محادثة مع ميشيل فوكو
( حَاَدَثُه باتريك لوريو ” نوفال ابسارفاتور” فيفري 1970)
ترجمة : عبد الوهاب البراهمي
محادثة مع فوكو أستاذ الفلسفة بجامعة فانسان في مجلة” نوفال أبسارفاتور” من قبل” باتريك لوريو” ( فيفري 1970) بمناسبة قرار وزير التربية (أوليفييه قيشار) بعدم منح شهادة الإجازة لطلبة الفلسفة بالجامعة المذكورة وتبريره ذلك( على امواج راديو لوكسنبورغ) بخصوصية درس الفلسفة وإغراقه في ” التخصّص، ولإقناع المستمعين قرأ عليهم عناوين بعض الدروس المخصصة لماركس وللسياسة. وقد أثارت هذه التصريحات ضجّة حينما كان فوكو رئيس قسم الفلسفة بالجامعة المذكورة.
– ميشيل فوكو : لنمرّ سريعا إلى عناصر النقاش. علينا الاعتراض : كيف يمكن أن نقدّم تعليما متطورا ومتنوّعا حينما يكون لنا 950 طالبا لثمانية مدرسين ؟ كما علينا الاعتراض أيضا: يوجد في فانسانVincennes طلبة درسوا بعدُ 6 أشهر وآخرون 18 أشهر ؛ ونقول لهم في الأثناء : ما قمتم به هو من قبيل التطريز . ويجب أن نعترض أيضا : هل يريدون مزيدا من مئات المثقفين العاطلين عن العمل في عصر تنذر فيه الإحصائيات بالخطر؟ ويمكنني أن أضيف في النهاية: ليقولوا لنا بوضوح ما هي الفلسفة وباسم ماذا ، – بأيّ نص وبأي معيار أو بأي حقيقة- نلفظ ما نفعل . لكن يجب أن نتجّه إلى المهمّ ، والمهمّ فيما يقوله وزير ، ليست المبررات التي يقدمها، بل القرار الذي يريد أن يتخّذه. وهو واضح : الطلبة الذين درسوا ب الفلسفة في فانسان ليس لهم الحقّ في التدريس في الثانوي. أطرح بدوري أسئلة: لماذا هذا الحاجز الوقائي؟ ما الذي يوجد في الفلسفة ( درس الفلسفة) من ثمين وجدّ هشّ ، حتّى يكون من الضروريّ حماتها بعناية؟ وفيم يمثّل أهل فانسان من خطر؟
مجلة ” نوفال أبسرفاتور“: ما الذي تآخذونه على تدريس الفلسفة و بشكل مخصوص على قسم الفلسفة؟
– ميشل فوكو: أتخيّل Borges بورجص أحد الصينيين وهو يستشهد ، مازحا مع قرّاءه، ببرنامج قسم الفلسفة في فرنسا:” العادة، الزمن ، المشكلات الخاصة بالبيولوجيا، الحقيقة و أللآلات، الطبائع والحياة ، الروح ، الإله – جميعها في خط واحد -، الميل والرغبة ، الفلسفة ضرورتها والهدف منها. ” لكن علينا نحن أن نمتنع عن الضحك من هذا: فقد وضع هذا البرنامج أناس أذكياء ومتعلّمون . كتّاب دون نقيصة ، أعادوا بعناية كتابته بمصطلحات قديمة أحيانا وأخرى أزيل عنها الغبار، مشهدا مألوفا لدينا ونحن مسئولون عنه. لكنّهم احتفظوا خاصّة بالأساسيّ : أيْ وظيفة قسم الفلسفة . وتبدو لي هذه الوظيفة في منزلة قسم الفلسفة. منزلة متميّزة باعتبارها القسم النهائي ، ” تتويجا”، كما يقال ، للتعليم الثانوي. منزلة مهدّدة، لا نفتأ منذ مائة عام عن الاعتراض على وجودها، فنقترح دوما حذفها.
حدث في بداية القرن نقاش علينا أن نعيد قراءته . فقد كان أحد الخصوم الألداء لقسم الفلسفة يعترض عليه بحجّة انه يسمح بتخرّج عصابات من ” الفوضويين”؛ وكان موريس بيجوM. Pujo بعدُ، أحد مؤسسي ” العمل الفرنسي”l’action française ” . إنّ قسم الفلسفة مملكة ضعيفة ، تاجها معرّض ومهيأ دوما للسقوط. هذه مائة سنة أو أكثر وقسم الفلسفة يحافظ على وجوده في هذه الوضعية الخطرة.
