المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

حوار مع ماريو فارغاس يوسا:

أجرى الحوار: جيل اونكتيه وفرانسوا ارمانيه، ترجمة: نذير حماني

عادت، أخيرا، أمريكا اللاتينية إلى واجهة النقاشات الأدبية مع تتويج الروائي البيروفي الأصل، الإسباني الجنسية، ماريو بارغاس يوسا، بجائزة نوبل للآداب 2010. ماريو فارغاس يوسا روائي بنفس سياسي· مبدع ومناضل في أن معا· حققت رواياته نجاحا وانتشار عالميين، وتمت ترجمتها إلى أكثر من ثلاثين لغة· نذكر منها \’\’المدينة والكلاب\’\’ و\’\’البيت الأخضر\’\’ و\’\’الجنة ابعد قليلا\’\’·
دافع الروائي نفسه طويلا عن قناعاته اليسارية· ولكنه تخلى، لاحقا، عن جزء منها· خاض معارك فكرية وترشح لرئاسة جمهورية البيرو، وفشل في بلوغ المنصب، في الدور الثاني أمام الرئيس البيرتو فوجيموري (1990)، لكنه نال، بفضل الادب، سمعة أهم من سمعة كثير من رؤساء أمريكا اللاتينية· يعود ماريو فارغاس يوسا، عبر هذا الحوار، الذي أجراه مع صحيفة \’\’نوفال اوبسرفاتور\’\’ الفرنسية، أسبوعا واحدا قبل التتويج بنوبل، وبمناسبة افتتاح معرض يتضمن صورة و يحكي بعضا من سيرته بباريس، إلى بعض المحطات من حياته الشخصية و يميط اللثام عن جوانب من مواقفه الفكرية والسياسية·

تحتضن باريس معرضا يسرد سيرتك· باريس التي طالما تمنيت العيش فيها صغيرا، ما هي الذكريات التي تبقى عالقة في ذهنك من زيارتك الأولى إليها سنة 1959 وأنت ما تزال في سنّ الثالثة والعشرين؟

اشتغلت، في البداية، أستاذ لغة اسبانية في مدرسة بارليتز (باريس) ثم انتقت إلى الصحافة وعملت في وكالة الأنباء الفرنسية، ثم الإذاعة والتلفزيون الفرنسيين· أقرّ بفضل الجنرال ديغول في الحصول على هذه الوظيفة في فترة كنت موعودا فيها بالأدب· سمحت سياسية ديغول من اجل استعادة مكانة فرنسا، في الخارج، في توسيع أمواج بث الإذاعة الموجهة لإسبانيا، وتأسيس إذاعة موجّهة لأمريكا اللاتينية· كانت إذاعة فرنسا الدولية، آنذاك، بحاجة إلى صحافيين يتكلمون اللغة الاسبانية· وكنت واحدة منهم· كنت اشتغل من الساعة العاشرة ليلا إلى الرابعة صباحا· وأكرس بقية النهار للمطالعة والكتابة· نلت نصيبا من الحظ· كانت باريس مدينة جد متفتحة· لا نشعر فيها بالغربة· كانت مرحلة جد مهمة أيضا· عايشنا خلالها حرب الجزائر، بداية الجمهورية الخامسة· كانت الحياة الثقافية جد منتعشة· كانت تتزاحم أعمال وتجارب بيكت، يونيسكو، فيلار، يارو، بوليز، موجة الرواية الجديدة، ناتالي ساروت، كلود سيمون··· وموجة السينما الجديدة مع غودار· كما أن الحياة السياسية كانت تعيش أوجها· أتذكر نقاشات تلك الحقبةئ- التي بقيت عالقة في ذهني بين ميشال دوبري، الذي كان يشغل منصب الوزير الأول وبيار مونديز فرانس· كنت مغرما بالأدب الفرنسي· بدأت القراءة باللغة الفرنسية· مع قراءة جيل فارن، الكسندر دوما، فيكتور هيغو· كان تأثير فرنسا على آداب أمريكا اللاتينية جد جلي· لما دخلت جامعة سان ماركوس، في العاصمة البيروفية ليما، كانت الجدلية الدائرة بين كامو وسارتر محل اهتمام الجميع· حاولت متابعاتها، من ليما، من خلال مطالعة مجلة \’\’أزمنة معاصرة\’\’· استطاعت، بفضل عملي في \’\’إذاعة أمريكا\’\’، بليما، توفير مال بغية الاشتراك في مجلة \’\’أزمنة معاصرة\’\’ وكذا مجلة \’\’آداب جديدة\’\’ لموريس نادو· لم أكن الوحيد المهتم بهذه المجلات· كل أبناء أمريكا اللاتينية، الذين حلموا أن يصيروا أدباء، فنانين تشكيليين أو موسيقيين، كانوا يريدون عيش تجربة باريس· في باريس اكتشفت أني أصيل أمريكا اللاتينية· قبلها لم أكن اشعر سوى بكوني بيروفيا· لا أشعر بالانتماء إلى العائلة الكبيرة· اكتشفت، بباريس أيضا، أدب أمريكا اللاتينية· وتعرفت هنالك إلى كتّاب، على غرار كورتازار، كارلوس فوانتيس، اوكتافيو باث وميغال انخيل استورياس· أتذكر أن موريس أندو كرّس عددا خاصا من \’\’الآداب الجديدة\’\’ لأدبنا مع تقديم من توقيع باث بعنوان \’\’باريس، عاصمة أدب أمريكا اللاتينية\’\’· كان من الضروري، خلال تلك الحقبة، نيل إقرار باريس· لما وصل بورخيس إلى باريس، سنة ,1963 لم يكن مقروءا سوى من طرف فئة قليلة في أمريكا اللاتينية· لم ينال حظوة الكاتب الكبير سوى بعدما تبنته باريس· قبلها كان كاتبا مغمورا·

