المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

المبدع والأكاديمي السوداني عبد المنعم همّت للمجلة الثقافية الجزائرية:

عبد المنعم همت مبدع سوداني مقيم بسلطنة عمان تخصّص في الأدب الإنكليزي والفلسفة بالإضافة إلى التفسير وعلوم القرآن ونشر عدداً من المؤلفات والدراسات والأبحاث. ضيفنا أكاديمي وكاتب قصصي وباحث بالتراث الإسلامي ومهتم بدراسته بعيداً عن ردهات التعصب والانغلاق.. وهو صاحب مشروع  فكري هدفه (إعادة ترتيب فلسفة الأخلاق) من خلال ربط منهجي بين الفلسفة والقرآن الكريم، ونتاجه الإبداعي عموماً ينتمي للإنسان بالمطلق وينحاز للخير والجمال والحق والحرية. المجلة الثقافية الجزائرية اقتربت من هذه التجربة الجميلة عبر هذا الحوار الخاص:
حاورته: باسمة حامد

بداياتي مع الأدب..

المجلة الثقافية الجزائرية: دعني أسألك أولاً عن البدايات وكيف نشأت علاقتك بالأدب وأنت متخصص في الفلسفة وعلوم القرآن؟
عبد المنعم همّت:
كان الولوج إلى الأدب عبر أيقونات متناثرة تلقيناها في المدارس السودانية ومن خلال بوابات التبادل المعرفي الذي مر بقراءة مجلات وقصص الأطفال, مروراً بما يسمى بالأدب الروسي والأفريقي في المرحلة الثانوية وهذا شكل منارات وعي قادتني للتأمل. وفي المرحلة الجامعية فتحت علي أبواب التواصل مع مدارس الأدب المختلفة وتركوا بصمات متفاوتة على مكوني الفكري والثقافي.. تلك التجارب الإنسانية النبيلة والتي تعلمت منها أن الأدب دعوة للتغيير وتجاوزت محطة الأدب للأدب. أما من ناحية التخصص فلقد قادتني الفلسفة إلى الأدب كما قادني الأدب إلى الفلسفة, ولا أعرف أيهما أسبق. في البداية التحقت بقسم الفلسفة بكلية الآداب وفي السنة الثالثة قررت دراسة الأدب الانجليزي فالتحقت بكلية الآداب قسم اللغة الانجليزية في جامعة أخرى دون أن أترك دراسة الفلسفة, فتحصلت على بكالوريوس الفلسفة ثم بكالوريوس اللغة الانجليزية وآدابها. كانت هذه تجربة عملية حول التقاء الأدب والفلسفة. أما التخصص في القران فلقد أتى لاحقاً وكان عبر دراسة التفسير الفلسفي للقران الكريم فكانت محطة فكرية أضافت لي الكثير.

الأسئلة تؤدي إلى المعرفة..

المجلة الثقافية الجزائرية: هل يمكن المقاربة بين الفلسفة والدين في الوقت الذي يراهن الكثير على تباعدهما كعنصرين مختلفين واحد يشتغل على الأسئلة والثاني يشتغل على الغيبية؟
عبد المنعم همّت:
المهمة الأساسية للدين هي الهداية وتقديم الوسائل الموصلة إلى مستوى أخلاقي وسلوكي رفيع. الدين يقود إلى الاعتقاد الصحيح وتوحيد الخالق ومنها يعرف الإنسان ما ينبغي عليه فعله وتركه وفقاً لضوابط . أما الفلسفة فهي تبحث عن الموجودات من جهة وجودها, وإثبات ما يتعلق بها من مسائل ومن أقيمها وأهمها إثبات واجب الوجود (الله) وتوحيده واثبات ما يتعلق به من صفات وأفعال. من المهم معرفة الدين بشكل مفصل و مدروس ويقوم على منهجية وليست عاطفة فقط وبذلك يكون محصناً ضد الارتباك العقدي. ومن هنا نقول أن الفلسفة تحصن العقيدة وتسير في اتجاه بناء أسس عقلية ومعرفية للعلوم بالإضافة إلى النظريات الإنسانية. خاطب المولى عزّ وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في افتتاحية سورة العلق بـ (اقْرَأْ) .. وفي تقديري أن معنى لفظ اقْرَأْ الذي ورد في هذه السورة يعني (الإدراك الفاعل) و(المعرفة التطبيقية). المولى عزّ وجل طلب من النبي صل الله عليه وسلم تحقيق كمال النفس والاسترشاد (باسم ربك الذي خلق). والإدراك ليس مسالة عقلية بحتة, فالإدراك يحدث من خلال تكامل الحواس.. أريد أن أقول أن الإدراك الصحيح للدين واستقباله عبر مسارات إدراكية آمنة يخلق الطمأنينة والاستقرار النفسي. فالاشتغال على الأسئلة يؤدي إلى المعرفة والتي تؤدي إلى اليقين وهذا ما عبر عنه ابن عباس بقوله: \”لقد نلت العلم بلسان سؤول, وقلب عقول\”.

