خلال الأزمة السياسية الفرنسية التي اندلعت بين فرنسا وبريطانيا في الثمانينات من القرن الماضي، قرّر مثقفو البلدين الاجتماع مرتين في ألمانيا ثم إسبانيا لإيجاد حل للتوتر السياسي بين البلدين، رافضين الانحياز للقطيعة والحملات الإعلامية المعادية بين البلدين.. لكن مواقف المثقفين العرب من أزمات سياسية مشابهة لم تكن – في الواقع- إلا انعكاساً لحالةٍ من الاستقطاب السياسي الحاد الذي تكرّسه الأنظمة الراهنة، ولعل المثال الأبرز في هذه المقاربة (أزمة الخليج الحالية)!! فلماذا عجز المثقف العربي عن تحمل مسئوليته كمثقف معرفي وظل طوال الأزمات العربية يركب عربة السلطة، كلٌّ في بلاده؟ ولماذا سقط الكثير من المثقفين في وحل \”الدولة القُطرية\”، معتبرين أن بلدهم على حق وبقية البلاد مخطئة على حساب التقارب والتصالح والوعي المعرفي الذي يفترض أن تصنعه الثقافة؟! وهل تبقي شيء اسمه مثقف عربي؟!
مجلة (الثقافة الجزائرية) – وفي إطار بحثها عن دور المثقف ومسؤولياته اتجاه الشعوب- طرحت هذه الأسئلة على عدد من المثقفين العرب وعادت بهذه الإجابات وكان ردهم.. نذكر أننا سنترجم الملف إلى اللغة الفرنسية لنشره في مجلة Lire الفرنسية الشهيرة وفق الاتفاق الأخير معهم على ذلك..
الناقدة د.ماجدة حمود (ناقدة أكاديمية سورية): علينا إعادة تربية المثقف.
حين نتأمل المثقف العربي نجده في حالة تبعية للسلطة في بلده أو للآخر الغربي، أي تابع لمصالحه المادية، وحين يرفض مثل هذا الاستلاب والتبعية نجده ضحية التهميش، لا نستطيع أن نلومه بالمطلق، لأنه مهموم بتأمين حاجياته اليومية، خاصة أنه لو أراد أن يعتاش من الثقافة لمات جوعاً وقهراً!!! إننا في مجتمع مأزوم، يهمل الحاجات الروحية أو يدمرها، انظروا إلى البرامج الثقافية ونسبتها في الإعلام المرئي والمسموع، وفي وسائل التواصل الاجتماعي! مثقف لا يهتم بلغته العربية، ويرطن بالأجنبية، أو يكتب بالعامية على وسائل التواصل، هل ننتظر منه الخير لأمته؟ أحسّ أن ثمة قطيعة بين المثقف العربي ومتلقيه، يتحدث أو يكتب بلغة فوقية، وكثيراً ما ينطق إبداعه بهموم لا علاقة لها بما يعانيه المتلقي العربي! أو يتم التركيز على الهموم الجسدية وإهمال الروحية، لهذا نجد شبابنا في حالة ضياع فكري وروحي، يُتركون للفكر المتطرف ليملأ فراغهم! ويزيدهم ضياعاً، خاصة حين لا نجد ثقافة تسلحهم بالوعي والعقل النقدي! وثمة ظاهرة تمدّدت وهيمنت على الإنسان العربي، هي تعزيز القُطرية من داخل الدولة ومن خارجها، لهذا نشأ فكر ضيق، يحصر وعي الإنسان في بلده الصغير، بل أحيانا في مدينته، بل في حيه!! نشأ جيل من أدعياء الثقافة على هذه الرؤية، مع أن المثقف الحقيقي هو من يملك رؤية شاملة كونية، لا تنحصر بمدى ما يجنيه من ربح أو خسارة مادية من سلطة، تتخذه مطية للحفاظ على عرشها! الثقافة حصن العرب الأخير، إما أن تنهض بنا، أو نعيش ممزقين متقاتلين، حتى ننتهي،لهذا لا بدّ أن نراجع أنفسنا، ونمارس نقداً ذاتياً، يرقى بنا إلى الفاعلية، وعدم الاستكانة لدور التبعية، على المثقف أن يكون رائداً فكرياً وروحياً، هل أقول: وأخلاقياً؟، خاصة بعد أن سمعت أحد المثقفين يعترف بأنه إذا استلم مركزاً في بلده المتعب، سيبحث عن مصالحه أولاً! وحين قلت له علينا أن نقاوم هذه اللغة، التي تعني هيمنة النزعة الاستهلاكية، قال لي: وأولادي، هل تريدين لهم أن يحسّوا بالنقص أمام زملائهم؟! هل مقاومة النزعة المادية الاستهلاكية نوع من المثالية! أم أننا اليوم أمام مدّ استهلاكي يدمر العقول والأرواح وبالتالي الأوطان؟ باتت وسائل الاتصال الحديثة في يد الجهلة وسائل انفصال وكراهية! مع أنها من الممكن أن تكون قوة تعزز تواصلنا ووحدتنا! قلت بيني وبين نفسي: علينا إعادة تربية المثقف؟ أي إعادة تربية الإنسان منذ طفولته، كي تنهض هذه الأمة على أسس متينة! لنعترف بأننا نعيش دماراً روحياً وأخلاقياً، ينعكس على ما ندعيه من ثقافة ووعي! مع ذلك، ثمة مثقف يقاوم هذا الدمار، قد يكون نادراً، لكنه مؤثر.
إيهاب الحضري كاتب واعلامي مصري:الكلام عن الثقافة التي تصلح ما أفسدته السياسة مجرد شعار نظري
الحديث عن المسئولية يتطلب أولا سؤالا تمهيديا عن الحضور، فإذا كان حضور المثقف فى مجتمعاتنا العربية باهتا فكيف يمكننا طرح استفسار عن دوره؟ فى مناخ كهذا يبدو الحديث عن مسئولية المثقف العربي عبثيا، لأنها مسئولية تتغنى بها الأنظمة عندما تجد نفسها مضطرة، ويكون المثقف عادة جزءا من جوقة تتضمن فئات أخرى، ربما يظل هو فى خلفتيها! المثقفون طوال الوقت بعيدون عن\” العين والقلب\” معا، ليس من الأنظمة فقط بل من المواطنين أيضا، بعد أن نجح الساسة والتنظيمات المتطرفة وفق اتفاق غير معلن فى تصويرهم كمارقين خارجين على قيم المجتمع. لا يُستثنى منهم إلا المقربون من السُلطة في كل دول منطقتنا، وهم بطبيعة الحال يتبنون رؤاها إما عن قناعة أو مصلحة. فى المقابل يبقى مثقفو الهامش فى منطقة الرفض لكل ما هو سلطوى، سواء في بلدهم أو البلدان الأخرى. فى الواجهة يقف مثقف السلطة فى صفها سواء كانت قراراتها صحيحة أو خاطئة، فتضيع الأزمات العربية العربية وسط مهاترات فوضوية، تجر المثقفين إلى مستنقع السياسة. أما معظم من يرابضون على الهامش فيدينون الأنظمة كلها، بتهمة المشاركة في تأجيج الصراع. ووسط حالة احتقان مبالغ فيها، يبدو الكلام عن الثقافة التي تصلح ما أفسدته السياسة مجرد شعار نظري، لأن الساسة وأتباعهم أصبحوا جاهزين بسلاح التآمر على الوطن، يشهرونه في وجه من يجاهر برأي مخالف لما يريدون أن يكون سائدا. لا أستثنى من الدول كلها دولة، فالعقاب في كل منها جاهز دائما، يبدأ بالهجوم المعبأ بالتشكيك في الوطنية، وقد ينتهي بإسقاط الجنسية. استحضار مواقف لمثقفين أوروبيين يتحول إذن إلى نوع من الحلم، فاضطلاع نظرائهم العرب بمسئولياتهم يحتاج إلى استيراد المناخ بأكمله، لا مجرد تجربة نعتبرها نموذجا يستحق أن يُحتذى. لابد يشعر المثقف العربي بوجوده أولا، وقتها يمكن أن نحاسبه على تقصيره، وانشغاله بمعارك وهمية عن قضايا أكثر ارتباطا بمصيرنا ككل، لكن حتى يحدث ذلك، ستظل الحروب الثقافية الصغيرة هى المتنفس الوحيد لمن اختار أن يكون مثقفا، في هذه المنطقة المأزومة من العالم! وحتى هذه الحروب لم تعد تعتمد على المواجهة التي قد تُفرز زخما، لأنها تكتفي ببيانات تزيد من زحام الفضاء الإلكتروني، دون تأثير ملموس على الواقع! وهكذا تصبح كلمة\” العربي\” التي تُذيّل لفظة\” المثقف\” مجرد تعبير عن انتمائه للمنطقة، دون أن تحمل بُعدها القومي الذي ظل مسيطرا لعقود طويلة، فقد أصبح معظم المثقفين منتمين لبلدانهم فقط، خاصة بعد أن رحل غالبية من آمنوا بحلم القومية العربية، ومن بقى منهم اكتفى بكلمات التأبين للحلم الذي يكاد يصبح كابوسا!!
