المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

حوار مع الفائزة بجائزة نوبل 2024 هان كانج حول روايتها الأخيرة دروس يونانية

إعداد: بيرنا جونزاليس هاربور
ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم

“توقفت عن الكتابة لمدة عام ونسيت كيف أفعل ذلك”

بعد نجاح رواية “النباتية”، تعود الكاتبة برواية “دروس يونانية”، وهي رواية عن كيف يمكن للغة، حتى في خضم الصمت، أن تساعد في محاربة العزلة.
تُعد هان كانج واحدة من أروع الكتاب في الساحة المعاصرة. فازت بجائزة البوكر العالمية عام 2016 عن روايتها “النباتية”، وهي صورة خانقة للعزلة التي يمكن أن ينغمس فيها الإنسان عندما يحدث تغييرا في حياته دون إذن الآخرين.
الآن، نشرت الكاتبة الكورية الجنوبية، التي ولدت في غوانغجو عام 1970، رواية “درس اللغة اليونانية”. الرواية هي صرخة صمت، حيث تحارب اللغة الفناء. بطلة الرواية امرأة فقدت صوتها وأمها وحضانة ابنها. لمكافحة هذه المآسي، تلجأ إلى لغة ميتة – اليونانية القديمة – في محاولة لاستعادة ما سُلب منها. وفي فصلها، ستجد أستاذًا يفقد بصره… تمامًا مثل بورخيس، المؤلف الذي كان حاضرًا جدًا في هذا الكتاب. تشكل العلاقة بين الاثنين العمود الفقري لقصة تثير العديد من الأسئلة للقارئ: كيف نعيش بدون صوت؟ ماذا لو علمنا أننا سنفقد بصرنا؟
تحدثت هان كانج مع صحيفة EL PAÍS / البلد أثناء زيارتها لمدينة مدريد.

 

سؤال. هل روايتك الأخيرة مستوحاة من تجربة شخصية؟
الجواب. بعد رواية النباتية، التي كانت روايتي الثالثة، بدأت في كتابة الرواية الرابعة. ولكن عندما وصلت إلى الفصل السابع، لم أستطع الاستمرار، فقد أصبت بانسداد إبداعي. توقفت عن الكتابة لمدة عام، ونسيت كيف أقوم بذلك. لم أستطع حتى قراءة أي عمل روائي. وبعد فترة راحة طويلة، تمكنت من الكتابة مرة أخرى. وهكذا وُلدت هذه الرواية الخامسة — درس اللغة اليونانية — التي بالتأكيد نشأت من الصمت الذي عشته.

سؤال: لماذا تعتقدين أنك فقدت القدرة على الكتابة؟
الجواب: ربما لأنني لم أكن صادقة في ذلك الوقت. كنت أفتقر إلى الصدق أثناء الكتابة، ولهذا لم أستطع الاستمرار. لاحقًا، أدركت أن الحقيقة يمكن أن توجد أيضًا داخل الخيال. كتابة الرواية لا تعني بالضرورة فقدان الحقيقة. عليك البحث عن تلك الطرق [التي تعيدك إلى الكتابة] حتى لو كانت ضيقة.
تتحدث الكاتبة هنا عن الصدق الداخلي للرواية ومحاولتها لتحقيق الأصالة ككاتبة، وهو ما ينعكس على شخصياتها وأعمالها فى النهاية . في هذا السياق، تحتل اللغة مساحة محورية. في الوقت ذاته، تعد اللغة القوة المحركة للصحوة، لكنها أيضًا قد تكون سببًا في الانهيار والصمت. لا يجب أن ننسى أن بطلة الرواية لديها ابن لا تستطيع التحدث إليه.

سوال. ماذا يعني الصوت واللغة بالنسبة لك ولبطلتك؟
الجواب. فقدت البطلة قدرتها على الكلام وهي تحاول استعادته بكل قوتها. إن عملية استعادة اللغة هي نفسها عملية استعادة الحياة.

سؤال. كيف تعرفين اللغة؟
الجواب. إنها وسيلة فريدة ومهمة، لكنها في الوقت ذاته تجعلني أعاني. لأنها وسيلة مستحيلة، فهي تنفلت بسهولة.

السؤال. لقد قلت ذات مرة أن اللغة سلاح ذو حدين لا يمكن الإمساك به.
الجواب. نعم، هذا ما كنت أفكر فيه أثناء كتابة هذا الكتاب. اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي تجعلني أحتضن الحياة، وفي الوقت نفسه، أسفك الدماء. أتمسك بالغة بشدة، لكنني أشعر أيضًا بالإرهاق من التعامل معها.

