أجرت المقابلة ﭙيلو ﭙرزبيلا
ترجمة: د. هناء خليف غني/ جامعة المستنصرية -بغداد
تحاولُ الفيلسوفةُ الحرفيةُ والنسويةُ ادا جارسما تقديم رؤيتها عن ما اسمته أخلاقيات ’النوم مع الفلاسفة‘ الذي يُمثل شكلًا فنيًا يتأمل في تناقضات الألفة والحميمية المنسوجة. تحاول جارسما عبر توظيفها البارع لملامح وجه الفيلسوف الذي تختاره أو نصوصه تطوير مشاعر متضاربة تجمع ما بين الحب والكره، والتعلق الشديد والنفور. تقول جارسما إن هذه هي طبيعة القراءة الفاحصة والعميقة لـ ’العواطف والحساسيات‘- وربما كل أنواع الألفة والحميمية. وإذا كانت التناقضات تقع في قلب هذه الحميمية، فإن ’النوم مع الفلاسفة‘ يغدو، مجازيًا وعمليًا، وسيلة للتعامل مع الأنسجة والأصباغ والألوان النابضة بالحياة المصاحبة للنوم قريبًا من الفلاسفة الذين نفكر بهم ونُحبهم.
وبشكلٍ أكثر تحديدًا، يؤلف ’النوم مع الفلاسفة‘ مشروعًا قيد التنفيذ في فن الأشغال النسيجية الراقية الذي تُعد سلسلة جارسما المُسماة ’لوحات الوسادة‘ أهم جوانبه وأكثرها لفتًا للانتباه. تشتمل هذه اللوحات على مجموعة من الوسائد مُبطنة بمحبةٍ ومُطرزةٍ بمهارةٍ مُخصصة لأصدقائها وأقاربها. نرى في هذه اللوحات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو مُحاطًا في الجانب الأيمن بالقطط، والشيخ مُجيب الرحمن، مؤسس بنغلاديش، مصحوبًا بالنمور والقطط، وسيمون دي بوفوار مُعدةً من صور الأزهار والترتر، والملكة اليزابيث الأولى التي تبدو مثل الحوريات في لوحات عصر النهضة، وتيودور ادورنو بنقوش زاهية الألوان، إذ يظهر معه حيوان الماعز بألوان النيون، ومؤخرًا توسعت استاذة الفلسفة في عملها ليشمل أشكال أخرى غير الوسائد من مثل حائط كُتبت عليها بضعة أبيات من قصيدة ’شم الرياح‘ للشاعرة الأفرو-أمريكية اودري لورد منها \”الحسابُ ممنوع/عدا حساب المسافة المُذهل\” إلى جوار صورةٍ لاخطبوط.
في هذه المقابلة، تحدثت مع جارسما عن حرفة الفلسفة، وفلسفة صناعة الوسائد، وفن النوم مع الفلاسفة الذي استبد بقلبها وأذعنت له.
