المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

الناقد العراقي عبدالله إبراهيم: السرد النسوي أكثر حيوية من السرد الرتيب الذي يكتبه الرجال

أجرى الحديث في الدوحة: إياد الدليمي

ملفت هو في يومياته لا تعدو أن تكون غوصا في عالم السرد العربي، العالم الذي اختاره بعيدا عن ضوضاء النقد غير المقيد بمشروع، فكان السرد العربي هو عبد الله إبراهيم، وعبد الله إبراهيم هو السرد العربي. الناقد الدكتور عبد الله إبراهيم اتخذ من السرد العربي مشروعا ثقافيا له، فكان أن رفد المكتبة العربية بواحدة من أهم الدراسات النقدية، وهي\” موسوعة السرد العربي\” التي أخذت منه عشرين سنة من الجهد. وسوف تبقى المرجع المعتمد الأوفى في دراسة السردي العربي. فتح عبد الله إبراهيم خزائن أفكاره وتحدّث بصوت عال ولكنه هادئ كالعادة، فخصّ السرد النسوي  بأفكاره، فراح يحلل ويؤول، ويفسر ويعلل، آملا في الوصول إلى كشف سرّ الكتابة السردية عند حواء العربية،  فمازال سردها يسعى لتخطى حواجز الذكورة التي ركنته جانبا.

 

•  لك رأي نقدي من السرد النسوي العربي وعلاقته بالسرود الغربية حول المرأة. فأين تضع هذه الظاهرة الجديدة من الناحية الفنية والوظيفية في سياق السرد العربي الحديث؟

– هذه قضية حديثة، ويلزم البحث فيها كشف الحاضنة الثقافية التي منحت السرد النسوي دلالة محدّدة في الأدب العربي الحديث، فقد صيغت هويته السردية، ممثلة بالنوع الروائي، استنادا إلى حضور أحد المكونات الثلاثة الآتية أو اندماجها معا فيه، وهي: نقد الثقافة الأبوية الذكورية، واقتراح رؤية أنثوية للعالم، ثم الاحتفاء بالجسد الأنثوي، فتشابكت تلك المكونات من أجل بلورة مفهوم الرواية النسوية بما صارت تعرّف بها. وفيما يخص نوع الكتابة، ينبغي التفريق بين كتابة النساء، والكتابة النسوية، فالأولى تتم بمنأى عن فرضية الرؤية الأنثوية للعالم وللذات إلا بما يتسرّب منها دون قصد، وقد تماثل كتابة الرجال في الموضوعات والقضايا العامة، أما الثانية فتتقصّد التعبير عن حال المرأة استنادا إلى تلك الرؤية في معاينتها للذات وللعالم، ثم نقد الثقافة الأبوية السائدة، وأخيرا اعتبار جسد المرأة مكونا جوهريا في الكتابة، بحيث يتمّ كل ذلك في إطار الفكر النسوي، ويستفيد من فرضياته، وتصوراته، ومقولاته، ويسعى إلى بلورة مفاهيم أنثوية من خلال السرد، وتفكيك النظام الأبوي بفضح عجزه.

*هل ترى في هذه المقومات أساسا في تمييز السرد النسوي عن سواه من السرود الأدبية؟

-نعم، فقد شهد السردي العربي الحديث صعودا ملفتا للرواية النسوية. ولم يحصل ذلك في معزل عن المكانة المتنامية للمرأة في الحياة الاجتماعية، والثقافية، إنما جاء استجابة للوعي الأنثوي الذي عرف طوال التاريخ استبعادا لا يمكن تجاهله، وتمييزا ضده يصعب إغفاله فالآداب العربية القديمة، شعرية وسردية، كانت تموج بصور المرأة – الجارية، التي اقتصر دورها على تقديم المتعة للرجل، فهي موضوع للذّته. وندر أن جرى الاهتمام بها خارج هذه الوظيفة النمطية الموروثة، وقد تغلغلت الرؤية الأبوية الذكورية في مادة الأدب العربي، وصاغت دلالاته الكبرى، وفيه ظهرت علاقة المرأة بالرجل علاقة تابع بمتبوع، وكل ذلك عطّل ظهور وعي أنثوي يمكّن الثقافة أن تستقر على أسس متوازنة ومتفاعلة.