د.ابتسام الصمادي (شاعرة سورية): المثقف الحقيقي يؤمن بالتحول والتغير
نجد أن نضوج القهر قد سبق نضوج الفكر وذلك بدورةٍ زمنية كاملة، والدلالة على ذلك أن منظّري الثورات في بلدان الربيع العربي أو في الوطن العربي عموماً قلّة \”هائلة\” لم يكن لها دور في الريادة والتنظير لثورات الربيع العربي كما حصل في ثورات العالم حيث أن تلك الثورات قادها المفكرون والنخبة، نظّروا وشرّعوا لها وأسلموا قيادتها التنفيذية للشعوب على عكس ما حصل تماماً من ثورات الربيع العربي حيث نظّر لها وشرّعنها ونفذها عموم الشعب بكل فئاته وخاصة فئة الشباب، أما دور النخبةوالمفكرين والمثقفين فلم يكن سابقاً للثورة بل لاحقاً لها وبها. ما أدخل هذه الفئة المنظّرةأو قل المثقفة المتثاقفة في حالة من الذهول ووضعها في خيارات محدودة جداً لا مكان فيها لنصف منتمٍ أو نصف مواطن أو نصف ثائر، لذلك أتت النتائج أقل وضوحاً والخسائر أكثر مرارة. فأصبحنا أمام سيناريو محكم للخروج بنموذج مرعب لما أسميه بموت الشعوب، وهذا النموذج هو بالحقيقة رسالة للعالم العربي وقبله الإسلامي (النموذج السوري) فظهرت قيادات متأسلمة وظهر داعش وحالش وووو ألخ .. لقد طفا السياسي على السطح لأنه يملك سلطة لا يملكها الثقافي….فأصبح عالم اليوم عالم مرعب يسيطر عليه التافهون كما يقول الفيلسوف الكندي \”الآن دونو\” في كتابه(نظام التفاهة) الذين اقتسموا الكون عبر الاقتصاد والسياسة كما جاء على لسان ابن كيبيك،من أن التافهين قد حسموا المعركة دون اجتياح الباستيل (إشارة إلى الثورة الفرنسية) ولا حريق الرايخشتاغ (إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا) ولا رصاصة واحدة من معركة \”الفجر\” (إشارة إلى المعركة الأسطورية بين بونتا وبراكمار)، ربح التافهون الحرب وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه وهذا ما ينطبق تماماً علينا . لذا صار صوت الكاتب أو المثقف صوتاً خافتاً، وفعل الكتابة كجرم يقترفه الكاتب ولا حيلة لرده وكأننا نكتب لزمن غير زماننا أو كأننا نضع بذورنا لتقطفها الأجيال من بعدنا أمانة في تراب إبداعنا لنؤمن استراتيجية للبقاء الإنساني. فمن أحد أسباب الانقطاع هذا وأهمها هو هبوط الجميع إلى كرة قدم بين الأرجل السياسية فترفع المثقف كي لا يتدحرج رأسه، وانكفأ على نفسه ليكون هو الخطاب والزمن الضائع. طبعاً أقصد المثقف الأصيل وليس السلبي لأنه يوجد مثقف سلبي يظهر الأشياء كما تلتقطها عين الكاميرا مقلوبة وهذا خارج أي فعل ثقافي ..