مأزق الهوية الإسلامية..

المجلة الثقافية الجزائرية: ما الذي يجعلنا اليوم في مأزق إزاء هويتنا الإسلامية قبالة الصراعات المتأججة والتناقضات التي ساهم في فرضها القراءة المتزمتة للتاريخ الإسلامي؟
عبد المنعم همّت:
هنالك حقائق لا يمكن تجاوزها وأهمها أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جاء ليتمم مكارم الأخلاق ولكن القراءة (المأزومة) للدين الإسلامي بدأت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم, بدأت مستصحبة وعي ما قبل الإسلام وبذلك اسقطوا أدوات الصراع الجاهلي على الصراع السياسي وبعدها سارت هذه الحركة لتطويع النص القرآني للموقف السياسي مع استحداث أدوات مساعدة لتقوية الحجة وهي ما يعرف (بوضع الأحاديث). هذا الوعي نتج عنه تيارات سياسية متمظهرة بالدين تقوم على ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة . التناقضات لم تفرضها القراءة المتزمت للتاريخ بل فرضتها القراءة المتزمتة للنص القرآني وللحديث الشريف. هنالك من أراد قيام (الدولة المقدسة) وإسقاط هذه القدسية على الحاكم ليصبح (مقدساً). في اعتقادي أن توصيف الإسلام بأنه (دولة) قد خلق تناقض معرفي في ذهنية المسلم, فهنالك من يحاول استدعاء المواقف التاريخية للإجابة عن الواقع المعاش.. والحديث بلغة (كنا) وإغفال (الآن). الإسلام ينظم الحياة من خلال المنظومة الأخلاقية المتكاملة التي بٌعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم.. ودور الأخلاق هو بناء (إنسان) صالح يقوم بإعمار الأرض ولا مكان هنا لمصطلح (مواطن). دعيني أقول أن الحبيب المصطفى قد ترك أمر اختيار من يخلفه دون تدخل وذلك لأن أمر الخلافة والخليفة ليس فيه نصّ ولكن النصوص التي تهذب الأخلاق وتطورها وتجعل منها أساس للحياة الكريمة موجودة في القرآن والسنة. المسلم حياته كلها دين, فليس هنالك انفصال بين الأقوال والأفعال ولكننا نجد أن أمر إدارة الحكم ليس فيها قدسية, بل توكل للأقرب إلى مكارم الأخلاق.. وأخلص إلى أن منظومة الحكم في الإسلام سياجها مكارم الأخلاق, وأنفاسها الشورى, وطاقتها الاجتهاد .

على المثقف أن يعي دوره..

