عثمان بوطسان باحث أكاديمي من المغرب يكتب باللغتين العربية والفرنسية في الأدب والشعر. ضيفنا مهتم بالآداب الآسيوية كالأدب الباكستاني والأدب الإيراني إلّا أنه تخصص في الأدب الأفغاني المعاصر وله العديد من الأبحاث المهمة حوله ومنها: (معجم الأدباء الأفغان المعاصرين (1978-2019) وهو كتاب مهم يسلط الضوء على أهم المبدعين الأفغان في ميدان الشعر والمسرح والرواية حيث يستطيع القارئ أن يرى صورة مغايرة عن أفغانستان كبلد له جذور حضارية ضاربة في التاريخ الإنساني وهي صورة مختلفة تماماً عمّا صدرته آلة الإعلام الأمريكية عن هذا البلد .. المجلة الثقافية الجزائرية تواصلت مع عثمان بوطسان لاكتشاف أسرار تلك المنتج الإبداعي الأفغاني وجمالياته فكان هذا الحوار:
حوار: باسمة حامد
مغامرة..
• المجلة الثقافية الجزائرية: لنبدأ من عثمان بوطسان، الباحث المغربي، الذي جذبه الأدب الأفغاني. دعني أسألك عن الرحلة التي قادتك إلى هذا العالم المتشعب؟
عثمان بوطسان:في الحقيقة هي رحلة قادتني الصدفة إليها، فقد تعرفتُ على الأدب الأفغاني من خلال رواية \”ألف منزل للحلم والرعب\” للروائي عتيق رحيمي التي وجدتها صدفة في أحد رفوف المكتبة الجامعية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان التي كنت أتابع دراستي الجامعية فيها. كما أنني وجدت بالصدفة كذلك كتاب محمد أمان الصافي الموسوم بـــ \” الأدب الأفغاني الإسلامي\” والذي اطلعت عليه وكان بمثابة المرجع الأول الذي حفزني للنبش أكثر في تاريخ هذا الأدب من باب الفضول ليس إلا . لم أكن أعتقد في بداية هذه المغامرة أنني سأصير باحثاً ومختصاً في الأدب الأفغاني المعاصر الذي يعرفه إلا القلة القليلة في الوطن العربي وخارجه.
أهتم كثيراً بأدب الهامش
• المجلة الثقافية الجزائرية: هذا يقودني إلى سؤالك لماذا الأدب الأفغاني تحديداً؟
عثمان بوطسان: ببساطة، لأنه أدب مهمش عالمياً لعدة اعتبارات سياسية وثقافية وإيديولوجية ودينية. شخصياً، أهتم كثيراً بأدب الهامش وأعتبر الأدب الأفغاني أدبا هامشياً لأنه ما يزال في الظل ولم تُعرف منه إلا أعمال قليلة جداً بفضل ترجمتها إلى لغات أخرى، خاصة الإنجليزية والفرنسية. كباحث، وجب علي تقديم مادة بحثية تتسم بالأصالة والتي يمكن أن تجعل من كتاباتي مرجعا لباحثين آخرين. في البداية كنت أطمح للاشتغال على الأدب الياباني أو الهندي نظرا لأهميتهما الكبرى بالنسبة لي كمهتم بالآداب الآسيوية، إلا أنني لاحظت وجود الكثير من الأعمال النقدية والأبحاث الجامعية التي تناولتهما بشكل كافي، عكس الأدب الأفغاني الذي ظل وما يزال مهمشاً من طرف القراء والباحثين والمترجمين.
الأدب اليوم مرآة الشعوب المضطهدة
• المجلة الثقافية الجزائرية: الدور الغربي سعى لتهميش الأدب والثقافة في العالم الثالث.. لكن برأيك إلى أي حد نجحت الثقافة بالصمود ضمن ما تواجهه من تحديات كبيرة (التشدد الديني، الفقر، القمع السياسي..)؟
عثمان بوطسان: لطالما أراد الغرب أن يطمس هوية العالم الثالث الثقافية وأن يحجب شمس تميزه الفني والأدبي. إلا أنه في الآونة الأخيرة، تحرر كُتابُ العالم الثالث من هذه التبعية الثقافية وأصبحوا يسيطرون على كبرى الجوائز الأدبية العالمية التي كان يحتكرها الكتاب الغربيون في العقود السابقة. فقد نجح روادُ الثقافات المتخلفة كما يسميها الغرب في الرقي بمستوى الإبداع وتحول الأدب لسلاح وأداة فعالة لمناهضة العنف والتشدد الديني والقمع السياسي وكل المشاكل ذات الطابع الاجتماعي والديني. لذا، أصبح الأدب اليوم مرآة الشعوب المضطهدة وصوت من لا صوت له والشعلة التي تجدد أمل القارئ في غد ووطن أفضل.