ﭙرزبيلا: بوصفك فيلسوفة نسوية، ما الذي دفعك إلى صناعة لوحات وسائد الفلاسفة؟
جارسما: نقضي وقتًا طويلًا مع المفكرين الذين نفني العمر في قراءتهم والعمل معهم. أننا نروضهم حتى وهم يحكموننا بوصفنا شخصيات مُحبة للخير أو متسلطة للغاية. وينبغي على كل واحدٍ منا أن يتفاوض على هذه المشاعر الحميمية ويُفكر فيها مليًا. هل سيُحدد المفكرون الذين اخترناهم أطرنا الخاصة ويُحكمون قبضتهم عليها بحيث يتعذر علينا تحديد مديونيتنا لفكرهم؟ أم هل سيؤدون أدوارًا أكثر تأرجحًا وتنوعًا في أعمالنا؟ ثمة شيء ما بشأن رؤية وجه على وسادة، شيء يستدعي هذه الاسئلة بالنسبة لي. يُمكننا أن نحتضن الوسائد أو نُسند ظهورنا إليها. ويُمكننا فرض إطارنا ورؤيتنا على مفكرٍ ما، مؤكدين حيازتنا بعض القدرة على التحكم التي قد نتخلى عنها في حالات أُخر (فوكو مُحاطًا بالقطط، مثلًا، أو مشروعي الحالي عن دريدا مرسومًا بخطوطٍ مختلفة الأحجام). يُمكننا أيضًا أن نُطلق العنان لبعضٍ من أمنياتنا الحزينة. سمعتُ ذات مرةٍ جوديث بتلر (2013) تصف شخصية حنا ارندت كما قدمتها المخرجة الالمانية مارغريث ﭭون تروتا، أنها لعوب-متخالفة. وبدلًا من هذا الوصف، عبرت بتلر عن رغبةٍ اشاطرها فيها برؤية ارندت أخرى أكثر تشبُهًا بالصبيان. وعلى وفق ذلك، شرعت في العمل في وسادة ’حنا ارندت الأنيقة‘ لفيلسوفةٍ صديقةٍ. هل نحن بصدد تغريب الفلسفة حينما نعترف بالنشوة الدافقة التي نشعر بها نحو مفكرٍ ما؟ أو عبودية الشوق من طرفٍ واحدٍ أو التململ من الفراق الممض؟ أمل ذلك.
ﭙرزبيلا: ما أنواع المشاعر الحميمة التي يقدمها لك عملكِ في رسم وجوه الفلاسفة على خامات الوسائد؟ هل يساعد هذا العمل التفصيلي والمُستنزف للوقت في تغيير علاقاتك مع هؤلاء الفلاسفة بما فيهم ميشيل فوكو، واودري لورد، وشيخ مُجيب الرحمن، وسيمون دي بوفوار وتيودور اودورنو؟ كيف تصفين علاقتك بهؤلاء الفلاسفة-هل هي علاقة جنسية، لاجنسية، ايروسية، هل هي علاقة متعددة الأطراف؟
جارسما: دعينا نُعدل هذا السؤال قليلًا. يُدهشني أن المُنظرين يتوسلون أنواعًا مختلفةً من العلاقات مع القراء. يطلب بعضهم نُسخًا صارمةً من العلاقات الأحادية، وبعضهم يسمح لنفسه بالتوسع أيروسيًا في هذه العلاقات. ويحاول القراء، بدورهم، تلبية احتياجاتهم الخاصة في علاقات مثل هذه. وهكذا، من النفور والهجر إلى الإخلاص في العلاقة، ننغمس في نطاقٍ من الممارسات الإيروسية في كيفية قراءتنا للنصوص واهتمامنا بالمفكرين. إن الاساتذة الأكاديميين المُفضلين لدي هم الذين يُسرفون في تعاطفهم مع المفكرين والفلاسفة الذين يدرسونهم وهم الذين يؤدي وقوعهم في غرام هؤلاء إلى الإبقاء على جذوة الحب والافتتان مشتعلةً في قلوبهم.
يتجه حقل الفلسفة إلى سؤال القراء كي يكونوا ممارسين أحاديي العلاقة بصرف النظر عن التوجه الأيروسي للمفكر الذي وقع عليه اختيارهم: من المُفكر الذي اخترت دراسته؟ ما ’الاسم‘ الذي تقرأ له؟ هذه هي أنواع الاسئلة الهويَاتية التي تُقدم في العادة في سياق الفلسفة (ويتعذر التفكير في فرع آخر متمسك بالعلاقات الأحادية بهذا النحو مثل الفلسفة). ولكن ومثلما كتبت أستاذة الدراسات القانونية النقدية في أوج ازدهار نظرية أحرار الجنس: ’العلاقة السوية هي على الأرجح احتجاجٌ ضد الحالة الطبيعية-إنها رشوة يُقدمها الفرد للتعامل مع عدم قدرته على التكيَف مع إملاءات المجتمع المتخالفة أكثر من كونها هويَة تطبيعية- والأمر ذاته يصدق على العلاقات الأحادية الأكاديمية. ولذا، أود استخلاص أيروسيات الفلسفة غير الأحادية عن طريق تطريز هذه الوسائد لأصدقائي. أما ما يتصل بعلاقتي بالفلاسفة الذين أنسج وجوههم، فيمكنني القول: ثمة شيءٌ فريدٌ وخاصٌ حول رسم لوحةٍ لشخص عزيز عليك وتقديمها لشخصٍ آخر. إنها علاقة ثلاثية: أنا والفيلسوف الذي ارسمه والصديق الذي سأهديه اللوحة. وأود القول إن رسم اللوحات عمومًا هو ممارسة مُبهجة متعددة الأوجه. وبالطبع، هناك جانب ايروسي في فعل الهبة أو الإهداء إضافة إلى المتعة في ترقيع قطع القماش معًا وتقطيبها بالغرز.
