بقلم: أنطونيو سكارميتا
ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم
في ساحة إيطاليا، أمسكت المرأة بذراعه بقوة. التفت إليها ورأى وجهها الشاحب. كانت صفوف العمال تتناقص شيئاً فشيئاً مع اقترابهم من المركز. سُمعت بعض الصرخات المتفرقة، لكن الصمت زاد تدريجياً وكأنه حمى، وعرف أنها كانت زوجته هي التي لاحظت هذا أولاً. شعر بعدم القدرة على التعبير، وكأنه نسي الكلمات. كانت الأبدية تتجسد في ذلك الصوت الوحيد لأقدام قوية على الرصيف. فكر في موجة لا تنتهي، لكن ذلك كان مجرد إحساس، لا أكثر.
مرر الراية إلى رفيقه وعانق المرأة دون أن يوقف المسيرة. لقد كانت على حافة الهاوية قليلاً .قالت :
– لا أستطيع الاستمرار .
– يمكنك ذلك. لم يتبقَ الكثير.
ضغط على خصرها ليشجعها.
– ماذا بك؟
– إنه الحزن.
– ألست سعيدة؟
– أنا سعيدة. لكنني حزينة.
– هل تستطيعين التنفس بشكل جيد؟
– نوعاً ما.
بدأ يسحبها جانبا. كانت الصفوف تبدو غير قابلة للاختراق، لكن كان هناك شيء معدٍ فيها. شيء جاد، متيقظ ومرن. لم يجد صعوبة كبيرة في الوصول إلى الرصيف، وهناك جلس بالمرأة على مقعد أمام منزل.
سأذهب لأحضر لك ماءً. اجلسي في مكانك.
أمسكت بيده، ورغم أنها لم تبكِ، إلا أن الدموع امتلأت في عينيها. وضع يده على ذراعها وحاول أن يرى في الأمام رايات نقابته. أصبحت خطوات الناس أكثر كثافة. تركز الصمت في مسير حازم وقوي قليلاً. أولاً، أخذت المرأة نفسًا عميقًا، ثم تمكنت من الحديث.
– الحق برفاقك. لا أريد أن تفقدهم.
كانت وجهها ملاصقًا لجنب الرجل، ونظرت إلى الرفاق الذين لا يعدون ولا يحصون، بأعناق مشدودة ونظرات جادة.
قالت :
– الحق بهم . لا أريد أن أبقى وحدي.
رمش بعينيه مندهشًا من اقتراحها وهو يراقب شفتيها.
قال :
– هذا صحيح أيضًا.
قبلها بشغف على خدها، ثم انضم إلى الصفوف، وكان يراقب بعينين منتبهتين آخر راية.
(انتهت)
المؤلف : أنطونيو سكارميتا/ Antonio Skármeta: ولد في تشيلي عام 1940. ويُعد أنطونيو سكارميتا أحد المؤلفين التشيليين الأكثر قراءة على مستوى العالم. درس الفلسفة والأدب في تشيلي ونيويورك، ودرّس الأدب في جامعة تشيلي حتى عام 1973. وبعد عدة سنوات في ألمانيا، عاد إلى تشيلي في عام 1990، وانضم إلى معهد جوته في سانتياجو. تُرجمت رواياته وقصصه القصيرة إلى أكثر من عشرين لغة، وفازت بالعديد من الجوائز، بما في ذلك جوائز ألتازور وبوكاتشيو وبلانيتا. كما حصل أنطونيو سكارميتا على وسام فارس الفنون والآداب من وزارة الثقافة الفرنسية، وحصل على زمالة جوجنهايم ومنحة من برنامج الفنون في برلين. كتب سيناريوهات لعدة أفلام وأخرج أفلامًا وثائقية وروائية، وأبرزها فيلم “مذبح نيرودا” (1994)، المأخوذ عن روايته الناجحة “الصبر الحار” وحصل على العديد من الجوائز. توفي فى 15 أكتوبر 2024 م .