تأثرت، في البداية، بأعمال وأفكار سارتر، ثم انحزت إلى كامو، هل تعتقد أن الالتزام يمثل واجبا من واجبات الكاتب؟

كانت أفكار سارتر، في حينها، بالنسبة لكتاب العالم الثالث، جد مغرية· كانت الكلمات أفعالا· وانطلاق من تلك الفرضية كنا ننظر إلى إمكانية تغيير التاريخ ومواجهة الظلم· تبنيت أفكار كامو بعدما اطلعت على شهادات معارضي الاتحاد السوفيتي ومعارضين من المعسكر الشرقي· فكرته المحورية التي ترفض الفصل بين السياسة والأخلاق، وإلا فسننقاد إلى العنف والبربرية فكرة جد شجاعة· أن تطرح فرضية عدم تناسي الأخلاق، في فترة كانت تسيطر فيها النظرة الماركسية على الواقعية الثورية يعتبر طرح جريئا·

تعتقد دائما أن الأدب نوع من أنواع الثورة···

يعتبر الأدب، حتى وإن كان الكاتب غير واع بذلك أحيانا، شكلا من أشكال التمرّد· ليس بالضرورة تمردا سياسيا· بل تمردا ضد الحياة وضد التاريخ· لو شرعنا في ابتكار عوالم معنى ذلك أن عالم اليوم لا يكفينا· هنالك نوع من الروح الثورية في العمل الإبداعي· فهو يمنحنا رغبة وتلهفا لأشياء نفتقدها في عالم الحقيقة· لما ننتهي من المطالعة أو من تجربة كتاب كبير فإننا نستشعر هشاشة ورداء العالم الذي نعيش فيه· تتضمن الرواية انتقادا للعالم وللمجتمع، وذلك دورها وإلا لماذا تفرض جميع الأنظمة الديكتاتورية في العالم الرقابة على الأدب؟ لأنهم يخشون الأدب، وهم محقون في ذلك· لو أنني لم اطلع عن الكتب لظلت نظرتي للعالم جد ضيقة·