ﭙرزبيلا: ما الذي تُقدمه لك لوحات الوسائد هذه بوصفك مُفكرة نسوية؟ وما دورها في تطوير مقاربتك النظرية وأسلوب تدريسك في الصف الفلسفي؟ ما العلاقة، من وجهة نظرك، فيما بينك كفيلسوفة وفنانة حرفية؟ كيف أثرت صناعتك لهذه الوسائد في عملك الفلسفي؟
جارسما: ثمة صلة مؤكدة بين الحرفة اليدوية والتدريس، هذا ما تقوله ضمنًا اسئلتك. في هذا السياق، ثمة نصيحة قدمتها إلى المعلمين المنظرة الثقافية الكندية أيرن ماننغ التي تأملت كثيرًا في إمكانية تأسيس بيداغوجيا راديكالية. وهذه النصيحة هي: \”لا تركز كثيرًا على الخيط الرابط. لا تقلق كثيرًا بشأن رسم خط. أجعل من عملية التعليم عملية نسجٍ مبهجة\”(2015). وقد أصبحت أسيرةً لسلسلة الاستعارات التي ضمنتها ماننغ في حديثها. فبدلًا من دعوة الطلبة إلى الالتزام بالنظام، مثلما تذكر ماننغ (وهي هنا تستمد أفكارها من كتاب فرد موتن وستيفان هارفي المذهل ’The Undercommons‘، دعونا نصغي ونهتم بالصلات والأحاسيس التي تسبق- وبالطبع تتجاوز- حدود الصفوف الدراسية. وإذا كان التعلم نسجًا، إذن، يتمتع التعليم، وفقًا لماننغ، بقدرة حقيقية على خلق قيمته الخاصة. في ضوء هذه الرؤية، هناك نوعٌ من المهارة والبراعة والفن في التدريس مع أن هذه المهارة تدينُ بالفضل إلى المواجهات الهشة والناشئة التي تجعل التعلم والتعليم مُمكنين: إنه غزل الخيوط ولفها ونسجها وحشوها. ونفترض نحن المدرسين أن الصفوف الدراسية مبنية على أنماط محددةٍ وجامدةٍ، إذ ننظر إلى المقاعد ومناضد القراءة، مثلًا، بوصفها عناصر تصميم تُساعد الطلبة والمدرسين على أداء الأدوار المُناطة بهم. نعمل على تطبيق النظام في الصف الدراسي عندما نفرض أساليب مُحددة مُسبقًا لشغل هذا الحيز المكاني معًا. وعند مقاومتنا نحن المدرسين وكذلك الطلبة لمحاولة فرض هذه الأنماط الجامدة المُحددة، علينا- كمستخدمين متمردين مثلما يُعبر عنه المنظرون في حقل الإعاقة-تجريب الإمكانات الإبداعية للفضاءات الصفية. عندها، تغدو الصفوف مواقع حيوية تتمتع بقدرات هائلة ومبتكرة على إنتاج قيم جديدة. رغبتي عميقة وأملي كبير في المراهنة على تجارب مثل هذه. في هذه الأزمان الكارثية العصيبة، ثمة حاجة مُلحة للسؤال: هل يُمكن للصفوف أن تتحول إلى أماكن تتفجر فيها فعلًا الطاقات والأفكار الجديدة؟ وأريد أن أقول: ’نعم، يُمكن‘، مع أن هذا الجواب التوكيدي يحول بؤرة الاهتمام من السلطة التعليمية المتمثلة بالمعلم إلى الاختلاف الخلاق عند جميع المعنيين بالعملية التعليمية. وآمل أن لوحات الوسائد تُعبر عن مقاربة مُختلفة للفلسفة. لا شك في اقتناعي بوجود أخلاقيات متمردة على فعل توكيد الحميمية ذاته بين القراء والمفكرين. وربما هناك نوع من الاستخفاف أو عدم التوقير في هذه المواجهة غيرالتمثلية مع صورةٍ ايقونيةٍ لمفكرٍ مشهورٍ.
