية قوية لكنها مبسطة وسهلة ومفهومة وغير معقدة بالنسبة للجمهور، كما أقول أنني ما زلت بحاجة إلى المزيد من المثابرة في القراءة والكتابة على هذا الصعيد.

ومن الأهمية بمكان التأكيد أن اللغة العربية تظل مرتبطة بالهوية العربية، وهي لغة القرآن الكريم، واللغة التي نعتز بها. كما انها لغة منطق وتفكير وليست لغة تعبير فقط.

هناك استسهال مخيف بقضايا اللغة العربية في الإعلام والتعليم

المجلة الثقافية الجزائرية: ما يلفت الانتباه أن الكثير من مذيعين ومذيعات الراديو ينظرون بعدم تقدير لقيمة الثقافة عموماً وللغة العربية الفصحى بوجه خاص.. من المسؤول برأيك عن هذا التردي الفكري؟
نعيم إبراهيم: هذا أمر مؤسف وخطير للغاية والتقصير يعود إلى المذيع نفسه ومن ثم إلى الجهات المعنية في الإعلام و الثقافة . نعم لقد بتنا اليوم نلمس بوضوح تراجعاً كبيرا في اللغة العربية بمحطات الإذاعة وقنوات التليفزيون واستخدام العامية بكثرة، و أيضاً على مستوى التعليم وهناك استسهال مخيف على هذا الصعيد للأسف!

وفي هذا السياق اسمحي لي أن أحيل القرّاء الكرام إلى ما أكده الدكتور صالح بلعيد في دراسة له في لغة الاعلام تحت عنوان (الأداء المسقاع في لغة المذياع) نشرت بتاريخ 20 – 08 – 2008 تناول فيها مواصفات المذيع في استعمال اللغة الفصيحة والاعتماد على التشويق وبعد النظر .
يؤكد بلعيد أن الصحافي المذيع ينبغي أن يكون جهازه النطقي خالياً من العيوب، واتباع المنهج اللغوي السليم، وهو استعمال عربية فصيحة في برامج الإعلام والتثقيف والتعليم وما شابه ذلك، فالإذاعة خطابها اللغوي الذي تستريح له النفس، ويطمئن إليه القلب ولذلك من الضرورة بذل أقصى عناية ممكنة في الكلمة المذاعة من حيث أداؤها ومحتواها ومعناها في شكلها ومبناها، وفي استعمال اللغة الفصيحة. كما أن الإعلامي المذيع، لسانه قلمه، وقلمه قمته، فبلسانه يعلو، وبلسانه يعثر، وبلسانه يكسب الشهرة فلسانه صورة له وعنه وأن الصحافي المذيع يجب أن يحرص على الامتياز في تحصيل اللغة وطرائق ممارسة العملية الاستعمالية: كتابة ونطقا، لأن جماهيره لا تنظر إليه، بل تقرأ له، ومن هنا فإن اتقان العربية حاجة ملحة وضرورية في هذه المرحلة التي يزداد فيها الإقبال على الترجمة والتعريب، للوقوف على منجزات التطور العلمي وآخر المستجدات.
كما أن الصحافي المذيع لا يحدد اختصاصه ولاجمهوره، فعليه أن يكون موسوعة ويلم بأنماط متعددة من المعارف، ويبقى التحكم في اللغة عاملاً أساساً لنجاح النشرة ووفائها بأغراضها، فقارئ النشرة مثلا متحدث بلسان قومه، والخروج عنها أو الخلط فيها بكسر قواعدها ليس مقبولاً ويقتضي أن يكون محرر النشرة وقارئها على درجة عالية من المعرفة بلغتهما القومية ولهذا يفضل عقد لقاء مسبق بين المحرر والقارئ قبل قراءة النشرة، هذا للمراجعة والضبط، فقارئ النشرة يشترط أن يكون خبيراً لطرائق فن الأداء الصحيح، مبرأ من العيوب النطقية والخلط في توزيع نغمات الكلام وموسيقاه، فينبغي أن يكون أداؤه عادلاً متوازناً بين السرعة والبسط، فمن سمات حسن الإلقاء: الدقة، والوضوح والتشويق وبعد النظر.
ويتابع بلعيد قائلاً إن الصحافي المذيع يجب أن يكون موهوباً، ذا خيال واسع عميق يمكنه إدراج سيكولوجية السامعين وموقعهم الاجتماعي الثقافي، ومدى أهمية ما يقوله بالنسبة إليهم كما أن تنقله من موقع لآخر ومن تقديم برنامج إلى تنشيط حصة، يفرض عليه الجدية والصدق والإخلاص في أداء واجباته وتحقيق آمال سامعيه، ويحتاج إلى تطويع النفس والتدريب الدائب وتوسيع دائرة ثقافته.
ولكن يجوز للصحافي المذيع أحياناً استعمال العامية في المواد التي تقدم لفئات أوطبقات معينة ممن ارتبطت أنشطتهم ومهنهم بعامية فئة ذات خصوصية كالحرفيين وأصحاب الصنائع وأهل الزراعة، ولكنها عامية لاتعني النزول بأسلوبها إلى ما هو غير مقبول.