– ما العمل إذن.

– لا يستقيم الأمر إلا بتخطّي هيمنة الرؤية الذكورية للعالم، وقبول الرؤية الأنثوية بوصفها رؤية مشاركة، وليس تابعة. وإذا كانت التحيّزات النسوية المفرطة لصالح الأنوثة قد انحسرت تقريبا، إذ كانت في معظمها ردّات انفعالية على استبداد الثقافة الأبوية، فمن المنتظر أن تأخذ تجربة السرد النسوي العربي في حسابها مخاطر الاندفاعات المتطرفة التي شهدتها الآداب الأخرى منذ منتصف القرن العشرين، وحاولت نقض الأدب الذكوري إلى درجة المحاكاة الضدية، أو الانكفاء المغلق على الأنوثة بوصفها ميزة خاصة بجسد المرأة بحثا عن توازن مفقود يواجه به الأدب النسوي ما كرسته الثقافة الذكورية. ولعل انتباه الرجال إلى القيمة الإنسانية المتنامية لدور المرأة، وتخفّف السرد النسوي من نزعات الغلو سينتهي بالجميع إلى مزج الرؤى، وتنوع المنظورات، بما يتيح للرؤى الأنثوية أن تسهم في ظهور تمثيلات سردية فيها ثراء خصب من التنوع الإنساني الشامل.

  • هل هذه التمثيلات السردية معزولة عن مرجعياتها الاجتماعية والثقافية؟

–      ينبغي التأكيد على قضية مهمة في هذا المجال، فمع إقرارنا بأن التمثيلات السردية للعالم هي نتاج وعي الأفراد، نساء ورجالا، بأحوال العالم، ووجودهم فيه، فلابد من الإشارة إلى أن تلك الرؤى الفردية ليست منقطعة عن خلفياتها الاجتماعية والثقافية التي تتسرّب إلى تضاعيفها، وتتفاعل فيما بينها، لتضمر في داخلها كثيرا من التجارب العامة والخاصة؛ فالرؤى التي تصوغ العوالم السردية التخيلية لا تنفصل عن مرجعياتها انفصالا تاما، ولكنها، في الوقت نفسه، لا تعبّر عنها تعبيرا مباشرا؛ فالعلاقة بين الرؤى السردية وخلفياتها الاجتماعية، والتاريخية، والثقافية، علاقة مركّبة، ومتعددة المستويات، ومتداخلة، ويتعذّر وضع قانون لضبطها وتفسيرها، وكشف أواصرها، ولكنها علاقة قائمة لا سبيل إلى إنكارها، أو تجاهلها.

  • هل ترى أن عين الأنثى قادرة على إعادة تشكيل العالم بالسرد؟

أجل، فقد ركّبت الرؤية الأنثوية في السرد عالما تتعرّض فيه الأبوية إلى التأزم الذي يفضي إلى الارتباك، ثم الانهيار، لكنها لم تقترح بدائل، فظل موقع الأنثى يراوح بين رغبة في الهروب من سلطة الأب بوصفه كابحا لرغباتها الجسدية، وبين مقاومتها، وبين الاستجابة لها إثر بدائل لا تفضي إلى نتيجة تحقق التوازن في حياة المرأة. ومع ذلك فقد رسمت تلك الكتابة بوادر تفكّك ذلك العالم، وصرّحت بضرورة خلخلة القيم التقليدية الداعمة له.