المجلة الثقافية الجزائرية: لعلي أقصد عجز المثقف المعرفي أو التنويري في تفكيك التاريخ وبالتالي تصفيته من التشوهات ومن المبالغات قطعاً.
عبد المنعم همّت:
أتفق معك حول هذا العجز .. التاريخ معبأ بالترهات والخرافات, وكلما يتم الاقتراب من تفكيك هذه الترسانة تلاحقك سيوف النعوت الإقصائية. للأسف هنالك عقليات تقدس الاجتهاد البشري.. دعيني أرجع لبعض التفاسير والتي تناولت شخصية الرسول الكريم بكثير من الطعن وهنا أذكر قولهم أن الرسول عليه السلام- حاشاه – حاول الانتحار بالتردي من الجبل, وحديثهم من أن النبي _ حاشاه _ قد نظر إلى زوجة أسامة بن زيد بشهوانية. بالإضافة إلى القول المكذوب بأن رزق الرسول كان مرتبطاً بالسيف!
المثقف يحتاج أن يعي دوره ويقوم برفع منارات الفكر والعقل والنص السليم عبر مضخات توازن معرفي يجيب عن الاحتياجات ويكسر أسوار(المقدس السقيم), ليفتح مدارك( للمقدس السليم ).

العلاقة بين الفلسفة والقرآن الكريم..

المجلة الثقافية الجزائرية: كمثقف أكاديمي تبحث في العلاقة العضوية بين الفلسفة والقرآن الكريم أود أن تحدثني عن منهجك في هذا المزج.. وفي هذا الإطار أرجو الإضاءة قليلاً على مشروعك الفكري القائم على إعادة ترتيب فلسفة الأخلاق..
عبد المنعم همّت:
بطبيعة الحال هنالك مدارس فكرية تسعى للوصول إلى الحقيقة وكشف الواقع ولكل مدرسة منهجاً خاصاً ومنها المدرسة التجريبية, وهؤلاء اعتمدوا على التجربة الحسية واتخذوها أداة معرفية. المدرسة الإخبارية تعتمد على وجود النص الديني لمعرفة الكون. المدرسة الكلامية ترى ضرورة النص الديني في مجال استنباط الجانب العقدي, ولكن يرون ضرورة استخدام المنطق الأرسطي في البحوث. المدرسة التي تستخدم مناهج متعددة وهما مدرسة الإشراقيين والأخرى مدرسة الحكمة المتعالية. بالإضافة إلى المدرسة العقلية البرهانية وتعتمد على العقل والبرهان. في ظني أن استخدام العقل فقط لا يجيب عن كل الأسئلة بدقة, في حين أن التعقل والإدراك وفقاً لمنظومة القيم التي جسدها الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا, وهو ما يمكن تلخيصه بأنه كان (قرآناً يمشي بين الناس).
هنالك أسئلة كثيرة نحتاج الإجابة عنها وهي ما نلخصها في مقولة الإمام علي رضي الله عنه: \”رحم الله امرؤاً علم من أين وفي أين والى أين ؟\”. نلاحظ أن هذه الأسئلة ذات طبيعة فلسفية ومنها نقول أن الفلسفة تعبر عن جانب يرتبط بالرقي الإنساني, والله سبحان وتعالى يوضح أن الارتقاء مرتبط بالإيمان والعمل {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. بلا شك فإن البشر الخيرين -عموماً- يبحثون عن (الخير), ويتفقون على عموميات ربما تصب في مفهوم الخير, ولكن ليس هنالك إجماع على ما هو الخير, ولكل مجموعة منظومتها القيمية التي تحدد المعايير, ومنها يتحدد الخير ونقيضه الشر.
في اعتقادي أن الله هو الخير المطلق, وأن ما يصدر عنه- ولله المثل الأعلى – يمثل منظومة القيم التي يجب أن تٌتبع. الإنسان يرتقي بسلوكه وتوجهه نحو مكارم الأخلاق, ويحدث الصعود بإدراك أن كثافة الإنسان, والتي تمثلها الصفات والنزعات الدافعة للأنانية, والعنف, والحسد, والاستعلاء ..الخ, هي القوى الطاردة عن التدرج في سلم الخير. والانتصار للخير يعني النزوع إلى مسالك النفس الزكية (اللطافة). النفس الخيرة تنظر إلى الأرض وقلبها معلق بالسماء, بينما النفس المندرجة في سلم الشر تنظر إلى واجب الوجود كعدم أخلاقي, فتطيع منظومة الشر التي يمثلها (إبليس). الملائكة لها عقل بلا نزعات شهوانية, وهم أقرب إلى فعل الخير دون أن تتجاذبهم قوى الشر, بينما الحيوان تسيطر عليه الشهوانية وضعف القوى العقلية, والإنسان مزيج من الملائكة والحيوانية. وبتطبيق قانون الإحلال والإبدال الأخلاقي تكتمل الصورة, فإما يصبح مرتقياً وسائراً إلى الخير المطلق (الله), باحثاً عن استكمال فضائل النفس بالصعود على أجنحة اللطافة, أو يتردى . القيم كلية وفي حالة ثبات وليست فيها نسبية. فالصواب له وجه واحد, ومعيار واحد. وللحفاظ على حالة التوازن النفسي والجسدي ينبغي وجود إلزام والتزام أخلاقي. الصراع البشري – البشري ناتج لوجود قوى التضاد, بالإضافة إلى نسبية مفهوم الخير عند الكثيرين . هنالك مجتمعات (لا بشرية) لها منظومة أخلاقية منها النمل والنحل. أعتقد أن هذه المنظومة تتسم بنسب متفاوتة من الإدراك، والخير والشر ليس خاصاً بالبشر وحصرياً عليهم, فهنالك نسبة مشتركة بين الخير والشر عند الإنسان والحيوان ولكنها تتم وفقاً لمعايير بشرية. فهنالك من يعتقد أو لا يعتقد في وفاء الكلاب والقطط ..الخ .
معايير الأخلاق الأرضية والتي تقوم على تجارب بشرية خالصة تكون نسبية, لأنها تتعامل مع التجربة بحسب معطيات الأحداث لا شموليتها, بينما الأخلاق (المتعالية) أو ما أسميه بالأخلاق اللطيفة تتسم بالثبات وليست وليدة التجربة والتقييم, ولكنها انتقاء أخلاقي من واجب الوجود إلى سالكي دروب الأخلاق اللطيفة والتي تصب في إكمال فضائل النفس بنزع المتردي من القيم والتي نراها في قوله تعالى : }وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ{. والغل هو العداوة والحقد الكامن والذي يعبر عن نفسه بالتردي ويميل إلى الكثافة, بل هو مركزها وباعثها.. إذاً محور الشر هو العداوة والحقد. ولإحداث التغيير لا بد من تفعيل محاور الخير ومنها نزع الغل من الصدور.