لما ترشحت إلى الانتخابات الرئاسية في البيرو سنة 1990 صرحت قائلا: \’\’وظيفة الكاتب لا تتناسب مع عمل السياسي\’\’، فرضية متناقضة، هل ما تزال تصنف الأدب أعلى من السياسة؟

وظيفتي هي الأدب، لم أفكر يوما أن أصير سياسيا محترفا، أبدا· دفعت ظروف غير منتظرة إلى الترشح إلى الانتخابات الرئاسية· تعاملت مع السياسة بحكمة مدركا أنها ستحتم عني التضحية بجزء من شغفي بالأدب· ترشحت خلال فترة عسيرة عرفت كثير من ممارسات العنف الأرياف ووقوع كثيرا من الضحايا والأموات· بعد الهزيمة أمام الرئيس فوجيموري استعدت حريتي وعاودت الانخراط فيما أحب: الكتابة والكتابة·

هل تواصل التزامك السياسي عبر العمل الصحافي؟

الكاتب يحمل مسؤولية مواطن· من واجبه المشاركة· الحل الذي نعتبره أخلاقيا الأصلح: ليس أن ننعت السياسة بأنها قذرة، ثم انعزل خلف كتبي· كلا! هذا خيار غير صائب وغير جاد· لهذا السبب أمارس الصحافة التي تساعدني على التواصل مع الراهن· أضع الأدب فوق كل شيء· ولكن ليس الأدب أن ينعزل الكاتب في قلعته العاجية، منقطعا عن العالم· لم أكن لأكتب نصف رواياتي لولا تجربة الصحافة مقالاتي والريبورتاج التي أجريتها·ئلا يجب أن نكون سذج ونعتقد أن الكاتب يمتلك رؤية ويحمل عصا موسى·ئكلا! الكاتب يخطى ويرتكب هفوات· ولكنه أيضا قادر على تقديم شيء ما· مثلما يهدم السياسيون اللغة من شأن الكاتب إنقاذها واستعادة رونقها·

تغنيت، في فترة من حياتك، بالليبرالية الاقتصادية···

لا بد من توضيح هذه العبارة، لو أنني ليبرالي فلأنني أؤمن بالحرية السياسية وليس الدوغماتية الاقتصادية· تمثل الليبرالية توجها لينا وتشكل نوعا من التسامح -الإقرار بإمكانية الخطأ في القضايا التي ندافع عنها- فكرة التعايش في الحرية· وهو مبدأ قاعدي في العمل الديمقراطي· ودفاع ضد العنف· كل دوغماتية تشكل مصدر عنف، خصوصا في قارة مثل أمريكا اللاتينية أين العنف – السياسي والإيديولوجي يشهد اتساعا· مع ذلك لا بد أن نقر أن الوضع بدا، خلال السنوات الماضية، في التحسن· عدا حكومات بعض الدول، مثل كوبا أو بشكل جد تراجيدي في فنزويلا شافيز ونيكاراغو، فالبقية تعرف بروز حكومات يسارية و يمنية تراهن على ورقة الديمقراطية· نجد في الشيلي حكومة يمينية تنتهج الخيار الديمقراطي· يسير الأورغواي واحد من مناضلي حركة \’\’تيبيمارو\’\’ يدافع عن القيم الديمقراطية· هذا تطور ايجابي· لأن اليسار واليمين لم يكونوا أصلا ديمقراطيين· يؤمن اليمين بالعسكر و اليسار بالثورة· أكبر مشاكل أمريكا اللاتينية، اليوم، هي الرشوة المستشرية· والعنف المتمادي المرتبط ببارونات المخدرات في أمريكا الوسطى، كولومبيا والبيرو··· المخدرات في كل مكان· وتمثل سلطة اقتصادية تزاحم وجود الدولة· يدر العمل في مجال المخدرات أموالا جد طائلة· حيث استطاعت بارونات المخدرات تحقيق ثروة حقيقية· بإمكانهم التنقل حيثما شاءوا وتحويل صناعتهم· فشلت جميع سبل الحد من نشاطهم وانتشارهم· باعتقادي أننا سنصل يوما إلى اتفاق الدول المنتجة و الدول المستهلكة للمخدرات بغية إدانتها· ندفع سنويا مبالغ كبيرة من اجل الحد منها· لو أن هذه المبالغ تصب في خدمة الصحة و العلاج لكان أفضل·