*أين المرأة من كل ذلك؟

– عالج السرد النسوي موضوع هوية المرأة في عالم يتحول ببطء فيكون عدائيا لا يريد الإقرار بذلك، فبانت ملامح التوتّر في علاقة المرأة بنفسها وبعالمها، فأصبحت تعيش منفصلة نفسيا وذهنيا عن عالمها، إذ لم تجد في الرجال كفاءة إنسانية تقدّر المشاعر الغزيرة التي تتدفق منها، فتعثر عليهم، في بعض الأحيان، في المجتمع الغربي، الذي تلوذ به من عالم تعذّر عليه قبول أنوثتها وحريتها، فقد جرى تخريب الأعماق الداخلية للرجال في المجتمع الشرقي، وأصبحوا عاجزين عن تقدير قيمة الأنوثة بذاتها، وذهبت بعض النصوص إلى تحقيق ذلك من خلال إحداث قطيعة كلية مع الحاضنة الاجتماعية، وتخطّي أسوار المعتقد الديني، إذ تريد المرأة شريكا مختلفا. وطرح السرد النسوي قضية العلاقات المختلطة بين شخصيات تنتمي إلى ثقافات وعقائد مختلفة لسبب خاص بعدم الاعتراف بهويتها الأنثوية، فتلجأ المرأة إلى الآخر هربا من ثقافة أو عقيدة حالت دون رغباتها، فقد استبدت الثقافة الأبوية بأحوال الناس، وقسّمتهم إلى قسمين: ذكور قتلة، وإناث ضحايا. فقسوة المفاضلة الجنسية في الثقافة الشرقية لم توفّر للمرأة شروط الحياة السوية.

* هل كان السرد النسوي مرآة لذات المرأة وهويتها الأنثوية؟

يمكن اعتبار السيرة النشوئية للمرأة هي المحور الذي دارت حوله كثير من الأعمال السردية النسوية، إذ تكتسب الأحدث أو تفقد قيمتها بمقدار صلتها بالمرأة، وليس لأنها مهمة في العالم، وشخصية المرأة هي المانح أو الحاجب للأدوار الأخرى التي لا تظهر إلا من أجل استكمال جزء في شخصية المرأة أو انتزاعه. ويمكن تفسير ظاهرة الفردانية في السرد النسوي على أسس لها صلة بالثقافة الأبوية التي مسخت شخصية المرأة، فحاولت بالسرد أن تنتصف لحالة الاختزال والمحو، لكنه انتصاف أخذ أحيانا طابعا هوسيا في احتفائه بالذات الأنثوية. وحضرت البنية النرجسية في الكتابة النسوية، ووظيفتها حمل أيدلوجيا أنثوية طفت فوق الأحداث للتعبير عن موقف جاهز تجاه المجتمع، لكنها أعاقت حركة السرد، وأضرّت بالمسار الذي اختطه الشخصيات لنفسها، فكانت تحيل إلى الكاتبات، وليس إلى الشخصيات الروائية. ومن المعلوم بأن الثقافة الأبوية خلقت كائنات شوهاء تتمرّغ في النرجسية، ذلك أن التمركز حول الذات مرحلة تتصل بحالة ما قبل نضوج الهوية، فيتوهم المرء بأنه محور العالم، ولا قيمة للأشياء إلا بمقدار علاقتها به، وهذا يفسر اهتمام السرد النسوي بموقع المرأة، فالرؤية السردية تصدر عن المرأة في تجاربها المريرة مع الرجال، وترتد إليها بعد ذلك في حركة لولبية، فيأتي الإشباع الجنسي أو حتى الإغواء الجسدي معادلا موضوعيا لهشاشة وجودية لم تأخذ نصيبها من الاهتمام والرعاية الاجتماعية. وإذا كان أغلب الروايات النسوية بدأ بمتابعة المرأة منذ طفولتها المبكرة، مرورا بشبابها، ثم نضجها، فالملفت هو أن الروايات تنتهي والنساء في ذروة حيويتهن، فكأن السرد النسوي لا يريد الاعتراف بشيخوخة المرأة، فتتوقف عند لحظة لم تزل فيها المرأة مركز جذب للرجال.