ﭙرزبيلا: عند متابعة أعمالك الفلسفية والحرفية، تعتريني الدهشة لمقدار الكرم في عملك: الكرم مع الفلاسفة الذين تشتبكين معهم في أعمالك الأكاديمية والوسائدية، وكرمك مع المفكرين والطلبة الشباب، ومع الأصدقاء الذين تُهدينهم هذه الأعمال الفنية. هل يُمكنك الحديث عن رؤيتك لهذا الكرم وعن جوانبه الإشكالية في أعمالك؟
جارسيما: هذا سؤال جميل. من الضروري والجوهري، في رأيي، احترام اللاتماثل بين المدرس والطالب أو بين الواهب والمُستلم. وهناك ممارسة تقتضي الالتزام بهذا الاحترام الذي يُمكن أن يكون مشحونًا في سياق العلاقات الأكاديمية: ينبغي العناية بهذا الأمر ودراسته بين الحين والآخر. أفكر في ذلك كثيرًا لأن التدريس قد يتضمن استثمارات حقيقية في الآخرين. ومن الأهمية بمكان عدم وجود غاية أو مجموعة من التوقعات المُحددة للمشاعر التي تُديم استثمارًا مثل هذا. يُمكن، مثلًا، ’سؤال‘ الطلاب تقديم المساعدة، بأساليب تطفلية أو مُرهقة لهم، مع الاحتفاظ بالخيوط التي تتحكم بحركاتهم. وبالطبع، يُمكن للمرء، بسهولةٍ ويسرٍ، أن ينأى بنفسه عن الطلبة (يبدو هذا الفعل عند مراجعته، توجهًا شائعًا للغاية. يميلُ المدرسون في الغالب، بحسب تجربتي، إلى الاحتفاظ بأوراق اللعب لأنفسهم، وهذه مقاربة من شأنها ترسيخ الأعراف الأكاديمية بوصفها مُحيرة واقصائية للغاية. والكرم، في سياقات مثل هذه يُمثل فعلًا راديكاليًا. في مقابل هذين المثالين، يُمكن للمعلم أن يعرض على طلبته مقترحات عملية من دون أن يطلب منهم تقديم شيء معين في المقابل. ربما يعمد المدرسون، مثلًا، إلى الكشف عن أوراقهم أمام الطلاب ويدعوهم إلى استكشاف بنود اللعبة الأكاديمية بأنفسهم. إنه أحد أشكال المشاركة العاطفية الخالية من الغاية (2015، 44) بحسب بكلمات الكاتبة الأمريكية ماغي نيلسن. فمثلما نصنع وسادة ونهديها لصديقٍ، نهديها من دون أي توقعات متبادلة، يُمكننا، بالطريقة ذاتها، أن نجد الأساليب المناسبة للاستثمار في الطلبة أو الأقران بطرائق غير محدودة وبعيدة عن مبدأ المنفعة المتبادلة.
