المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

حماس خلية إيرانية.. رؤية شرعية

 د/عبدالوهاب القرش

 

بعد بدء العملية البطولية للمقاومة “طوفان الأقصى”، إثيرت شبهة “علاقة حماس والمقاومة الفلسطينية بإلنظام الإيراني الشيعي” بشكل متكرر ، الهدف منها الطعن في المقاومة والتلميح والغمز بأن المقاومة الفلسطينية حركة شيعية وليست سُنَّية، وتؤيد وتساعد إيران في تنفيذ مشاريعها التوسعية في المنطقة.

إن الإنجرار خلف الناعقين فى موضوع علاقة حماس بإيران (خاصة عند حشره عند كل حادثة) ومجرد النقاش فيه خطأ كبير ونزول على أرضية المرجفين المشككين المتصهينين.. 

وذلك يكفى كل عاقل دون تفصيل …

التفصيل :لأنه موضوع متشعب وكثير من المجادلين فيه من حسن النية بريئون وبسوء القصد متلبسون، وكل أحد يظن أنه يمتلك القول الفصل والرأي السديد وغيره لاشيء عدم…

وتجد فيه خلط عجيب وتناقض فج وإفراط وتفريط وفبركة وأخبار كاذبة وبعض من الإفك وقول الزور وتضييق لما هو واسع وأحيانا تمييع وتبرير .. 

وعدم اعتبار لحال المتصرف وما هو عليه وأحكام الضرورة والحرب وخدعها ومسائل التقية …

فيقوم المزورون المجرمون المتربصون باستدعاء الأمور العظيمة العقدية فى كل فعل أو تصرّف أو تطبيق من طائفة من المؤمنين ظاهر حالهم وما هم عليه من دين واعتقاد ، ثم يتم الخلط في ذلك التطبيق بين المسائل الاعتقادية العلمية ومسائل العمل، وبين الأصول والفروع وبين القطعي والظنى، وإشغال الناس بما لا يفيدهم حيث أن كثير منهم لا يعرف تلك الفروق ولا يعلم : أن بعض المسائل الاعتقادية العلمية لا كفر فيها باتفاق (مثل التنازع حول أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه أم لا ؟) مع أن هناك فروع ومسائل عملية، المنكر لها يكفر بإجماع ( مثل وجوب الصلاة والزكاة والصيام وتحريم الفواحش والخمر).. 

ولا يعلمون أن المسألة الواحدة تكون قطعية عند من ظهر له الدليل وظنية عند من لم يظهر له …

فهؤلاء الخبيثون حجتهم واهية ودليلهم ملفق فيدخلون هذا فى ذاك ليلبسوا على العامة ويضيعونهم …

هذا لمن كان عنده دليل ملفق، فما بالك إذا غاب الدليل وتفاصيل الفعل محل الحكم عن هذا المجادل المرائي !! 

والمجادلون أقسام : 

الأول : حسنوا النية من غير (المداخلة والمخبرين والوطنجية والمنحلين) :

أسألوهم أولا : فكثير منهم يعيشون فى أمريكا وفرنسا وكندا و.. 

اسألوهم عن (حكمهم )هم أنفسهم وحكم ما تتطلبه جنسية تلك الدول أو الحصول على إقامتها؟

مع أنهم بعيدون عن بطش الحكام من قتل وسجن وتعذيب وهم ليسوا فى نفس الدرجة من الضرورة بل أن بعضهم مهاجر للتضييق عليه فى رزقه ومتطلبات حياته العادية…!؟ 

ثم خذوا إجابتهم وستكفيكم …

الثانى: التكفيريون وهؤلاء يكفرونك ويكفرون الجميع فما الجديد ؟ 

الثالث: شيوخ السلطان والمداخلة ومن على شاكلتهم وهم يتبعون الطواغيت الذين يتحالفون مع الشيطان نفسه فى مواجهة المجاهدين ..

الرابع : الوطنجية والسيساوية والمنحلين

والقسمين الثالث والرابع هؤلاء تلفانين على الآخر يقولون الشيء ونقيضه ويقولون ما لا يفعلون وهم منافقون وبعضهم اقرب للكفر من الإيمان فلا يقبل منهم صرف ولا عدل… 

ثم خذ من تلفية العصر (المداخلة) هجومهم علي المبتدعة، ثم ألقه في وجوههم ورده إلى نحوره عند مناصرتهم للطواغيت الذين يوالون اليهود والنصارى ويعينوهم على محاربة المؤمنين إبتداءا ، وعندما لا يقيمون ل (حاكمية الله) أي اعتبار ..