*هل تقصد بذلك سحر الأنوثة؟

– نعم، فقد وجدت فكرة الشباب الخالد للمرأة صدى كبيرا لها في السرد النسوي، واعتبر ذلك امتيازا أنثويا ثابتا، وصفة مطلقة حازتها المرأة دون الرجل، فالكاتبات لا يحتملن فكرة شيخوخة النساء في روايتهن، ويمتلئ العالم المتخيل بصور ثابتة للأنثى، وتتوارى أفعالها، في نوع واضح من الاستعراض. وعلى الرغم من الغياب الملحوظ للرجال عن ذلك العالم فقد ظهرت أدوارهم الفاعلة فيه، واقترنت فكرة الفاعلية والمفعولية بفكرة الذكورة والأنوثة، إذ اتصف الحضور الكثيف للمرأة في السرد  بالمفعولية، فيما تميز غياب الرجل عنه بالفاعلية، فلم يؤثر الغياب في موقع الفاعل لا في السرد ولا في الثقافة الحاضنة له. ومن الظواهر التكرارية في السرد النسوي التركيز على العنف باعتباره أحد ركائز الثقافة الأبوية، منها القهر الجسدي المفرط للأنثى، أو الفعل الجنسي الذي لا يوفر متعة إنما يكاد يكون اغتصابا. وقد تسلل العنف إلى السرد من فكرة التنميط الجنسي القائمة على التمايز الثقافي بين الذكور والإناث، بما في ذلك توهّم الفوارق العقلية، والحسية، والعاطفية، وكأن الذكورة في تعارض مطلق مع الأنوثة.

*وهل امتثل السرد النسوي للثنائية الضدية بين الذكورة والأنوثة؟

-نعم جرى تمثيل هذا التعارض باعتباره طباعا ثابتة لا يجوز تغييرها، فاتصفت المرأة بالرقة، والليونة، واللطف، والحساسية المفرطة، وتميز الرجل بالقوة، والعنف، والصرامة، والعقلانية، فعرضت هذه الفوارق على شاشة سردية مرتبطة بالثقافة الأبوية. ظهرت المرأة سلبية لأنها راغبة في إشباع حاجاتها الجسدية، مما هدّد التماسك الاجتماعي، أما الرجل فكرّس همّه، وقوته، وعقله، للحفاظ على ذلك التماسك الذي هو مركزه. بدت الأنوثة إغراء بتخريب حال قائمة، فيما ظهرت الذكورة مانعة لكل انهيار. وما دام هذا التعارض ناظما للعلاقات السردية بين الشخصيات، فقد أبيحت ممارسة العنف من وجهة نظر الرجال، لكنه خرّب معنى الأنوثة من وجهة نظر النساء. وأرجع السرد النسوي ممارسة العنف إلى النمطية الثقافية الجاهزة في التفريق بين البشر على أساس النوع، فقد أصبح نوع الأنثى موضوعا للعنف، والإعلاء من شأن قضية النوع أخمل الاهتمام بقضايا كثيرة أخرى لها صلة مباشرة بالنساء. فلم يقع الاهتمام بالفروق الطبقية، والعرقية، والدينية، وهو اهتمام داخل الفئة التي تنتمي إليها المرأة، وليس الفئة الراغبة فيها. وفضح السرد النسوي هشاشة المؤسسة الزوجية، واختزال المرأة فيها إلى كائن ثانوي وليس شريكا، فقد نهض قوام المؤسسة الزوجية على فكرة الجنس الوظيفي حيث يكون الإنجاب من مسؤولية المرأة، والاستمتاع من نصيب الرجل، وتتعارض هذه الأدوار مع فكرة الشراكة في المتعة، إذ يصعب على الثقافة الأبوية قبول الدور المزدوج للمرأة: الإنجاب والاستمتاع، فلابد، من امرأتين واحدة للإنجاب تحافظ على ديمومة السلالة، وأخرى للاستمتاع الجسدي غير المشروط بمسؤوليات أسرية، ولهذا ينتمي الرجل إلى المؤسسة الزوجية، لكنه يجد متعته خارج إطارها، وانتقل مفعول هذه العدوى إلى المرأة حيث وجدت شحّا عاطفيا من طرف الزوج، فراحت تبحث عن شريك في المتعة بعد أن حولتها المؤسسة الزوجية إلى مصدر لإنتاج للنسل، ولم توفر لها الاستمتاع بحياتها. وعلى خلفية هذه الظروف نشأت العلاقات الموازية في الآداب السردية، وفي المرجعيات التي تقوم بتمثيلها.