إنّ الفلسفة هي هنا في نهاية التعليم الثانوي من أجل أن تحقّق لمن استفادوا منها ، الوعي بأنّ لهم الحقّ من هنا فصاعدا في رؤية مجموع الأشياء . نقول لهم :” لا ، أنا لا أعلمك شيئا : ليست الفلسفة علما إنما هي تفكير ، طريقة في التفكير ، تسمح بوضع كل شيء موضع السؤال ومجابهته. لقد آمنتم طيلة خمس أو ستّ سنين بجمال “إيفيجينيا” وبانقسام الخلايا الجنسية و” الإقلاع الاقتصادي économique take off ” لأنقلترا البورجوازية . كل هذه المعرفة ها أنتم أمام حقّ فحصها من جديد – لا في دقتها ، بل في حدودها ، وفي أسسها وأصولها. وما ستحصلونه من معرفة ، حينما تصبحون أطباء ومديري تسويق أو كيميائيين، فلابدّ أن تخضعوه لنفس المَحْكمة . أنتم تتجهون إلى أن تكونوا مواطنين أحرار في جمهورية المعرفة ؛ لكم أن تمارسوا حقوقكم. ولكن بشرط: أن تستخدموا فكركم وفكركم فقط. أن تفكّروا أي أن يكون لكم حسّ سليم مؤيّد قليلا، وحكم نزيه يستمع إلى المع والضدّ، وفي النهاية حريّة. لأجل ذلك ، يواصل الأستاذ، قائلا ، وبغضّ النظر عن حرفية برنامج لا يلزمنا تماما ، سأحاول أن أعلّمكم الحكم بحريّة . الحرية والحكم- ذاك ما سيكون شكل خطابنا ؛ وهو إذن ما سيكون عليه بالطبع محتواه : فزميلي في القسم المحاذي ، وهو الستيني ، سيؤكّد على الحكم بالرجوع إلى آلان. بينما أريد أن أتكلّم عن الحرية خاصّة – وعن سارتر لأنّني أربعيني . لكن لا أنتم ولا رفاقكم خارجا سيخسرون في المشاركة . فسارتر و آلان ، هما قسم الفلسفة وقد أصبح فكرا.”
ليس هذا الخطاب عقيما. غير أنّ آخر يردّ عليه بأن. ” أساتذة الفلسفة ثرثارون، غير مفيدين دائما ، وأحيانا خطرين . يتحدّثون عمّا لا يعنيهم ؛ ويدّعون الحق في نقد كلّ شيء – المعرفة التي لا يملكونها والمجتمع الذي يرعاهم. لقد حان الوقت للتلاميذ أن لا يضيعوا وقتهم . فلنحذف كلّ هذه النفايات”.
لا يجب أن نقلّل من شان هذا التهديد: إنّه يوجد. ولكنه لم يكف عن الوجود. إنّه في فرنسا، جزء من شروط وجود قسم الفلسفة. إنّه الشرطيّ الضروري للمكيدة: فبفضله لا ينزل الستار. إن اللعبة ، على ما يبدو لي ، هي التالية : لتلاميذ الابتدائي نظام الامتحان الحر فحسب. وقسم الفلسفة هو العدّة اللائكية للوثرية luthéranisme ، والمضادّ للموقف المضادّ للإصلاح : إرساء قرار نانت. إن البورجوازية الفرنسية مثل البورجوازيات الأخرى في حاجة لهذا الشكل من للحريّة . فبعد أن قاربت على بلوغه في القرن 16 م ، فازت به في القرن 18 ومَأْسَسَته في تعليمها القرن 19. فقسم الفلسفة هو اللوثرية في بلد كاثوليكي وضدّ القساوسة. أما البلدان الأنجلوسكسونية فهي غنى عنها وتحتاجها.
–المجلة: في فرنسا أيضا، نحن في غنى عن ذلك، يوجد نسبيا قليل من الشباب الفرنسي الذين يلتحقون بقسم الفلسفة.