ﭙرزبيلا: كتبتِ: \”أننا نُحب المفكرين الذين نقرأ لهم، لكن ربما نتوق إلى ترويضهم (أو التقرب منهم واسترضائهم). بأية طريقة تعتقدين أن فعل ’النوم بجوار الفلاسفة‘ أو ’التقرب إليهم واسترضائهم‘ من شأنه أن يُغير الطريقة التي نقرأهم بها أو نقرأ الفلسفة؟ ما المقصود بـ ’ترويض‘ فيلسوف؟ هل هناك بعض الفلاسفة الذين يستحقون قدرًا أكبر من الترويض والاسترضاء من غيرهم؟
ﭙرزبيلا: نعم! الصلات التي تربطنا بالمفكرين ليست حيادية أبدًا. لطالما شعرت بأهمية تكليف الطلبة بقراءة النصوص، مثلًا. إن المواجهات التكوينية مع المنظرين تُسبغ أهمية سياسية ووجودية على مسار الفرد الشخصي. ولذا، وعندما اسأل الأصدقاء: ’أي من الوجوه تود أن تحصل عليها‘؟ أنا أضعهم في موضعٍ يُمكنهم فيه الكشف عن أحكامهم بشأن من هو الفيلسوف الجدير بحبهم وتعاطفهم. تقول استاذة الفلسفة كريستي دوتسن (2012) إنه إذا كنا صادقين بشأن عملنا الأكاديمي، إذن، سوف نعترف بولائنا وانتمائنا لمفكرين بعينهم وبرغبتنا بالانتماء أو المشاركة في تجمعات معجبين(fandoms) مُحددة. وهذا اقتراح عظيم لفهم الطبيعة الغريبة والاقصائية للفلسفة. يحكم المعنيون بالفلسفة على الآخرين في ضوء معاييرهم ورؤاهم، ليشكلوا بذلك تجمعات معجبين متحيزة تمامًا. وكما أوضحت دوتسن، يُديم هذا الفرع هيمنته البيضاء عبر منح بعض هذه التجمعات الحق في وصف تجمعات أخرى بغير الفلسفية. وفي حال شُجعنا جميعًا على الالتزام بالصراحة في مناقشة وجهات نظرنا المفاهيمية، فإن أرضية الحوارات المعرفية ستنتقل إلى مساحات أكثر تقبلًا ورحابةً. (أتخيل فلسفة أكثر شبهًا بفرع الأنثروبولوجي، مثلًا، أكثر صراحةً بشأن ارتباطاتها العاطفية وبالتالي أكثر تأقلمًا مع طموحاتها الكولونيالية).
ﭙرزبيلا: ذكرت، متأثرةً بماغي نيلسن، أننا نغدو مفتونين حد الهوس بفلاسفة ومفكرين نقديين مُحددين عبر إبداء الالتزام والتفاني الشبيه بتفاني المعجبين في علاقتنا بهم. ما الدور الذي يؤديه الافتتان في نسجك لهذه اللوحات الوسائدية؟
جارسيما: الا يُمثل الحب أحد أكثر أنواع الروابط تحفيزًا وتشويقًا. يُمكن تقديم الكثير من الأشياء وإنتاجها بفضل دافع الحب (مثل تقديم أشياء مبتكرة جديدة، أو خطط دراسية جذابة ومُثيرة، أو عروض تقديمية مشحونة بالحماس والقدرة على الاقناع). ومع ذلك، وكما بيَنت نيلسن في كتابها \”الارغوناوتيون\”، ثمة مخاطرة في أعمال مثل هذه، إذ أن مشاعرنا الجياشة قد تكتسح قدرتنا على العناية بالمفاهيم أو المشكلات التي يُحتمل أنها قد أشعلت جذوة افتتاننا ابتداءً. قد نمدح أو نُشيد بالمفكرين الذين نحبهم، ولكننا قد نبالغ، في اثناء قيامنا بذلك، بتبسيط الأمور بكيل المديح المجاني (2015، 45، 62).
