المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

نظرة عامة حول تاسيس الرواية الجزائرية

الاخضر بن هدوقه*

انطقلت الحركة الادبية الروائية مع اول رواية تحمل عنوان:غادة ام القرى للاديب الجزائري المرحوم احمد رضا حوحو، هذه الرواية التي عالجت مشكلة تخلف المراة العربية في الحجاز وحرمانها من التعليم وعدم الاعتراف بحقها حالها حال المراة الجزائرية انذاك، ونلمس كل ذلك من قوله: الى التي تعيش محرومة من نعمة الحب ..من نعمة الحرية..من نعمة العلم..الى تلك المخلوقة البائسة المهملة في هذاالوجود..الى المراة الجزائرية اقدم هذه القصة تعزية وسلوى. وعند صدور هذه الرواية واطلاع المثقفين عليها باختلاف اتجاهاتهم ثارت خلافات بينهم وبين الكاتب فلم يصدقوا ماقراوه وسمعوه، ذلك لان العادات والتقاليدلا تسمح بالتطرق لمثل هذه المواضيع، وان حرية المراة لايمكنها ان تنفصل عن حرية الرجل، لكن الكاتب كان سباقافي الكشف عن هذه العيوب التي كانت تنهش المجتمع وتجعله يعيش منغلقا على ذاته.فابدع قلمه وقدم للاجيال صورة معبرة صادقة باسلوب مولود معمري ، ومحمد الديب ومولود فرعون الذي نشا بمنطقة القبائل في اسرة تمتهن الفلاحة وفي ظروف مالية قاسية عسيرة. وقد ترجم كل ذلك في روايته الاولى- ابن الفقير-التي كتبها في سنة1950
اما روايته الثانية- الارض والدم- فقدتناول فيها بالتحديد علاقة الانسان الجزائري بالارض، ومما جاء فيها:
ان ارضنا طيبة ، انها تحب وتمنح في الخفاء ، وتتعرف سريعا على ابنائها ، على هؤلاء الذين خلقوا لها وخلقت لهم ، من شاء ان يكشف عن جمال ارضنا فليمنحها حبه
كما صدرت له الرواية الثالثة -الدروب الصاعدة – في سنة 1957التي اتسمت بالتعبير الصادق تجاه حياة الشعب الجزائري وصحوته ووقوفه وقفة رجل واحد لدحر مطامع الاستدمار كما عبر عنه المرحوم مولود قاسم في ملقى الفكر الاسلامي الذي انعقد في عاصمة الحماديين بجاية في السبعينات .
اما الكاتب محمد الديب فقد ترك لنا ثلاثيته المشهورة منها الرواية الاولى- البيت الكبير التي الفها في سنة 1952 والثانية- الحريق- الفهافي سنة 1954 حيث نجد فيها نفس الاشخاص الذين عرفناهم في دار سبيطار بالاضافة الى اشخاص اخرين ، ومماجاء فيها:وقدغادر عمر مع جارته وصديقته زهور دار سبيطار في احد ايام الربيع لزيارة ماما التي تقيم مع زوجها على سطح جبال بني بوبلان على بضعة كيلومترات من تلمسان وهناك قضى عمر وزهور اياما وليال لاتنسى بين فلاحي البادية الذين يحتلون في عهد الاستعمار من الاراضي اسواها انتاجا
ان الكاتب في هذه الفقرة ينقلنا الى بيئة ابطالها ناطقون بخرافاتها ونبضات حياتها فلا كذب ولا غش كل شئ فيهامتكامل، الانسان ، المرح وحتى الخرافة ، قالت ماما: صفراء ذايلة يلفها غلاف .ماهي؟ وهنا يتسابق الطفلان للاجابة.