لأننا نحتاج بعده إلى غرفة سوداء للتحميض لنظهر الصورة على حقيقتها وليست مقلوبة، وهؤلاء هم بالغالب مثقفو السلطة الذين أدهشهم الربيع العربي إذ كيف يخرج من خلف ظهورهم ولا حيلة لهم به؟! إن المثقف الحقيقي هو من يؤمن بالتحول والتغير في صيرورة الأشياء والحياة والتاريخ نحو الحرية والإنسانية ومثقفو السلطة خارج أي فعل أو حراك ثقافي حرّ… السياسة عندنا في العالم العربي سياسة بلا ثقافة والثقافة بلا سياسة . وأخيراً وليس آخراً يجب أن نعترف أن معظم مثقفينا خارج الوعي المعرفي والحضاري بسبب ما راكمته عليهم التربية والإيديولوجيا الراسخة من تقديس أولي الأمر . وهبط الكفؤون منهم إلى ما تحت خط الخبز، فهبطت معهم منظومة المثل والمفاهيم الكبرى وارتفعت منظومة الاستهلاك وإدارة (اللعبة).
أ. طارق بوحالة (ناقد أكاديمي جزائري): الوضع الجديد الذي ساهم في كشف \”ظهر المثقف\”
انخرط المثقف العربي منذ مطلع القرن العشرين في كثير من التحديات والإكراهات التي واجهت شعوب وبلدان الوطن العربي مشرقاً ومغرباً، فكان له الدور الريادي في توجيه بوصلة الخطاب النهضوي والفكري لمدة عقود، غير أنه منذ مطلع القرن الحالي -خاصة مع بداية العقد الثاني منه- بدأ دوره يخفت إلى درجة التلاشي النهائي. إذ يطالعنا الكثير من الخطابات حول دور المثقف الأساسي في ظل المتغيرات السريعة التي لحقت ببنيّة المجتمعات العربية، لاسيما مع ما وصف بالربيع العربي، هذا الوضع الجديد الذي ساهم في كشف \”ظهر المثقف\” نهائيا، ما جعله يتلقى بذلك وابلا من التهم، كونه تخلى عن دوره لصالح فئات أخرى مثل السياسي والشعبوي والمتطرف وغيرهم وبقي يراقب من بعيد لا يحرك ساكناً ولا يساهم في خلق وعي نقدي. ولم تظهر تصنيفات كثيرة للمثقف كما كان في السابق، حيث لم نعد نسمع بمثقف تقليدي ومثقف تقدمي ومثقف حداثي ومثقف يساري ومثقف ليبرالي، كما لم نعد نسمع بمثقف السلطة ومثقف الجماهير، رغم ما يشاع بوجودهما إلا أنه يبقى خافت. كل هذه التصنيفات غابت مع غياب الحراك النخبوي الذي يستدعي حراكا اجتماعيا فعال وخلق فئات تعرف أدوارها الصحيحة. في خضم ذلك صارت الجماهير هي التي تصنع الذائقة العامة وتتحكم فيها كما تشاء، وهو ما دفع بالمثقف أن يقع بين أمرين أحلاهما مرّ، فإما التسليم لهذه الجماهير والسير في ركابها، وإما البقاء بعيدا عما يجري من أحداث تتسارع بتسارع الزمن.