مثقفو العالم يتفاعلون مع المتغيرات..
• المجلة الثقافية الجزائرية: كيف تصف الحضور الإبداعي لمثقفي العالم في ضوء هذه المتغيرات المهولة والكارثية المتراكمة دولياً؟
عثمان بوطسان: يشكل الإبداع جزءاً مهماً من هذه المتغيرات ولا يمكن في نظري فصل الثقافة عن البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الكاتب أو الشاعر أو المثقف … فالأدب قبل كل شيء، هو نتاج مباشر لهذه المتغيرات وهذه الكوارث مهما اختلفت أساليب الكتابة أو الإطار الذي تنسج فيه خيوط الحكايات الواقعية أو الخيالية. فالخيال هو انعكاس للواقع المنسي وأفق يتصالح فيه الكاتب مع ذاته ومحيطه. وبالتالي، يتفاعل مثقفي العالم مع هذه المتغيرات بشكل مباشر عن طريق الكتابة أو التفاعل التلقائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي قربت المسافة بينهم وبين القراء.
من الخطأ ربط الإبداع بجنس معين
• المجلة الثقافية الجزائرية: سأسألك أين موقع المرأة المبدعة على خارطة الإبداع في مجتمعات تحكمها الثقافة الذكورة والأعراف والتقاليد؟
عثمان بوطسان: أعتقد أنه من الخطأ ربط الإبداع بجنس معين. تشكل الكتابة النسائية اليوم مرجعاً مهماً لا يقل قدراً عن الكتابة بلغة المذكر. فقد أصبحت المرأة الكاتبة والمبدعة تنافس الرجل في المجتمعات الذكورية وأحياناً تتفوق عليه، خاصة في العالم الإسلامي والعربي. فالحس الإبداعي مرتبط بالدرجة الأولى بالتجربة المعاشة وأزمة الهوية والتعدد اللغوي وتجارب المنفى والمرض والحنين والوحدة وغيرها من التجارب، ولا علاقة له بجنس من يؤلف الرواية أو الشعر أو المسرح.
المثقف الأفغاني يتناول كل القضايا..
• المجلة الثقافية الجزائرية: سأعود بك الى الأدب الأفغاني، كيف تقيّم دور المبدع الأفغاني في تشكيل الوعي وبناء المجتمع ونهضته؟
عثمان بوطسان: يشكل المبدع الأفغاني الركيزة الأساسية في بناء الوعي وتحرير المجتمع من ظلمات الحرب وتشدد الجماعات المتطرفة. فمن خلال النصوص الأدبية، عرفت أفغانستان نهضة مهمة ارتبطت أساساً بالجانب الاجتماعي من خلال الدفاع عن حقوق النساء وحرية الصحافة والتعبير. يتناول المثقف الأفغاني كل القضايا التي تمسه كفرد وتشكل عقبة أمام تقدم بلاده. يحاول الكتاب الأفغان كسر الصورة النمطية التي رسمتها وسائل الإعلام الغربية والتي جعلت من بلادهم وكرا للإرهاب والعنف والتشدد، طامسة بشكل ممنهج التاريخ العريق والثقافة المتنوعة والحس الإبداعي المتفرد لبلاد لطالما كانت ملتقى الشعوب والديانات والحضارات.
أفغانستان ضحية لحروب متعددة..
• المجلة الثقافية الجزائرية: هل يمكن ترسيخ ثقافة السلام في أفغانستان كبلدٍ اعتاد الحروب والتعصب الفكري وحوادث الإرهاب؟
عثمان بوطسان: بطبيعة الحال، فأفغانستان ليست إلا ضحية لحروب متعددة ونزاعات بين أطراف همهم الوحيدة السيطرة على البلاد مهما كان الثمن. كانت أفغانستان رمزاً لحوار الحضارات والتسامح الديني، وخير دليل تماثيل بوذا العملاقة التي دمرتها جماعات طالبان في وادي باميان في مارس 2001. لا يريد الأفغان اليوم، غير العيش بسلام بعيدا عن الحرب التي حرمتهم من أبسط شروط الحياة. والإرهاب هو في الحقيقة صناعة غربية كان الغرض منها تفريق الشعب الأفغاني من خلال نشر قيم الكراهية والعنف بين عرقياته.