– ميشيل فوكو: معك حقّ : هو بالنسبة إلى البورجوازية لوثرية لتوظيف داخلي. لقد كانت مضطرّة في القرن 19 على إجازة الاقتراع العمومي .بيد أنّه ، وخلافا للبروتنستانية ، لا يمكن للوعي الكاثوليكي في الآن نفسه إسناد البورجوازية ( التي أرست سلطتها على الرغم من الكنيسة) وضمان مراقبة هذه الحريّة.كان لابدّ إذن من الالتجاء إلى التعليم. ينتعش الثانوي في التعليم العمومي في الفلسفة ، فيضمن تكوين نخبة عليها تعويض الاقتراع العمومي ، بتوجيه استعماله و تحديد سوء استخدامه. يتعلق الأمر بإنشاء ، في مكان وموضع لوثرية مفترضة ، وعي سياسي- أخلاقي. حرس قومي للضمائر.
– المجلة : كل ذلك صحيح ربما بالنسبة إلى النصف الأول من القرن . ولكن الآن؟
-م. فوكو : صحيح الأمور بصدد التغّيّر. فالتمديد في التمدرس واقع، وفي النهاية يمكن أن نخوّل للجميع تعلم الفلسفة. ولكن نسعى في نفس الوقت إلى إيجاد وسيلة لمنع دخول الجميع إلى الجامعات. إنّ قسم الفلسفة مهدّد بأن يصبح غير مفيد( إذا ما صار مفتوحا للجميع) وخطرا ( إذا ما منح الحقّ للنظر في كلّ معرفة). فإلغاءه قائم بحقّ كمشروع.
– المجلةّ: بعد الذي قلتموه، سوف لن تأسفوا كثيرا لإلغاءه.
– ميشيل فوكو : بلى.، بلى ، في معنى ما وربّما في معاني عدّة . مواقف متعدّدة. كما ترون الوضعية معقّدة . يوجد من يقول :” علينا حذف قسم الفلسفة؛ فقد أحدثت بعدُ أضرارا كبيرة وعلينا توقّع الأسوأ حينما يصل طلبة الجيل الجديد ( طلبة فانسان بالخصوص) إلى المعاهد ، فلنبدأ باستبعاد طلبة فانسان ، وشيئا فشيئا ، من إلغاء إلى آخر ، سننقّي الثانوي والعالي ” .
و آخرون يقولون :” لابد من إنقاذ قسم الفلسفة بأي ثمن. فيمكن لسكان فانسان بغرائبهم أن يعيقوه : إذا كنا على يقين بأنّ هؤلاء ” الفلاسفة ” غريبي الأطوار لن يكون لهم مكان في المعاهد، فسنكون أشدّ قوّة في الدفاع عن قسم الفلسفة في تقليده الشرعيّ“.
يبدو لي أن الحفاظ على قسم الفلسفة في صورته القديمة هو وقوع في الفخ. إذ أن هذا الشكل كان مرتبطا بوظيفة هي ، مرّة أخرى ، بصدد الاختفاء. وسيأتي يوم نسمع فيه قولا من قبيل :” لماذا لازلنا نحتفظ بتعليم عفا عليه الزمن وفارغ جدّا، في عصر أصبحت فيه كلّ معرفة معاد تنظيمها؟ ماذا يعني عندئذ هذا التفكير النقدي الكوني؟ لقد حان الوقت لتخلّص منه “.
– المجلة : لكن، ألا تآخذون بكونكم لا تفعلون شيئا آخر في فانسان غير الفلسفة ؟
– ميشيل فوكو : لست متأكدا، تعرفون أنه توجد الفلسفة. وما يوجد هم ” فلاسفة” ، أي صنف من البشر أنشطتهم وخطاباتهم تغيّرت كثيرا من مرحلة إلى أخرى. وما يميّزهم مثل جيرانهم الشعراء والمجانين هو أن التقاسم هو الذي يعزلهم وليست وحدة الجنس أو استمرارية المرض.