وفي مقابل ذائقة الجماهير التي تتميز بسرعة الزوال والتغيّر لا نجد للنخبة ذائقة موازية وبديلة ومقاومة للسائد، حيث صارت لعبة الكراسي معطّلة إلى حين، فمنذ القديم عرفت المجتمعات تبادلا للأدوار بين النخبوي والجماهيري أو النخبوي والشعبي أو بين النخبوي والهامشي. وهو ما لم نعد نراه هذه الأيام في مجتمعاتنا العربية وهو ليس بأمر الصحي. ونرى أن المثقف ليس فرداً بل هو جماعة، بمعنى أننا لا نعدم مواقف لمثقفين في الأوطان العربية، إلّا أنها تبقى فردية وغير فعّالة في كثير من الأحيان، كونها قابعة على مستوى التنظير والتوصيف الظاهري، وعدم الغوص في عمق القضايا المثارة يوميّاً. ومنه وجب إعادة صياغة جديدة لمفهوم المثقف ولدوره، حيث حان الوقت لخلق مثقفين بدل تقنيين، وأقصد هنا أن يبتعد المثقف -بكل أشكاله- عن تنظيراته ونقده اليومي لحال المجتمع، حيث صار لزاماً منه أن يحمل على عاتقه دوره الأساسي، وأن لا يصبح مجرد مراقب من بعيد فقط، وأن يعيد المشعل إليه ولا يتركه في يد غيره لأن سنة الحياة منذ بداية الخلق أن يكون هناك تفاوت في الأدوار بين أفراد المجتمع لتكون بذلك الحياة طبيعية ونوعية في الوقت نفسه.
خلود جمعة (شاعرة أردنية): اشكالية المثقف والسلطة اشكالية أزلية.
منذ القدم كان موضوع المثقف والسياسي مثاراً للجدل والنقاش، وكانت تدور حروب باردة مرة وحروب معلنة مرات أخرى بينهما، ومما لا يخفى هو الاختلافات العميقة بين الطرفين التي تفرض على المثقف تحديات لا بدّ من مواجهتها. فالأزمة التي يعانيها المثقف لنشر الحقيقة والمعرفة وكشف المزاعم التي تنشرها جماعات سياسية، طوائف دينية وأحزاب مختلفة تتستر برداء الثقافة تخلق ذلك الصراع بينه وبين جهات عديدة كالحاكم ورجل الدين وأشباه المثقفين وأذيال الساسة. إلّا أنه من خلال رؤية ثقافية تقوم على حق التعبير والنقد، الرأي والرأي الآخر، الحق في الاختلاف، وواجب احترامه كان دفاعه عن الحرية، مبتعداً عن الانحيازية الضيقة لصالح الثقافة والنقد الموضوعي للأخطاء والثغرات، والإشارة إلى العيوب بجرأة الحرّ الذي لا يتعدى حدود النقد البناء باحترام اختلاف الحضارات وتنوع الشعوب والدفاع عن القيم البشرية والاهتمام بحقوق الإنسان والتقيد بأخلاق المبادرة والمحاورة مبتعداً عن المناورة والمؤامرة بطرح القضايا وإخضاعها للنقاش والتحليل بغض النظر عن حجمها. أما فيما يتعلق بعلاقة السياسي والمثقف وإجلاء الحقائق بكل شفافية وتوضيح التطورات السياسية ذات الأثر على الحياة المجتمعية والثقافية والالتقاء في المواقع المتعارضة لإيجاد حلّ يخدم القضية المطروحة ويصب في مصلحة المجتمع بإثبات الدور الايجابي للمثقف والذي قد يلقي على المثقف تهم انتمائه لأحزاب وطوائف دافعاً بذلك ثمناً لموقفه المستقل، ففي السياسة الكثير من الأمور المعقدة والمتشابكة التي قد لا تتيح للمثقف أن يتخذ موقفاً صريحاً أو معارضاً وفي نفس الوقت لا يمكنه الوقوف دون الدفاع عن بلاده ومبادئه، كرامته وحريته حينها لربما كان عليه اتخاذ لغة الحقائق والمنطق دون الانزلاق إلى المهاترات والطعن، الاسترزاق من الأزمات بغطاء وطني وتقصي الحقائق ونشرها دون إعطاء الفرصة للمتربصين لاستغلاله رصاصة في صدر الوطن. إن محاولة إيجاد نقطة التقاء بينهما وإيجاد لغة حوار مشترك تخدم المصالح العامة هي من أهم أهداف المثقف الذي يسعى لتحقيقها وإثباتها على أمل تخطي الأزمات السياسية والفكرية .