وفي فقرة اخرى قالت: يقال ان الذين يقصون الحكايات اثناء النهار يصبح اولادهم قرعانا
هذه عينات مماجاء في الرواية ليبين ان الكاتب استطاع ان يحرك شخصياته بكل دقة ومهارة اعتمادا على الاثارة من حين لاخر ، واستخدام الخرافة كوسيلة للتعبير عن البيئة الجزائرية اضافة الى ذلك استعانته ببعض التعابير الفنية التصويرية والبليغة كقوله,
طراوة الصباح، وبنسغ اخضر، ويرضض النبات. ان قوة وجزالة العبارات وحبكها ونسجها جعلها تاخذ بعدا ادبيا في القيمة الفنية كما ذكرنا خلافا لبعض الكتاب الذين لايعتنون بالجانب اللغوي او يتحاشون عن عمدا استعمال مثل هذه العبارات ظانين بذلك انهم يجنبون القارئ الكلمات الصعبة
بعد ذلك ظهرت روايته الثالثة- النول- التي كتبها في سنة 1957حيث تناول فيها جانبا من طفولته وما اعترضته من احداث قاسية ، كما قدم صورة شاملة لما كان يعانيه الشعب الجزائري حيث ابدى استعدادا لخوض الثورة التحريرية لانه لم يسطع تحمل صورة البطش والتشريد والقتل من طرف المستعمر.
اما الكاتب مولود معمري فقد كتب اولى روايته- الربوة المنسية – في سنة 1950 بين فيها المحيط الذي نشا وترعرع فيه وذاق فيه طعم السعادة بين ذويه واقاربه واصحابه ، اما في روايته الثانية – اغفاء العادل- ، التي الفها في سنة 1961 فقد صور فيها موقف فرنسا من الجزائريين الموالين للجزائريين بعد صراع مرير حيث ادركوا في الاخير حقيقة احلامهم فعرفوا المستعمر عن حقيقته
ثم جاءت روايته الثالثة الرائعة – الافيون والعصا- هذه الرواية التي حولت الى فيلم سينمائي كان من روائع الافلام الجزائرية الخالدة ، لانه استطاع ان يترجم فترة تاريخية حاسمة من عمر الثورة التحريرية وما اقترفه الاستعمار من جرائم بشعة في حق الشعب الجزائري سواء في المد ن او في القرى، وعلى هذا النهج انطلق رعيل من الروائيين الجزائريين ، ابرزهم : مالك حداد واسيا جبار ومراد بوربو هذا الفريق الذي فرض وجوده على الساحة الادبية وذلك بفضل الروائع التي قدموها في مجال الابداع الادبي باللغة الفرنسية حيث ان معظم مؤلفاتهم ترجمت الى اللغة العربية. ويمكن تحديد هذه الفترة من عمر الرواية الجزائرية بانها بدات بعد نهاية الاربعينيات وانتهت بعد استقلال الجزائر هذه الفترة التي تعتبرمحطة التقت فيها جميع الاقلام الادبية سواء اكانت شعرية ام قصصية ام روائية في خندق واحد هو-لاللاستعمار ونعم للحرية . اما اذا اردنا ان نقارق بين ماكتب بالفرنسية وما كتب بالعربية في هذه الفترة فاننا حتما سنجد فرقا كبيرا بيتنهما ذلك لان معظم الروائيين الجزائريين الذي كتبوا ابداعاتهم باللغة الفرنسية كانت لهم تجربة كبيرة نتيجة احتكاكهم بالمحيط الفرنسي ممايدل على ان كل اعمالهم الروائية كانت في الطليعة
وخلاصة القول : ان هذه الفترة تميزت بوضع حجر الزاوية لتاسيس قواعد انطلاق الرواية الجزائرية لانه مهما يكون فان جل المواصفات للادب الرفيع لم تكن متوفرة فيها انذاك سواء من حيث البناء الفني او الشكل لكن الشئ الذي امتازت به على مستوى الابداع هو توفرها على عاملي الحدث والعقدة اضافة الى روح الكاتب وانفعاله مع النص الى درجة يجعلك مثلا تعيش التعذيب او تتذوق مرارة الجوع وكما اشرت في الاول ان جل الاقلام الادبية باختلاف انواعها صبت غضبها على الاستعمار وان كان احيانا لايظهر ذلك بالاسلوب المباشر خوفا من جبروت المستعمر.