وأريد أن أحول هذه التبصرات، التي استقيتها من نيلسن، إلى علامات تدل على الفلاسفة في لوحات الوسائد. في سبييل المثال، شرعت في التخطيط لرسم عالم النفس سيغموند فرويد لأحد الأصدقاء العاملين في التحليل النفسي الذي اتعاون معه في مشروعٍ كبيرٍ عن البلاسيبو أو العلاج الوهمي. اتخيل فرويد كشخصية هائلة مرحة تحمل شعار ’بلاسيبو‘. وفرويد هو أحد المفكرين الذين يُرجح تحديهم لمحاولاتنا ترويضهم عاطفيًا. ولذا، قد يوفر عملنا هذا نوعًا من الرضا المتدفق عبر المبالغة في تبسيط صورته ومشروعة التحليلنفسي بهذه الطريقة. تخيل لو كان ذلك حلًا للتوترات المزعجة المتواصلة في داخل التحليل النفسي! أه، إنها تعود جميعًا إلى العلاج الوهمي! (وبالطبع، ستبرزُ اسئلةٌ جديدة: أي نوع من أنواع العلاجات الوهمية؟ وما تأثيره؟ وهل يُمثل فرويد نفسه بلاسيبو أو علاجًا وهميًا. هل نلتمس تأثيرات البلاسيبو عبر ارتباطاتنا العاطفية العقلية؟
ﭙرزبيلا: هناك جانب آخر لفت انتباهي هو كيفية تمييزك هذه الوسائد بوصفها لوحات. كيف تُحددين أن هذا الفيلسوف أو ذاك يستحق تكريس وقتك له في لوحة؟ما الذي يعنيه لك تصوير وجه الفيلسوف في اللوحة؟ ما الذي تشعرين به عندما تجدين نفسك وجهًا لوجه مع الفيلسوف الذي نسجت وجهه على الوسادة؟ عملك الأحدث عن الشاعرة والناشطة اودري لورد ليس وسادةً ولا وجهًا، كيف توصلت إلى هذا التحول التمثلي؟ وزيادة على ذلك، تُسجل القطط حضورًا لافتًا في لوحتك المعنونة ’ميشيل فوكو والقطط‘. ما الذي دفعك إلى رسم وجه فوكو ويده والخلفية التي تكتظ بصور القطط؟
جارسيما: تعلمت الكثير من الشاعرة والكاتبة المسرحية كلوديا رانكاين عن مخاطر التمثل: من الشخص الذي نُمثله في أعمالنا؟ ومن يتولى تقديمه؟ وما الشكل الذي سيتخذه هذا التمثل؟ بالتعاون مع الكاتبة الأمريكية بث لوفريدا، شرحت رانكاين (2015) أن تأكيد البعض على الحق في تمثيل وجهات نظر الآخرين وتجاربهم لا يعني سوى أن تأكيدات مثل هذه هي إحدى العلامات المألوفة على بياض البياض. وإذا كانت هذه هي الرغبة التي تستبدُ بنا، علينا، بحسب نصيحة رانكاين ولوفريدا، مساءلة هذه الرغبة التواقة في الاستثمار التام لحياة الآخرين بدلًا من الانغماس فيها. ولأن نظام التفوق الأبيض يعتمد على مكانة البياض الضمنية، فإن محاولة الأفراد البيض الاعتراف ثم مناهضة توجهات مثل هذه تُعد فعلًا نقديًا حاسمًا في ذاته. لسنا أحرارًا، مثل البيض، في تمثيل الآخرين من دون أن نحمل عبء النقد الذاتي الدقيق. ولذا، اعتقد بوجود فرقٍ حقيقي بين الإشادة بفوكو (المُحاط بالقطط الصغيرة، واللوحة تقديرٌ لصديقةٍ فوكوية تُحب القطط ربما أكثر من حبها لفوكو) والإشادة باودري لورد وتقديرها. هناك أنماط تُحدد أسلوب تقديم المفكرين من أصول عرقية أخرى في سياق البياض. تقول الناشطة السياسية انجيلا ديـﭭز أن هناك توجهًا منذ سنوات طويلة بين الأكاديميين (البيض) لتمثيلها على وفق ’أفريقيتها‘. هذه التورية بين ديـﭭز