أنتمي للإنسان وليس للجغرافيا..

المجلة الثقافية الجزائرية: قرأت لك العديد من القصص القصيرة، وما لاحظته أن كتاباتك القصصية تنحاز إلى الإنسان بالمطلق.. دعني أسألك تحت أي تأثير تكتب عادة؟
عبد المنعم همّت:
أعتقد أنني منحاز للإنسان الباحث عن الحقيقة, الإنسان المتأمل في هذا الكون ليحقق رؤية نزاعة إلى العدالة, والحرية , والتسامح, والمساواة, ومحاربة دوائر ضيق الأفق بمختلف مدارسها.
أنا منحاز للمستضعفين والفقراء أينما ومتما وجدوا. ولقد نزعت عن نفسي ثوب التعصب وانتميت إلى الحقيقة والتي هي ضالتي. أشعر أن الدفاع عن الوطن بمساراته في الخير والشر فيه إغلاق لأبواب الحقيقة.. دعيني أقول أنني لا أنتمي إلى وطن رغم سودانيتي, فانا لا أترك للجغرافية منطق التحكم على مساحات الحقيقة في نفسي. أنتمي للإنسان, فالكرة الأرضية ليست مساحة ضخمة حتى نحددها بخطوط طول وعرض. الكرة الأرضية نبات صغير ينمو بمعطيات أن كل شبر فيها قابل لنبات لطيف مثمر وهنا أقصد الخير. وأعتقد أن الكتابة مسؤولية أخلاقية وليست ترفاً.. لا أنطلق من مؤثرات أيديولوجية قومية كانت أو أممية. فالحقيقة ليست حزباً ولا منظومة سياسية.. ولكني أجد في كل مفكر وكاتب زاوية توجهني إلى النور.

الأدب والفلسفة والتجربة الإنسانية..