على المذيع أن يواظب على القراءة في كل صنوف المعرفة

المجلة الثقافية الجزائرية: مهمة المذيع تتمثل في تقديم إضافة فكرية للجمهور وليس تسليته فقط.. فكيف تلعب ثقافة المذيع دورها الإيجابي في هذا السياق خصوصاً وأنك تتولى إعداد وتحرير برامجك بنفسك؟
نعيم إبراهيم: هذا صحيح تماماً وأنا أفضل أن يقوم المذيع بإعداد ما سيقدمه بنفسه بشكل مسموع للجمهور بحيث يكون الاعتماد الكلي فيه على مستوى المهارات والأفكار ونوعية اختيار وترتيب الفقرات وتسلسل موضوعات المادة التي يريد إعدادها وتقديمها وهذا يتأتى من خلال امتلاك قاعدة معلومات واحاطة شاملة بالقضية التي يريد تسليط الضوء عليها، بالإضافة إلى العلاقات العامة وهذا يجعله متميزاً في عمله ومبدعاً في أدائه، مقدماً إضافة فكرية للجمهور عبر تناوله مواضيع جادة تهم المجتمع وتسلط الضوء على كل مخزوناته تحديداً السلبية منها في سبيل المساهمة بإيجاد الحلول المناسبة لها .

المجلة الثقافية الجزائرية: لكن ما نلاحظه أن هناك فجوة فكرية بين المذيع والضيف، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى حوار عقيم، أين تكمن مهارة المذيع لتلافي هذا الخلل؟
نعيم إبراهيم: نعم.. ولهذا السبب لا يزال الإعلام العربي ينعت بالمتخلف والمحبط بسبب هؤلاء الجهلة الذين انخرطوا في العمل الإذاعي والإعلامي عبر المحسوبيات والوساطات ولا يمتلكون أدنى مقومات المذيع الواعي إنما جاؤوا للتسلية وكسب الصيت ليس إلّا .

في الواقع ينبغي أن يواظب المذيع على القراءة في كل صنوف المعرفة وأن يتابع كل جديد في عالم الإعلام والثقافة كما أسلفت وأن يتعامل مع الضيف كند له، بالإضافة إلى التحضير الجيد للحوار، والإلمام بكافة المعلومات حول الضيف وليس الاستهانة به وأن يكون قادراً على استنباط سؤال جديد من إجابة الضيف على سؤال سابق والإمساك بزمام الحوار وغير ذلك من المهام التي تطرقنا إليها خلال الحوار.

وهذه نصيحتي للمذيعين الجدد..

المجلة الثقافية الجزائرية: لو طلبت منك توجيه نصيحةً للمذيعين الجدد والمبتدئين ماذا ستقول لهم؟
نعيم إبراهيم: أنصحهم بالمثابرة دائماً في القراءة والكتابة والسؤال والخضوع إلى دورات تأهيلية باستمرار بالنسبة للتحرير والإعداد والإلقاء ومتابعة كل جديد في العلوم والآداب والثقافة لكسب المزيد من المعرفة وما تحدث به الدكتور صالح بلعيد وغيره من أصحاب العقل الراجح والتواضع يمثل عين الصواب ورسالة هدي لكل المذيعين و الاعلاميين في هذا السياق.

أدعو لإنجاز مشروع إعلامي عربي لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية

المجلة الثقافية الجزائرية: لنبدأ من جديد.. كيف تريد أن نختم هذا الحوار؟
نعيم إبراهيم: في نهاية هذا الحوار أوجه التحية و التقدير لكم في المجلة الثقافية الجزائرية على إتاحة هذه الفرصة لي باللقاء مع القارئ العربي الكريم في الجزائر وخارجها وكل مكان على وجه البسيطة . ومن خلالكم أوجه التحية أيضاً إلى شعبنا العظيم في الجزائر ومواقفه المشرفة في دعم حقوق الشعب الفلسطيني وكل القضايا العربية والأممية العادلة .

وأتوجه بالتحية كذلك إلى زملائنا الصحفيين والإعلاميين والمذيعين الجزائريين والعرب والأحرار في العالم راجياً التوفيق للجميع في أداء رسالة الإعلام بكل شفافية وموضوعية، ومن خلال هذا المنبر أدعو كل من يهمه الأمر إلى ضرورة إنجاز مشروع إعلامي عربي حقيقي نستطيع من خلاله مواجهة التحديات الجسام في عالم اليوم والمستقبل .