اما المرحلة الثانية فقد انطلقت بعد الاستقلال باقلام جديدة واعدة وبأسلوب متميز يحمل نكهة الحداثة وهذا بعد ظهور اول رواية على الساحة الأدبية الجزائرية الا وهي رواية الأديب المرحوم عبد الحميد بن هدوقة-ريح الجنوب- سنة 1971التي حولت الى فيلم سينمائي رغم تحفظ الكاتب آنذاك من طريقة اقتباس السيناريو من طرف المخرج لان هناك إسقاطات وقعت للرواية حين تم تحويلها الى فيلم .
لكن قبل ذلك صدرت رواية أخرى للكاتب محمد المنيع تحت عنوان :-صوت الغرام – هذه الرواية التي أجمع بشأنها النقاد الجزائريون والمتتبعون للحركة الأدبية عندنا في الجزائر بأنها الرواية الأولى التي صدرت بعد الاستقلال مباشرة والغريب في الأمر أن هذا الاسم لم يكن معروفا في أوساط قراءنا ,وهذا التقصير يعود إلى غياب وسائل الإعلام في متابعة صدور الأعمال الأدبية إلا بعد النجاح الكبير التي حققته رواية الأستاذ المرحوم عبد الحميد بن هدوقة وتتويجه بالجائزة الكبرى للآداب والفنون في جويلية 1972 عندها دخل الساحة الأدبية كاتب آخر مميز ألا وهو الأستاذ الطاهر وطار بروايتته–اللاز-وقد ورد في مقدمتها أن الكاتب انطلق في كتابتها منذ سنة 1957 ومهما يكن فإن الإنتاج الأدبي لا يؤخذ بعين الاعتبار الا بعد تاريخ نشره وظهوره على الساحة الأدبية .لهذا كما أشرنا فإن الرواية الأولى هي رواية المرحوم عبد الحميد بن هدوقة وبالتالي هي أول من فتحت الباب على مصراعيه للشباب للدخول الى عالم الرواية المعاصرة التي تحمل طموحات الشعب الجزائري وتطلعاته إلى غد أفضل عن طريق الابداع الادبي.
وهكذا استطاعت الرواية الجزائرية الناطقة باللغة العربية اختراق حدود الوطن وفرضت نفسهاعلى الساحة الادبية العالمية .بعدها ظهرالاديب الأستاذ الطاهر وطار برواياته –اللاز – عرس بغل – الحواة والقصر – حيث ترجمت الى الفرنسية والروسية رفقة الاعمال الادبيةالاخرى للمرحوم عبد الحميد بن هدوقة حيث أجمع النقاد في العالم العربي أن هذه المؤلفات توازي نظيراتها على المستوى العربي والعالمي وهذا من خلال ظهورها بمظهر الند لا على سبيل محتواها بل وأيضا من حيث شكلها وبنائها الذي يتجاوب ومقتضيات العصر، ومن بين هؤلاء النقاد نذكر منهم: الياس خوري ,ويمني العيد ,وفيصل دارج ونبيل سليمان ومحمود أمين والدكتور محمد مصايف رحمه الله.،واذا عدنا إلى تقييم هذه المرحلة من عمر الرواية الجزوائرية فاننا نقول :ان العوامل التي ساعدت على وجود صحوة أدبية في الجزائر تعود الى مايلي :

1-استراتجية الدولة الجزائرية المستقلة واعلانها للثورة الثقافية، والثورة الصناعية ، والثورة الزراعية
2- تشجيع الدولة للكاتب من أجل مسايرة ثورة البناء والتشييد

3-وجود النقاد وحضورهم في الساحة الأدبية ومتابعة كل ما ينشر سواء في الصحف اليومية ,أو في المطبوعات الجامعية او في الكتب
4- تسهيل عملية النشر للكاتب
هذه الاسباب هي التي اعطت نفسا وجهدا لأن تلعب الرواية الجزائرية دورها الحقيقي والمميز في بلورة الواقع المعاش مما ساعد ذلك على ظهور جيل آخر من الشباب أخذ الأمانة بكل صدق لتعبيد الطريق ومواصلة السير على نفس النهج التي رسمته ثورة البناء والتشييد، ومن بين هذه الأسماء الأدبية التي فرضت نفسها هي :-محمد الصالح حرز الله –إدريس بوذيبة –مرزاق بقطاش،ومحمد زيتلي، وخلاص الجيلالي وغيرهم من الشباب المبدعين آنذاك الذين أضافوا للرواية الجزائرية نفسا آخر

*شاعر وباحث وإعلامي جزائري