الاسم د/ آمال طرزان
اتفقت أن ألتقي بصديقتي “نور الهدى” في الساعة الثانية عشرة ظهرًا في النادي، وقالت أنها ستحاول أن تجعل ابنة خالتها “فرحة” تخرج معنًا حتى تغير من حالتها النفسية بعد انفصالها عن زوجها. “فرحة” في العقد الثاني من عمرها رزقها الله جمالاً جذاباً، فقد شبهوها بجورجينيا رزق ملكة جمال الكون، إلا أنها تحيا حياة تعيسة بعد زواجها بشاب في أواخر العقد الثاني من العمر، فقد استمر هذا الزواج عامين ونصف من الإهانة اللفظية والجسدية والضرب المتكرر، قد أثمر زواجهما عن إنجاب طفلة. وبعد انفصال “فرحة” تعرضت لمواقف جارحة من بنات جنسها المتزوجات؛ بسبب الخوف من المطلقات خشية أن يخطفن أزواجهن، لذا آثرت الوحدة والعزلة وابتعدت عن الأصدقاء جميعهم لكي تبتعد عن الأقاويل.
جاءت نور بمفردها للنادي، وجلست فسألتها أين فرحة؟
-نور الهدى: قالت لي أنها ستحاول أن تحضر، ولكن كانت حالتها النفسية سيئة للغاية؛ لأن زوج أختها يرفض التعامل معها، بل إنه يضع معوقات ليحول دون لقائها بأختها، خوفًا من أن تفسد عقلها، وتحرضها على عصيانه والطلاق منه.(1)
– لقد أصبحت معاناة كثير من المطلقات في رفض أسرهن والمجتمع على حد سواء.
– نور الهدى: نعم فقد تولد لدي -فرحة وغيرها من المطلقات- الإحساس بالحزن والاكتئاب والقلق وغيرها، فعلى الرغم من اختيارها لفك الرابطة الزوجية، إلا أن الطلاق غالبا ما يترك في نفس المرأة شعورًا بالألم والوحدة وفقدان الأمل في الحصول على السعادة الزوجية، لفقدان ثقتها بالرجل والوثوق به ثانيةً. إلى جانب ذلك -يا آمال- من الناحية المالية يماطل بعض الرجال في دفع النفقة للأولاد من مسكن ومشرب وملبس، فتضطر دائما إلى ملاحقته في المحاكم؛ مما يسبب لها ضررا كبيراً يؤثر فيها وفي الأبناء، مما تعانيه من ضعف النفقة التي يدفعها الرجل لأولاده، لذلك تسعى الكثير من المطلقات لمحاولة إيجاد دخول أخرى تساعدهن على العيش، وهذا حال ابنة خالتي فرحة.(2)
– أتدرين “يا نور” أن من أصعب اللحظات على أي امرأة هي لحظة الانفصال، حيث يخيم الحزن على أوتار قلبها ليصبح بحراً لا شاطي له، وأكثر ما يؤلمني تأثير الطلاق على نفسية الأبناء.
-نور الهدى: أعلم أنكِ من أكثر المنادين بضرورة الحفاظ على كيان الأسرة، ولكن توجد حالات وأسباب متنوعة لا يمكن أن تستمر بها العلاقة الزوجية تتباين من امرأة لأخري فقد تكون ضعف شخصية الزوج وخضوعه لتأثير أمه وسيطرتها على آرائه وميوله وسلوكه نحو زوجته، أو تردده وعجزه عن الحسم واتخاذ القرارات المناسبة في وقتها الملائم. وبعض الأزواج يعمد إلى إهانة أو تحقير زوجته وإساءة معاملتها وضربها ونقدها أمام الغير في كل كبيرة وصغيرة. وقد يكون بسبب عدم توفير المسكن المستقل للزوجة؛ مما يؤدي إلى نشوب الخلافات التي قد تنتهي بالانفصال. وأيضا الغيرة الشديدة لبعض الأزواج والتي تدفعهم إلى فرض قيود حديدية على زوجاتهم، وقد تنقلب إلى حالة من الشك والريبة، وقد يكون السبب بخل الرجل خاصة إذا كان ميسورًا. وكذلك خيانة الرجل لزوجته. واختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي لكل منهما. وكذلك اختلاف العادات والتقاليد والميول والقيم والمعايير….إلخ(3). المشكلة الكبرى يا آمال في نظرة مجتمعاتنا العربية إلى المرأة المطلقة، ووصفها بأنها سهلة المنال في تصور بعض الرجال وخرابة البيوت في تصور بعض النساء فما السبيل إلى دعم المطلقات للتخلص من الأحكام النمطية التي سادت مجتمعاتنا الشرقية؟
-نحتاج إلى تغيير النظرة التي يتعامل بها المجتمع مع المرأة بعد الطلاق لنساعدها على أن تبدأ حياة جديدة حياة تتخطى ألم التجربة السابقة وفيما أعتقد:
لابد من تقديم الاستشارات النفسية والقانونية للمطلقات وتمكينهن اقتصاديا للتأهل لسوق العمل من خلال تأسيس عدد من الجمعيات والمبادرات -على سبيل المثال- جمعية “دعم” والتي تأسست لرعاية الأرامل والمطلقات بمنطقة “مكة المكرمة” لتقدم الخدمات لشريحة المطلقات والأرامل في المجتمع، والتي لديهن عدد من الاحتياجات المهمة حيث تسعى الجمعية لتقديم المساندة اللازمة والعاجلة لهن، والتي تشتمل على الاستشارات النفسية والقانونية والاجتماعية بالإضافة لتوفير السكن وغيره من الاحتياجات. ولا يقف تقديم الدعم لهذه الفئة على الاستشارات بل تسعى الجمعية لتمكينهن في المجتمع بتأهيلهن على مهارات سوق العمل ومحاولة توظيفهن بالشراكة مع القطاعات ذات العلاقة.(4) ومن المبادرات لدعم المنفصلات-على سبيل المثال- مبادرة “حياة” رُوشتة للتعافي من الطلاق لمساعدة السيدات المعيلات، سواء كُنَّ أرامل أو مطلقات، على المضي قدما في الحياة. تتمثل في تقديم مشورة نفسية من خلال جروبات “واتس آب” وليس “فيسبوك”، حفاظا على الخصوصية. يشارك بالمبادرة إخصائيون نفسيون واثنان من استشاريي العلاقات الأسرية. (3) المبادرة تستهدف تقديم الدعم النفسي للمطلقات ومساعدتهن على تخطي العقبات التي يواجهنها، كغياب الأب عن حياة الأبناء، أو تسلط الابن المراهق على أمه بتوصية من الأب، وهناك مشكلات تعانيها اللائي يرغبن في الزواج ثانية، ويصطدمن برفض الأهل الذين لا يستوعبون احتياجاتهن النفسية. هذا إلى جانب نظرة المجتمع للمطلقة على أنها المذنبة. حن نبدأ بتهيئة المرأة لتقبل العلاج المعرفي السلوكي ومساعدتها على اختيار الأنسب لها من ناحية العمل أو الزواج أو غيره بما يتوافق مع ظروفها وشخصيتها دون توجيه منا. (5)
كذلك استخدام المنظور الفني لتصحيح الصورة النمطية عن المرأة المطلقة، والتي اكتسبت من العادات والتقاليد وثقافة المجتمعات، وترسخت في أذهان الرجال والنساء. وأخيرًا تأسيس عدد من المنصات الإلكترونية التي تتناول قضايا المطلقات، وتعمل على توعيتهن بحقوقهن القانونية، وتقديم الدعم النفسي لهن.
وأخيراً تأسيس عدد من المنصات اللإلكترونية التي تتناول قضايا المطلقات، وتعمل على توعيتهن بحقوقهنّ القانونية، وتقديم الدعم النفسي لهن مع رفع شعار “امرأة مطلقة: تخطي، تحوّل، تقدم” لإدماجهن في المجتمع وتغيير الصورة السلبية تجاههن.
وبالرغم من انتظارنا لـ (فرحة) إلا أنها فضّلت العزلة، فكتبت لها رسالة عبر الواتساب محتواها ” عزيزتي (فرحة) كل منا يحيا بين الظلام والنور الضعف والقوة عندما يواجه مواقف حياتية عصيبة كالتي تمرين بها بعد الطلاق، فلا بأس من أن تشعري بالحزن والألم والإحباط ، ولكن عليكِ ألاّ تسمحي لهذه الذكريات المؤلمة أن تأسرك، وتغرق مستقبلك المشرق. لا تقولي أن هذه التجربة نهاية العالم، بل اعتبريها بداية فصل جديد من حياتك، فأنتِ من يقرر مسار حياتك . أنتظرك لتشاركينا إحدى هواياتك المفضلة”.
وعلى الرغم من قراءتها لرسالتي إلا أنها لم تبادر بمحادثتي . أتشعر معنا ـ عزيزي القارئ، عزيزتي القارئةـ كم الضغوط النفسية والاجتماعية والمهنية والقانونية التي تواجهها المطلقات في مجتمعاتنا العربية؟
(1) عيسى، بريهان فارس: المرأة ومعضلة الطلاق وزارة الاوقاف والشئون الإسلامية عدد 530 .2009م.ص61.
(2) حسين خلف الله، واخرون : الطلاق أسبابه وآثاره على الأسرة والمجتمع. ص779.
(3) سامية عبداللطيف: الطلاق ودور المرأة وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية عدد 256 1986م ص111-112
(4) https://www.daam.org.sa/#
(5) https://gate.ahram.org.eg/News/2545140.aspx