بقلم: مها الورهاني
“لا تنتظروهم، فالموتى لا يرجعون إلى بيوتهم في المساء”
قالها المبدع الفلسطيني السوري صاحب “الندم والانتظار وزمن العار” حسن سامي يوسف ذات يوم وها هو يرحل ولن يرجع إلى بيته في المساء حيث غيبه الموت صباح يوم الجمعة 2-8-2024 عن عمر يناهز 79 عاماً في العصمة السورية – دمشق .
ونعت نقابة الفنانين والأوساط الثقافية والفنية والأدبية في سورية الكاتب والسينمائي الفلسطيني حسن سامي يوسف متحدثين عن الفراغ الكبير الذي تركه خلفه. منهم ” هاني نديم، مصطفى الخاني، أمل عرفة، سامر البرقاوي، عدنان أبو الشامات، روعة السعدي، محمود نصر، سوزان نجم الدين، باسم ياخور. محمد خير الجراح، كرم الشعراني” وغيرهم.
وكتب المخرج الليث حجو عبر صفحته على “فيسبوك” قائلاً “أثناء عرض مسلسل “الندم” وصل لحسن سامي يوسف تعليق يسأله ما أدراك كفلسطيني بنا كسوريين وبطبيعة مشكلاتنا لتكتب عنها؟ وترك هذا التعليق لدى حسن أثرا كبيرا حتى يومه الأخير، ولكن كل محاولات عائلته ليترك دمشق أثناء مأساتها واللحاق بهم إلى أوروبا باءت جميعها بالفشل، وحتى القاهرة لم تستطع أن تبقيه بعيدا من دمشق أكثر من عام. كل ذلك لم يجعله يتخلى عن الشام، وبقي يروي قصصها التي يعرفها حق المعرفة بحسب ما قاله أحد الصحفيين .
وكتبت الاعلامية مروى الجردي في تعقيب لها على رحيل حسن سامي يوسف تقول : في بيئة فنية سلّمت مفاتيحها إلى منصات الأعمال القصيرة في العمر والتأثير، والمشاهد المُعدة لتصبح ترينداً مبتذلاً، لا مكان للمبدعين والأقلام المتفردة من قيمة كاتب “الندم” عمله الأكثر شعبية وسوداوية في آن. ومع موته نُعيد النبش في آخر أعماله، فنصل إلى منشور سابق تحدث فيه الكاتب عبر حسابه في منصة “فيسبوك” عن صعوبة إيجاد منتج لأعماله خلال السنوات الأخيرة بسبب “عدم ملاءمتها” لشروط شركات الإنتاج، مؤكداً عدم استعداده “لكتابة أعمال لا تشبه واقعنا حتى لو أصبح عاطلاً عن العمل.
موت “الأمير الأحمر”
وكشف الجردي أن مشروع مسلسل حمل اسم “الأمير الأحمر” كان آخر محاولات حين سامي يوسف الدرامية ليبقى على قيد التلفزيون، تجربة أُجهضت قبل أن ترى النور لأسباب سياسية “فوق طاقة الجهة المنتجة” كما أشار الكاتب الفلسطيني السوري لاحقاً، وكان من المفترض أن يستعيد العمل السيرة النضالية للقيادي في منظمة التحرير الفلسطينية “علي حسن سلامة”.
وأشارت الجردي إلى عمل آخر واجه ذات المصير، وهو مأخوذ عن روايته “على رصيف العمر”، لكن هذه المرة بسبب “أنه لا يمكن تسويقه” حسب شركة الإنتاج التي تسلمت النص، وربما قد يكون هذا النوع من الحوادث هو ما دفع حسن سامي يوسف خلال العام الماضي للشروع بكتابة نص سماه “صلاة الغائب” ربما كان يقصد بها “الصلاة” على موت الدراما الحقيقية التي خبرها.
هذه الأرض أرضي كانت وستبقى
نعم .. تمتلىء اللهاة اليوم بالغصة الهائلة مع رحيل الروائي والسيناريست الفلسطيني حسن سامي اليوسف، أحد أهم كتاب الدراما العربية والذي “أخبرنا أسرار المدينة وجعلنا نعرف معنى الانتظار وهو ينسج تفاصيل الغفران قبل أن يحتل زمن العار أيامنا ونشعر بالندم” وفق ما رثاه أصدقاؤه ناعتين إياه بالمعلم وبكاتب الدراما السورية الحقيقية .