* هل تخطّى السرد النسوي العلاقات الزوجية؟

– رسم السرد النسوي صورة قاتمة للعلاقات الزوجية، فليس ثمة تفاعل بين الرجل والمرأة في بيت الزوجية الذي تحوّل إلى معتقل للاثنين يتواجدون فيه مجبرين دون أن يتشاركوا في أي شيء، فالزوجات يتماثلن في أنهن مررن بأزمة كاملة في حياتهن داخل بيوت تصطفق فيها أبواب الكراهية والحقد بين الزوجين إلى درجة تمنّي الموت

* فهل اقترح السرد حلا لهذه المشكلة الاجتماعية؟

– ليس من مسؤولية السرد وضع حلّ للمشكلات، لكنه يقوم بتمثيلها في سياقاته، وفي أكثر من رواية عند هيفاء بيطار، وعفاف البطاينة، وباهية الطرابلسي، وبتول الخضيري، وعلوية صبح، أقامت النساء علاقات جنسية مع رجال آخرين، وأحيانا جرى ذلك بمعرفة أزواجهن الذي كانوا يغضون الطرف عن ذلك. ثم أن شعور المرأة بالانتقاص دفع بها إلى الغرب، فظهر الغربي في أفق انتظار المرأة العربية مخلّصا، أو باعثا على فكرة الاستقلال، وفي بعض الأحيان سعت الشرقية إلى تلك العلاقة لمعرفة تجربة جسدية مغايرة. ويبدو الفضاء الغربي مغايرا للفضاء الشرقي، ولهذا تنجذب المرأة لرجال في فضاء مغاير ترتسم فيه صورة المرأة شريكة للرجل وليس محظيّة. ويلاحظ أنه في الفضاء الغربي لجأت بعض النساء إلى تعدد في علاقات الرجال في وقت واحد، أو الارتباط برجل، وهي مرتبطة بأخر. وتباينت النتائج المترتبة على كل ذلك، فبعض النساء عبرن الحواجز الثقافية، واكتسبن هوية جديدة، واسما جديدا، وبعضهن بقين عالقات في المنطقة المحايدة بين الثقافات، وأخريات اخفقن في تطلعاتهنّ، وقفلن راجعات إلى نقطة الصفر.

* وأين الخصوصيات الأنثوية في السرد النسوي؟

-عني السرد النسوي بحال بلوغ الأنثى، وبالعذرية، واختلفت المواقف تجاه هذه القضية. صحيح أن لحظة البلوغ تؤهل المرأة للانخراط الكامل في حالة الأنوثة، فالبلوغ هو الحد الفاصل بين هشاشة الطفولة، وإغراء النضوج، فإثر البلوغ تصبح المرأة أنثى قادرة على تلبية حاجات الرجل، ويتبع ذلك تغيير حاسم في نظرة الرجل إليها، ونظرتها إلى نفسها، فجأة تجد المرأة نفسها وقد أصبحت محطّ إعجاب الرجل وانجذابه. وغالبا ما تقترن هذه القضية باكتشاف العذرية، وتقدير أهميتها. وتعدّ البكارة، بالنسبة للرجال، علامة نقاء ينبغي الحفاظ عليها، لدى الأقارب، وعلامة حصانة ينبغي افتراعها عند غيرهم. ولكن من المهم معرفة إحساس المرأة تجاه مفهوم العذرية، فبوجودها يستحيل وجود بلوغ أنثوي متصل بالمتعة، وقد ظهر أن بعض النساء كنّ يتعجّلن التخلّص من هذا الغشاء المانع، وبعضهن وجدنه هبة لا تمنح إلا لمن يوقّع على امتلاك جسده صاحبته. وفي جميع الأحوال اعتبر فقدان العذرية درجة من التحرر من عبء الخوف، والانكفاء على النفس، ثم الانتقال إلى مرحلة الانخراط في متع العلاقة مع الرجل.