المجلة الثقافية الجزائرية: بين الأدب والفلسفة ثمة علاقة ملتبسة بوصفها قائمة على نمطين مختلفين من التفكير: أحدهما مرتبط بالعاطفة والخيال والحلم والآخر مرتبط بالعقل والمنطق والواقع.. كيف تتعامل مع هذه الإشكالية وإلى أي حد تعوَّل على الفلسفة في المعالجة الأدبية؟
عبد المنعم همّت:
للتعبير العملي عن عدم وجود هذا الالتباس فسوف استدعي الطيب صالح حينما قال في موسم الهجرة إلى الشمال :\”ذلك دفء الحياة في العشيرة, افتقدته زماناً في بلاد تموت من البرد حيتانها\”. أراد الطيب صالح طرح سؤال لبلوغ المعرفة, حيث أنه حلل وفسر وتأمل الظواهر المحيطة بـ(عشيرته) والمجتمع الغربي الذي عاش فيه لسبع سنوات. الطيب صالح ومن خلال تأمله وإطلاق العنان لأفكاره أنتج نصاً يؤكد أن الفلسفة والأدب في حالة تآلف وهذا ما فعله الشاعر الضخم الفيتوري في قوله:

عشقي يفني عشقي
وهواي استغراق

الأديب قد يجد نفسه مستغرقاً في قضايا فكرية ومستخدماً الاشتغال العقلي بأسلوب أدبي. والفيلسوف قد يعبر عن فكرة بأسلوب أدبي. لا أتفق في أن إدراج الأفكار الفلسفية في النص الأدبي يفسدها, بل بالعكس يعطيها نضوجاً وإحاطة أكبر بالمشكلات من ناحية السؤال والإجابة. الأدب والفلسفة كلاهما يشتغل وينشغل بالإنسان, فليس من الممكن تصنيف الأدب باعتباره اشتغالاُ بالحياة والإنسان, بينما الفلسفة تشتغل بالطبيعة وما وراء الطبيعة.. الخ. هذه الحدود توهمية, فهنالك رواية عن الخيال العلمي والطب.. كما أن الأدب والفلسفة يذهبا بعيداُ في استجلاء نسيج التجربة الإنسانية.

هذا هو حال المبدع السوداني..

المجلة الثقافية الجزائرية: يبدو أن الشهرة الطاغية للروائي السوداني الراحل الطيب الصالح كانت بمثابة مأزق حقيقي لكثير من الكتّاب السودانيين الجدد.. فرغم وجود المنتج الإبداعي الجيد في السودان إلا أن أغلبه ما زال مجهولاً.. ما تفسير ذلك؟
عبد المنعم همّت:
الطيب صالح رقم ضخم في عالم الأدب وهو نتاج وعي نقدي حيث تأمل ولاحظ, وحلّل الواقع فكانت الثمرة ناضجة.. هذا الفعل قد سبقه عليه البعض, وسوف يأتي آخرون بفعل جميل. أنا لست مع مسألة تجنيس الأدب, فالأديب ينتمي إلى منظومة وعي يعبر عنها وتتجانس ويكون لها صدى عند الآخر وتأثيراً عليه. فالمنتج الجيد هو الذي يفرض نفسه دون قياس ذلك بما هو آني.. فربما تسلط الأضواء على بعض الأعمال ويتضح أنها لا تقل جودة عمّا أنتجه الأديب المميز الطيب صالح. ولكن المشهد الآن يعطي الطيب صالح الأحقية على تسيد عرش الرواية .

المجلة الثقافية الجزائرية: باستثناء نماذج قليلة ناجحة.. لم تساهم هجرة المبدعين السودانيين في تألق أسماء إبداعية على غرار ما حصل مع كتّاب المهجر السوريين والعراقيين واللبنانيين.. لماذا؟
عبد المنعم همّت:
منذ عقود ظل الأدب والأديب السوداني مهاجراً , ولا أعرف أي أرض قد وسعتهم! فإن جاز لي الحديث عن المبدعين السودانيين فمنهم من قدم أدبه بشكل ملتزم ونال حظه من التألق, ولكن ليست لدي معايير تقييم تألقهم من عدمه, ولكن على يقين أن فيهم ومنهم قامات إبداعية لم تجد حظها من الإعلام.