اشتهر حسن سامي اليوسف “أبو علي”، كما أحب أن يناديه أصدقاؤه، رغم أنه لم يذق طعم الأبوة، بمقولته: كلّ الأحلام ضائعة، وكلّ الطموحات مفقودة، ما دام الوطن مفقوداً”، وفي روايته “عتبة ألم” التي جسّدت سيرته الذاتية، ذكر أنّ “فلسطين أرضٌ سورية تمّ اغتصابها بمؤامرة كونية فريدة من نوعها في تاريخ البشر.. هذا ما أؤمن به، وهذا ما لا أجادل فيه، كنتُ وما زلت وسأبقى مؤمناً بأنني سوري أعطوه اسم: فلسطيني”.
لقد احتفظ صاحب “هموم الدراما” حتى اليوم الأخير من حياته بالوثائق التي تثبت ملكيته للأرض التي ورثها عن أبيه في قريته “لوبية”، وهي وثائق مكتوبة باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والعبرية، وهناك نسخة منها في وزارة المستعمرات البريطانية وهذه المستندات تعود إلى العام 1947 وكان دائماً يوسف يقول “يمكنهم أن يتلاعبوا بهذه المستندات، لكن ما أعرفه أن أبي وزع الأرض علي أنا وأخوتي يوسف ومحمود وحسن وهذه الأرض أرضي كانت وستبقى”.
سيرة إبداع
وفي السياق تقول سيرته الذاتية إنه ولد في قرية لوبية بفلسطين في العام 1945 وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدراس الأنروا، والثانوية في ثانوية عبد الرحمن الكواكبي. بعدها عمل ممثلا في المسرح القومي في دمشق، وبعد نكسة العام 1967، ساهم مع عدد من الشباب الفلسطيني في تشكيل فرقة المسرح الوطني الفلسطيني التي قدمت عروضا كثيرة على مسارح العواصم العربية.
في العام 1968، أرسلته وزارة الثقافة السورية لدراسة السينما في الاتحاد السوفيتي في المعهد العالي للسينما في موسكو ( كلية السيناريو) فتخرج منها بعد خمسة أعوام وعاد إلى دمشق حاملاً الماجستير في هذا الفن، فعين في المؤسسة العامة للسينما كرئيس لدائرة النصوص وهو عضو في هيئة تحرير مجلة “الحياة” السينمائية التي تصدر في دمشق.
كتب حسن سامي يوسف عددا كبيرا من سيناريوهات الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة منها: قتل عن طريق التسلسل – الاتجاه المعاكس- غابة الذئاب – يوم في حياة طفل.
كما أنه عمل مستشارا دراميا للكثير من الأفلام إالتي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما في سورية منها: (وقائع العام المقبل)، و(حادثة نصف متر)، و(نجوم النهار)، و(رسائل شفهية)، و(صعود المطر).
وكتب للتلفزيون عددا من المسلسلات التي لقيت صدى طيباً لدى الجمهور السوري والعربي منها: (شجرة النارنج)، و(الشقيقات)، و(نساء صغيرات)، و(أسرار المدينة)، و(حكايا خريف)، و(رجال ونساء)، و(الغفران)، و(زمن العار)، و(السراب).
وأما الروايات التي كتبها حسن سامي يوسف فهي :
• “الفلسطيني”، 1988 – “الزورق” ، 1990-“رسالة إلى فاطمة”، 1996 – “فتاة القمر”، 1999- “بوابة الجنة”، 2007 و”عتبة الألم” ، 2016
للإشارة فقد حوّل “المعلم” رواية “فتاة القمر”، في العام 1999 إلى مسلسل “نساء صغيرات”، ورواية “عتبة الألم” نتج عنها مسلسل “الندم” في العام 2016.
كما ألف كتاب “هموم الدراما” في العام 2001الذي تحدث فيه بإسهاب عن الدراما السورية ومشكلاتها، وكذلك ترجم كتاب “المسألة اليهودية” لفيودور دوستويفسكي.
وخلال مسيرته الفنية والأدبية الغنية حصد الراحل العديد من الجوائز منها جائزة محمد بن راشد للدراما العربية، جائزة التلفزيون السوري لأفضل سيناريو، جائزة أفضل سيناريو في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون.
بقلم : مها الورهاني
كاتبة وإعلامية
ألمانيا