وخذ من المبتدعة والوطنجية والمنحلين هجومهم على السلفية وما يتبرزون به من أفواههم وألقه على وجوه المداخلة وشيوخ الفتّة وعلى لحاهم المستعارة ، بل وضعه فى أفواههم النتنة ..

وأتركهم يكفيكهم الله مؤنتهم ويكفونك مؤنة بعضهم بعض …

وبما أن هذه الشبهة تنطلق من منطلق شرعي (سُنَّة وشيعة)، فينبغي أن نرد عليها من منطلق شرعي؛ فيجب أن نعلم بأن الإسلام أباح للمضطر أن يأكل الميتة، قال تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(البقرة:173)، وقد قال السعدي في تفسير هذه الآية: فمن اضطر؛ أي: ألجئ إلى المحرم بجوع أو إكراه، غير باغ؛ أي: غير طالب للمحرم، مع قدرته على الحلال، أو مع عدم جوعه، ولا عاد؛ أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له اضطراراً، فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها، فلا إثم؛ أي: لا جناح عليه، وإذا ارتفع الجناح، رجع الأمر إلى ما كان عليه، والإنسان بهذه الحالة مأمور بالأكل، بل منهيّ أن يُلقي بيده إلى التهلكة وأن يقتل نفسه، فيجب عليه الأكل، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات، فيكون قاتلاً لنفسه، وهذه الإباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: {إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وقال ابن كثير في تفسيره: قال مجاهد: فمن اضطر غير باغ ولا عاد قاطعاً للسبيل، أو مفارقاً للأئمة، أو خارجاً في معصية الله، فله الرخصة، ومن خرج باغياً أو عادياً أو في معصية الله فلا رخصة له، وإن اضطر إليه، وكذا روي عن سعيد بن جبير.

وقد أثبتت كتب السيرة قصة عمار بن ياسر رضي الله عنه مع المشركين، وذلك عندما سلط عليه المشركون أشد أنواع التعذيب في مكة، ولم يكن ذلك العذاب له وحده، بل لكل العائلة؛ لأبيه ولأمه، فقد وضعوا الصخر الملتهب على صدره، وضربوه ضرباً شديداً، وقاموا بقتل والديه أمامه، ياسر وزوجته سمية رضي الله عنهما، وطلبوا منه أن يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمام هذا القهر والتعذيب والإكراه الحقيقي، والقتل الفعلي الذي حدث لأعز الناس لديه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأمام الألم الرهيب الذي كان يحس به في كل ذرة من جسده، قال ما أراده الكفار منه، وسبَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم، سبَّه بلسانه مع أن قلبه لا يُقدِّم عليه أحداً من خلق الله ولا حتى نفسه التي بين جنبيه.

ومع أن الموقف سليم شرعاً، لكنه جاء مسرعاً باكياً معتذراً تائباً بمجرد أن تركه الكفار، فشكى حاله للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ويعتذر إليه مما فعل، وقال له: قد قلت فيك كذا وكذا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “كيف تجد قلبك؟”، قال عمار: أجده مطمئناً بالإيمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن عادوا فعد”؛ فأنزل الله عز وجل قوله:{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل:106).

وقصة نعيم بن مسعود رضي الله عنه في غزوة “الخندق” معروفة للجميع، حيث أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخذّل عن المسلمين بالإيقاع بين المشركين ويهود بني قريظة.

فإذا كانت حركة حماس اضطرت اضطراراً للتعامل مع إيران فلها العذر؛ وذلك لأنها تتعامل مع عدو لا يرقب في مؤمن إلًّا ولا ذمة، وقد تخلى عنها من حولها وتركها تواجه هذا الإجرام الصهيوني.

وفي الأخير نقول لكل مرجف متقاعس لك أن تنتقد المقاومة بإلقاء نفسها في حضن إيران قبل أن توفّر لهم البديل.

والأهم من ذلك: قبل أن تنتقد علاقة المقاومة بإيران، فسر موقفك وعلاقتك بالأمريكي واليهودي؟

وكما يقول المثل، الذي بيته من زجاج، لايرمي الناس بحجارة!

باحث في الفكر الإسلامي