فهم لم يصيروا فلاسفة إلاّ منذ وقت وقصير، ربّما هي مرحلة ، وربّما لن نظلّ طويلا. وعلى أيّ حال فإنّ اندماج الفيلسوف في الجامعة لم يحدث بنفس الطريقة في فرنسا و في ألمانيا. ففي ألمانيا كان الفيلسوف مرتبطا ، منذ عصر فيخته وهيجل بمؤسّسة الدولة: من هنا كان معنى هذه المهمّة العميقة ، ومن هنا ، هذه ” الجدية لـ” موظّفي التاريخ” fonctionnaires de l’histoire، ومن هنا ، هذا الدور الذي لعبوه من هيجل إلى نيتشه ، للناطق باسم ، للمحاور أو المشتكي للدولة invectiveur de l’état.
أما في فرنسا، فقد كان أستاذ الفلسفة مرتبطا بأكثر احتشاما ( بصورة مباشرة في المعاهد، وبصورة غير مباشرة في الكليات) بالتعليم العمومي ، بالوعي الاجتماعي بشكل محسوب بدقّة من ” حرية التفكير” ، ولنقل ، حتى نكون صرحاء: بالمؤسسة التقدمية للاقتراع المباشر. من هنا، كان هذا الأسلوب للمدير، أو الرقيب، ومن هنا دور المدافع عن الحريات الفردية وتقييد الأفكار، الذين يفضلون لعبه؛ ومن هنا كان ميلهم إلى الصحافة ، وانشغالهم بالتعريف بأفكارهم وحرصهم الشديد على الإجابة في المحادثات.
– المجلة : ليس هذا بعدُ بالأمر السيئ، فالتصريحات العمومية ” للفلاسفة” قدّمت بعض الخدمات”.
– م. فوكو : على أيّ حال، نفهم أنّه، مع الدور الذي أرادوه ، فإنّه يجب أن يكون ما يدرسونه فلسفة للوعي ، و الحكم والحرية. ويجب أن تكون فلسفة تحافظ على حقوق الذات أمام كلّ معرفةـ وتفوّق كل ّ وعي فردي على كلّ سياسة. بيد انّه، وتحت تأثير التطوّرات الأخيرة، ظهرت مشكلات جديدة: ليست بالمرّة ما هي حدود المعرفة ( أو أسسها)، بل من هم العارفون؟ كيف يحدث تملك المعرفة وتوزيعها؟ كيف تحتلّ معرفة ما موقعها في المجتمع، وتتطوّر داخله، وتحشد مصادرها وتكون في خدمة اقتصاد؟ كيف تتكوّن المعرفة في مجتمع وكيف تتحوّل داخله؟ من هنا كانت سلسلتان من الأسئلة : بعضها نظري حول العلاقات بين المعرفة والسياسة، وبعضها الآخر ، أكثر نقدية، حول ما هي الجامعة ( الكليات والمعاهد)من حيث فضاء في الظاهر محايد حيث يفترض توزيع معرفة موضوعية بإنصاف .وإذا ما كانت هذه الأسئلة قد طرحت في قسم الفلسفة ، فمن الواضح أن وظيفتها التقليدية لابد أن تتغيّر جذريّا. لقد تصنع السيد قيشار الدفاع عن الفلسفة ضدّ اندساس طلبة لم يكونوا قد كوّنوا للتعليم، وفي الواقع فهو يحمي شغل قسم الفلسفة القديم ضدّ طريقة في طرح الأسئلة تجعلها مستحيلة.
– المجلّة: كيف بلغت الأمور إلى هذا الحدّ؟ ألم تتلقوا وعودا حينما أنشأت جامعة فانسان؟
– م. فوكو: كان لنا في البداية كامل الحرية. وبالطبع، كان بإمكاننا أن ننحرف بهذه الحرية. وكان بإمكاننا اللجوء إلى هذا الشكل الصغير من النفاق التي قد تتمثّل في تحوير الأشكال البيداغوجية للتعليم ( تكوين مجموعات دراسة، منح ضرب من حريّة التدخّل للطلبة) دون تغيير شيء من المحتوى؛ وكان بإمكاننا الاستمرار في تدريس أفلوطين أو هاملان، ولكن في أشكال قد تعجب ” المصلحين”. يوجد أيضا نفاق آخر ممكن: تحوير المحتوى ، إدماج مؤلفين في البرنامج مثل نيتشه وفرويد وماركس ، الخ ،. ولكن مع الاحتفاظ بالشكل التقليدي للتعليم ( مقالات وامتحانات ومراقبات مختلفة). لقد رفضنا هذا وذاك من وجوه التأقلم؛ لقد حاولنا القيام بتجربة حريّة، لا أقول شاملة، بل كاملة بقدر المستطاع في جامعة مثل جامعة فانسان.