كانت تربطك علاقات جيدة مع كبار كتّاب أمريكا اللاتينية، ووقعت، مؤخرا، توطئة كتاب \’\’انطولوجيا أدب أمريكا اللاتينية الحديث\’\’، ما هي الفوارق بين جيلك وجيل اليوم؟

كانت العلامة المشتركة بين أفراد جيلي تتمثل في \’\’الواقعية السحرية\’\’، مخيال جد بعيد عن الواقع· يحاول الجيل الجديد العودة إلى الواقعية المكتنزة بالاشتغال على الشكل· النظرة الواقعية التي يحملونها اليوم تختلف عن النظرة التي كانت متصلة بالسياسة و المجتمع التي ميزت أدب أمريكا اللاتينية في السّابق· سبق أن كتبت عن غابريال غارسيا ماركيز، وعن اونتيه· كما يعجبني أيضا بورخس الذي يعتبر واحد من اهم الكتاب المتأصلين· أثار هذا الجيل ثورة في عالم السرد باللغة الاسبانية· غير طريقة الكتابة· عايشنا تلك الحقبة بكثير من الحماسة· امتلكنا حينها أن أمريكا اللاتينية في طريقها إلى التغير بالنظر إلى التغير الذي مسّ الأدب· كنا نفكر بشكل ساذج· اعتقدنا أن الأدب سيغير معالم الحياة السياسية· اعتقدنا أننا سننال إقرار العالم من وجهة نظر أدبية· في السابق لم يكن أدب أمريكا اللاتينية موجودا فعلا· كان ينظر إليه وفق رؤية ايكزوتيكية·

ستصدر، شهر نوفمير، روايتك الجديدة الموسومة \’\’حلم السالتي\’\’ التي تكرسها للناشط والدبلوماسي الايرلندي روجيه كازمون···

اكتشفت هذا الدبلوماسي من قراءة سيرة كونراد· أول شخص تعرف إليه كونراد، لما توجه إلى الكونغو، كان روجيه كازمون· عاش كازمون في الكونغو برازافيل ثمانية سنوات· يعرفها جيدا· صار الرجلان صديقا وعاش معا مدة من الزمن· ساعد روجيه كازمون، الذي اعلن سرية موقفه الاستقلالي، صديقه كونراد في معاينة البربرية التي مارستها

إدارة الملك البلجيكي ليوبارد· كان يشتغل روجيه كازمون ديبلوماسيا وكان، في فترة من الفترات، يؤمن بدور الاستعمار الحضاري· لكنه غير من قناعاته بعدما عاين الواقع في الكونغو· وصار مناضلا ضد الكولونيالية· اشتهر انطلاقا من موقفه إزاء الكونغو، ليس فقط في إنجلترا بل في أوربا إجمالا· تم بعدها إرساله إلى الأمازون ثم إلى البيرو أين عاش فترة قصيرة في ظروف صعبة· ويعتبر واحدا من أوائل الأوربيين الذين أعلنوا مواقفا مناهضة للاستعمار وضد الامبريالية· وفي النهاية لقي مصرعه من طرف البريطانيين في 6191. كان رجلا تقدميا وشجاعا ومدافعا عن ثقافات المجتمعات الصغيرة· نعم روجيه كازمون شخصية روائية بامتياز·

ما هي الكتب الثلاثة التي ستحملها معك لو تنعزل يوما؟

الكوميديا الإنسانية\’\’ و\’\’الحرب والسلم\’\’ و\’\’دونكيشوت\’\’ كي لا أنسى لغتي الأم· وكذا \’\’عليس\’\’ لجميس جويس لأنها رواية لا نتعب منها·