السؤال: أنتِ شاعرة وكتابكِ أيضًا شعري. هل الكاتب الذي لا يكتب الشعر كاتب أقل ثراءً؟
الجواب: هناك كتّاب لم يكتبوا الشعر أبدًا، لكن الشعر حاضر في أعمالهم. عندما أكتب رواية، أشعر أن القصائد تغزو عملي. أحيانًا أستخدم القصيدة ذاتها، وفي أحيان أخرى أستخدم عبارات عادية بلمسات شعرية. لقد أثر الشعر فيّ كثيرًا.

السؤال: ذكرتِ بورخيس واستلهمتِ منه. ماذا يعني لكِ؟
الجواب : بالإضافة إلى كل ما أحبه في أعماله، قال بورخيس إن فقدان البصر تدريجيًا يعادل اقتراب ليلة الصيف شيئًا فشيئًا… هكذا وصفه. وبالنسبة لي، هذه هي القصة التي نتشاركها. إنها الحالة التي تجمعنا جميعًا، كل البشر.

على الرغم من أنها لا ترغب في تعريف نفسها، يمكن اعتبار هان كانج روائية العزلة والفقدان. في رواية النباتية، تفقد البطلة كل العلاقات. تبقى فقط أختها، التي لا تفهمها حتى. أما في دروس اليونانية، فيلتقي شخصان معزولان ببعضهما. تقول هان: “في الصمت، يمكننا أن نشعر باللغة بشكل أقوى”.
عندما سُئلت عن كيفية وصف كتابها الأخير، أجابت: “إنه رواية تطرح أسئلة.” وكشفت عن

السؤال الذي أرشدها: ما هو الجزء الأكثر ليونة في الإنسان؟
حسنًا، تجيب البطلة من خلال الكتابة على راحة يد معلمها: هكذا تتواصل. “بالنسبة لي، الأهم هو أن تقص أظافرك جيدًا حتى لا تؤذي الشخص الآخر عندما تكتب على يده، في الظلام والصمت. هذه المشهد هو الأهم بالنسبة لي. أتحدث هنا عن الليونة والحنان في جوهر الإنسان.”
اختارت هان اللغة اليونانية القديمة بفضل محادثة مع محرر فلسفي علّمها أشياء كثيرة جذابة عن اللغة. “الكلمة لها معانٍ متعددة. كان ذلك يجذبني كثيرًا. وفي الوقت نفسه، هي لغة ميتة. هذا التناقض أثار اهتمامي للغاية.”
تكتب هان بمجرد أن تستيقظ، حتى قبل أن تفتح عينيها تمامًا. تقول: “هذا هو الوقت الذي يكون فيه ذهني الأكثر صفاءً”. روايتها الرابعة — التي تسببت في انقطاعها عن الكتابة — قد اكتملت أخيرًا وستنشر قريبًا باللغة الإنجليزية. مسيرتها التي لا تعرف التوقف مكنتها من إقامة علاقة قوية مع جمهور القراء في العديد من البلدان. وهي تدرك أن ازدهار الأدب والسينما الكورية الجنوبية قد ساهم أيضًا في نجاحها في الغرب، حيث تلاحظ مؤخرًا تزايد عدد الأشخاص الذين يحيونها بلغتها ويقولون إنهم يتعلمونها.
هذا التواصل العالمي يعكس تأثير الأدب الكوري المتزايد وأهميته في المشهد الأدبي العالمي، ويسلط الضوء على كيفية تقارب الثقافات عبر الأدب واللغة.
تقول هان: “الحظ الذي أمتلكه هو أنه يبدو وكأن لدي زر يمكنني تشغيله وإيقافه في أي وقت. عندما أكتب، لا أفكر في القراء… أترك هذا الزر مغلقًا. وعندما يتعلق الأمر بالكتابة، فإن كل ما أفكر فيه هو الكتابة فقط. هذا هو حظي.”
============
المحاورة: بيرنا جونزاليس هاربور (سانتاندر، 1965) هي صحفية وكاتبة إسبانية. حاصلة على شهادة في الصحافة من كلية علوم المعلومات في جامعة كومبلوتنسه في مدريد. تعمل صحفية في صحيفة إل بايس، وناقدة أدبية، وتكتب القصة القصيرة .