  • كأن السرد النسوي يعيد تشكل هوية الأنثى في الثقافة العربية الحديثة؟

– هذا صحيح، فلو جُمعت الخلاصات حول رؤية الأنثى وعلاقتها بالعالم السردي الذي أقامته الرواية النسوية العربية، لظهر أن هوية الأنثى قيد التشكّل، فقد تمضي المرأة أحيانا في ممارسة دور إصلاحي متوهمة أنها سوف تتمكن من تغيير بنية المجتمع التقليدي بأداة خارجية، ولكنها غالبا تخوض تجارب كثيرة فتواجه بعزوف الرجل عن تقدير ما تقوم به، فقوة النسق الثقافي في مجتمعها التقليدي جعلها تعيد تكرار تجارب أسلافها من النساء. وبين هذين الاختيارين تندرج الاختيارات الأخرى بين رفض معلن أو مضمر، ومنها رغبة بعض النساء في اختراق حواجز الأديان والطوائف.

* في الغالب هناك مرجعيات ثقافية وتاريخية وفكرية يستند عليها السرد، ما هي تلك المرجعيات التي وجدتها في السرد النسوي؟

-المرجعية القابعة خلف التمثيلات السردية النسوية هي حال المرأة العربية، ومشكلاتها الاجتماعية والجسدية.

*إلى أي حد ساهم السرد النسوي العربي في تغيير صورة المرأة بعالمنا العربي؟

-لم يسهم إلى الآن، مازال السرد النسوي في خطواته الأولى، ولم يذهب إلى كشف الهوية الحقيقية للمرأة إنما شغل بالمظاهر الخارجية، وقدم تمثيلا سرديا مختزلا عنها، ويحتاج تغيير الصورة السردية إلى تغيير في أوضاع المرأة نفسها، وهو أمر بدا يتحقق بالتدريج.

*هل يمكن القول أن هناك سردا نسويا عربيا له أصوله وقواعده ومحدداته وأهدافه؟

-ليس بعد.

*أعرف أنك تكره إطلاق الأحكام على الأسماء، ولكني كصحافي أبحث عن ذلك، من هي الروائية العربية التي تقرأ لها ؟

-قرأتُ وأقرأ لغادة السمّان، وعلوية صبح، وهيفاء بيطار، ورجاء عالم، وأحلام مستغانمي، ولطفية الدليمي، وإلهام نصور، وحنان الشيخ، ورضوى عاشور، وغيرهن. وفي العموم فإن السرد النسوي أكثر حيوية وإثارة من السرد الرتيب الذي يكتبه الرجال، ولكن تنقصه المهارات والخبرات الكتابية.

بطاقة

الدكتور عبدالله إبراهيم

ناقد وأستاذ جامعي من العراق متخصص في الدراسات الثقافية والسردية، له 15 كتابا وأكثر من 40 بحثا في كبريات المجلات العربية. شارك في عشرات المؤتمرات والندوات والملتقيات النقدية والفكرية.عمل أستاذا للدراسات الأدبية في الجامعات العراقية، والليبية، والقطرية، وهو باحث مشارك في الموسوعة العالمية (Cambridge History of Arabic Literature).

من مؤلفاته

1.المركزية الغربية، بيروت،المركز الثقافي العربي، 1997 وط2 ،2003

2.المركزية الإسلامية، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2001

3.عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين، المجمع الثقافي، أبو ظبي،2001، وط2المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007

4.الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة، بيروت ، المركز الثقافي العربي، 1999، وط2 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004

5.التلقي والسياقات الثقافية، بيروت، دار الكتاب الجديد،2000وط2 دار اليمامة،الرياض،2001 ، وط3 منشورات الاختلاف، الجزائر،2005

6.السردية العربية، بيروت، المركز الثقافي العربي،1992، وط2 ، 2000

7. السردية العربية الحديثة، بيروت، المركز الثقافي العربي،2003

8.المتخيّل السردي، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990

9.معرفة الآخر، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990،ط 2، 1996

10.التفكيك: الأصول والمقولات، الدار البيضاء،1990

11.تحليل النصوص الأدبية، بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة ‏،1999

12. النثر العربي القديم، الدوحة، المجلس الوطني للثقافة، 2002

13. المطابقة والاختلاف، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات، 2005

14. الرواية العربية: الأبنية السردية والدلالية، كتاب الرياض، 2007

15. موسوعة السرد العربي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات، 2005، ط2، 2008