وقد اتفق أنّ الطلبة في العام الماضي، كانوا قادمين من قسم الفلسفة؛ ويعرفون تحديدا ما رغبوا فيه وما هم في حاجة إليه في القسم. لقد كانوا بالنسبة إلينا أفضل مرشد لتعريف شكل ومحتوى التعليم الذي لنا تقديمه. وبالاتفاق معهم كنّا قد حدّدنا مجالين كبيرين للتعليم: أحدهما مخصّص أساسا لتحليل سياسي للمجتمع والآخر مخصّص لتحليل الواقع العلمي وتحليل بعض الميادين العلمية. لقد بدا لنا جميعا طلبة وأساتذة أن هذين المنطقتين، السياسة والعلم، الأكثر فعالية والأكثر ثراء.
لقد حاز هذا في تلك الفترة موافقة لا المجلس العام لقسم الفلسفة في الجامعة فحسب، بل إدارة الجامعة بل وحتّى إدارة الوزارة . وفي هذا المستوى، إذا ما قيل لنا اليوم:” ما تدرّسونه ليس مطابقا لما نفهمه من الفلسفة وما يجب أن يكون عليه برنامج فلسفة”، فقد قدّرنا أنّنا وقعنا في الفخّ الذي نصبوه لنا ، وأنّه على كلّ حال قد تركونا نتقدّم في طريق يقولون لنا اليوم بأنّه مسدود”.
– المجلة: كيف تتوقعون تطوّر الأحداث؟
– م. فوكو : نحن عازمون على المقاومة بأقصى جهدنا من أجل اعتبار إجازة فانسان كإجازة تعليم، وإذن، من أجل الحصول على ضمان عدم طرد طلبة فانسان من التعليم الثانوي.
–المجلّة : هل بإمكاننا الاعتراض على أن التعليم في فانسان مختلف جدّا عن الكليات الأخرى؟
– م. فوكو: لقد كان هذا الاختلاف موجودا دائما. وقد قيل لنا:” برنامجكم لا يطابق برنامج التعليم الثانوي”. أجيب بهذا : في السابق ، وجدت برامج إجازات بقدر ما وجدت جامعات. و، في كلّ جامعة، كان برنامج الفلسفة محدّدا ، أساسا ، باهتمام الأساتذة أو باختصاصهم، أو تطلعاتهم، وفي أغلب الأحيان كسلهم. ثمّ إنّه قد وجد برنامج ثان، برنامج التبريز. فقد كان جدّ مختلفا عن برنامج الإجازة. ولكن لم يكن هذا ولا ذاك مطابقين لبرنامج ثالث، برنامج الباكالوريا. و، خلف كل هذا ، توجد حاجات ، ورغبات و تطلعات تلاميذ المعاهد. فبين طلبة التعليم العالي وتلاميذ المعاهد ، يوجد ثلاثة شاشات مكوّنة من ثلاثة برامج مختلفة.
– المجلة: إذا ما قيّمت إجازة فانسان ،فهل سيكون بإمكان هؤلاء الطلبة أن يتقدّموا إلى التبريز بسهولة أكثر من الآخرين؟
– م. فوكو : قطعا. من حسن الحظّ ، وقع تصحيح برنامج التبريز ، طيلة السنوات الأخيرة، من طرف رئيس لجنة علينا أن نعترف له بالفضل ( يتعلق الأمر بجورج جانغيلام). مع أنّ أغلبية الناس الذين يدرّسون في فرنسا هم تلامذة لهذا الرئيس. إنّ الخصومة التي يفتشون عنها خصومة سيئة. والآن ، حان دوري لأطرح سؤالا. هل تعرفون لمن هذه الجملة:” برفضها كلّ تجديد، بلغت جامعة باريس ذروة السخف والخسّة”؟
– المجلة: إدغار فور.
– م. فوكو : لا ، رينان.
**************
محادثة مع ميشيل فوكو
( حَاَدَثُه باتريك لوريو ” نوفال ابسارفاتور” فيفري 1970)
ترجمة: عبد الوهاب البراهمي