الأدب ينقل صور واقعية عن معاناة الأفغان
• المجلة الثقافية الجزائرية: من يتابع الواقع الأفغاني لابد أن يتساءل عن (الدور الأمريكي، القاعدة وطالبان، الحرية، المرأة، الهوية، الجوع).. فهل قدّم الأدب الأفغاني إجابات شافية عن تلك الأسئلة؟
عثمان بوطسان: من خلال الاطلاع على الأعمال الأدبية الأفغانية، سيلاحظ القارئ الارتباط الوثيق بين الكاتب والأرض التي أنجبته. لذلك، فالحرب السوفييتية والأمريكية والقاعدة وطالبان والموضوعات الأخرى ذات الارتباط بالحرية والمرأة والهوية والمعاناة تشكل الأسئلة الجوهرية التي يعالجها الأدب الأفغاني المعاصر. يحاول هذا الأدب بصفة عامة نقل صورة واقعية للمعاناة اليومية التي يعيشها الأفغان جراء الحرب وتداعياتها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
الأدب الأفغاني أدب منفرد
• المجلة الثقافية الجزائرية: الرواية الأفغانية كشفت الواقع الأفغاني بأزماته السياسية والفكرية والاجتماعية.. لكن كيف تجد جماليات هذه الرواية على مستوى الكتابة والصياغة الإبداعية؟
عثمان بوطسان: كقارئ للأدب الأفغاني، يمكنني القول أنه أدب متفرد على جميع الأصعدة. تنسج النصوص الأدبية بأساليب يمتزج فيها الحداثي بالتراثي والواقعي بالأسطوري والنثري بالشعري. يشتغل الكتاب الأفغان كثيرا على اللغة وما تحمله الكلمات من بُعد شاعري وتصوفي. يستعملون كثيرا الجمل القصيرة وتتداخل الأجناس الأدبية في النص الواحد ولا يمكن حصر النصوص الأفغانية في تأويل محدد، لأنها نصوص معقدة تستمد بنياتها وتركيباتها من التداخل النصي والتعدد اللغوي والثقافي و تدمج بين البعد الجمالي للأدب الفارسي والغربي.
• المجلة الثقافية الجزائرية: في حوار سابق قلت َ أن النتاج الأدبي الأفغاني \”يتماشى مع ثقافة الحداثة السائدة في الغرب\”.. دعني أسألك عن ماهية الحداثة كآلية تغيير وما مدى تقاربها مع الانتاج الأدبي والثقافي الأفغاني؟
عثمان بوطسان: كنت أقصد بذلك الحداثة الأدبية الغربية. فجل الروايات الأفغانية التي نشرت في العقود الثلاثة الأخيرة تتماشى مع أساليب الكتابة الأدبية الحديثة التي نظر لها الغرب، حيث نجد في روايات عتيق رحيمي مثلاً، دمجاً لمجموعة من الأجناس واعتماد أسلوب الشذرة في الكتابة الروائية لكسر النسق التقليدي الصارم، فضلا عن تكسير مفاهيم الحكي والشخصيات والفضاء الزمني والمكاني. فالحداثة الأدبية كآلية تغيير جاءت لتعكس كل التناقضات التي عاشها الإنسان المعاصر، خاصة بعد الحربين العالميتين. لذلك، فالأدب الأفغاني المعاصر، أدب حديث من حيث مقاربة الواقع وبنية النصوص وفلسفة الكتابة الإبداعية.
ستشكل الجائحة نقطة تحول في مسار الإبداع
• المجلة الثقافية الجزائرية: في عصرنا الرقمي ومن ثم جائحة كورونا تغيرت الكثير من الأشياء في الثقافات العالمية، كيف تفاعل المبدع مع هذه المتغيرات؟
عثمان بوطسان: على المبدع أن يتأقلم مع الواقع الجديد، كما سبق له وتأقلم مع باقي المتغيرات. في الحقيقة، ستشكل الجائحة نقطة تحول كبيرة في مسار الإبداع نظراً لتأثيرها على الحياة العادية التي كان يعيشها جلّ المبدعون. فقد برزت مجموعة من المفاهيم الجديدة خلال هذه الجائحة والتي ارتبطت أساساً بالعالم الرقمي ووسائل التواصل الجديدة. كما قلت في البداية، لا يمكن فصل الإبداع أو الثقافة عن هذه المتغيرات وإنما تتحول لفضاء يتفاعل فيه المبدع مع بيئته في إطار عملية تأثير وتأثر.