ومظهرها الخارجي كان فعلًا مُذلًا ومُهينًا. كان مُذلًا \”لأنه يختزل سياسات التحرير إلى سياسات الأزياء\”؛ و مُهينًا لأنه يكشف عن \”هشاشة الصورة التاريخية وقابليتها للتغير\”(1994، 37). وعليه، وعندما طلبَ صديقٌ عزيزٌ حساسٌ لتاريخ التمثل لوحة-قصيدة غنائية احتفاءً باودري لورد، قررنا معًا أن هذه اللوحة لن تكون تمثلية بنحوٍ مباشرٍ وصريحٍ. ناقشنا الكثير من الأفكار الإبداعية بشأن تعليق لوحة جدارية في المكتبة أو غرفة المعيشة. ستكون معلقة فوق الوسائد بدلًا من وضعها بينها، واللوحة تصور أخطبوطًا مؤلفًا من عددٍ من الفيلة: إنها لوحة عابرة للأنواع الحياتية. اختارت صديقتي مقتطفًا من إحدى قصائدها المفضلة عن المُحيط للشاعرة اودري لورد، وهي قصيدة \”شم الرياح\”، وعلقتها عاليًا على الحائط كي يشعر الرائي أنها جزء من البناء الايكولوجي للمحيط.
ﭙرزبيلا: تميز العقد الأخير بانتعاش الأعمال الفنية النسوية؛ كيف تنظرين إلى أعمالك ضمن هذا الانتعاش؟ ما رأيك بالفنانات الحرفيات النسويات والعاملات في الفنون النسيجية وكذلك بأعمال النسويات الناشطات في هذا المجال؟.
جارسيما: هذه الأعمال تجعل العالم فضاءً أكثر حيويةً ومُلهمًا للحب، عندما تجرب الفنانات النسويات مع الخطوط المتداخلة غير المستقرة بين الحِرف والفن وبين التصميم والوظيفة. وفنانات الأنسجة هن مصدر إلهام خاص لي لأنهن يعبرن عن القوى المحولة المذهلة أو المرعبة للمواد. كان إدراك كثافة حضورالمضمون الفني في الأنشطة الرسمية التي قد تبدو عادية للغاية ورتيبة من ضمن التحولات المُشجعة في حياتي الخاصة. وإذا كان يُمكن للتدريس أن يكون عملًا فنيًا، إذًا، كل الإمكانيات متاحة لغمر فضاءاتنا وعلاقاتنا بالحماسة الايروسية (إذا لم تكن الغائية).
References
Butler, Judith. 2013. Question & Answer period, “Judith Butler’s Parting Ways” panel, American Academy of
Religion, Baltimore, MD.
Davis, Angela Y. 1994. “Afro Images: Politics, Fashion and Nostalgia,” Critical Inquiry 21(1): 37-45.
Dotson, Kristie. 2012. How is this paper philosophy? Comparative Philosophy 3(1): 3-29.
Halley, Janet E. 1993. “The Construction of Heterosexuality,” Fear of a Queer Planet: Queer Politics and Social
Theory. Ed. Michael Warner. Minneapolis: University of Minnesota Press, 82-104.
Harney, Stefano & Fred Moten. 2013. The Undercommons: Fugitive Planning & Black Study. Wivenhoe/New
York/Port Watson: Minor Compositions.
Manning, Erin. 2015. “10 Propositions for a Radical Pedagogy, or How to Recreate Value,” Inflexions No.
8, Radical Pedagogies.
Nelson, Maggie. 2015. The Argonauts. Minneapolis: Graywolf Press.
Rankine, Claudia & Beth Loffreda. 2015. “Introduction,” The Racial Imaginary: Writers on Race in the Life of
the Mind. Albany: Fence Books.