المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

دماء الشهداء وقود للمقاومة

 د/عبدالوهاب القرش

 

في مساء اليوم الـ 299 من العدوان الصهيوني على غزة، انتبه المخلصون على خبر استشهاد والدهم والد الشهداء قائدهم وقائد الأمة سيد الرجال ذلك الذي عجزت الكلمات عن رثائه وعزاؤنا أن الله اصطفاه شهيدًا رحم الله الشهيد القائد المجاهد إسماعيل هنية..

إسماعيل هنية – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس – من قادة المقاومة الكبار في عصرنا الحاضر ‏الذين وقفوا بكل شجاعة أمام مشروع الهيمنة الأمريكي والاحتلال الصهيوني، وحملوا ‏دماءهم على اكفهم مستعدين للشهادة في سبيل القضية التي آمنوا بها وكانوا ‏ينتظرون هذه الشهادة دائما وعلى طول الطريق.

لقد قضى هنية حياته بين إبعاد وأسر وملاحقة متواصلة وقيادة مرحلة حرجة في تاريخ الشعب الفلسطيني، قبل أن يترقي شهيدًا ملتحقًا بركب من ودّعهم من أفراد العائلة خلال حرب الإبادة.

لقد كان هنية حريصًا دائمًا على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وسعى كثيرًا لأجلها، كما قاد “حماس” ببصيرة عالية وفكر راجح، في مرحلة حرجة وحاسمة من تاريخ القضية الفلسطينية، ونجح في تحقيق إنجازات هامة على الصعيد الوطني.

لقد هيئ إسماعيل هنية حياته أن يكون مضرب المثل في العدل والنزاهة وإنكار الذات – أعني الذات الدنيا – بحيث بلغ الغاية من تأكيد الذات – أعني الذات العليا التي تتجاوز الذاتية – لتتجسد فيها الموضوعية المتجردة عن الأهواء.

ثلاث مقولات ظلّ يرددها الشيخ إسماعيل هنية، حدد بها خطّ سيره في الحياة، صار يُعرف بها، وتُعرف به:

1. “لن نعترف بإسرائيل”. 

2. “لن تسقط القلاع ، ولن تخترق الحصون”.

3. “سنأكل الزعتر والملح والزيتون ولن نطأطئ الهامات ولن نهون ولن نتراجع”.

لقد مات إسماعيل هنية..فالموت نهاية كل البشر..ولكن لئن مات إسماعيل هنية البطل،وإسماعيل هنية الرجل، فليحيى إسماعيل هنية المثل، ما بقى للعظمة فضل مشهود وذكر ممدود، وهمة يستحق صاحبها الثناء والخلود.. صفحته مليئة بالجهاد والصبر والرباط ، أدّى الأمانة رغم الكثير من الإساءات بحقه وأنهى اختبار الدنيا.

وما أشبه اليوم بالبارحة..فقد أخذ الراية زيد بن حارثة فأستشهد،ثمَ أخذها جعفر بن أبي طالب فأُستشهد، ثم أخذها عبدُ الله بن رواحة فأُستشهد، ثمّ أخذها سيف من سيُوف الله خالد بن الوليد ففتَح الله عليه.. ما أشبه هؤلاء بأولئك..لما وصل خبر مقتل مصعب بن الزبير إلى مسامع عبد الله بن الزبير، خطب قائلا: “إن يُقتل فقد قُتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتف أنوفنا ولكن نموت قعصاً بأطراف الرماح وموتاً تحت ظلال السيوف، وإن يقتل مصعب فإن في آل الزبير خلفا منه عيشة هنية وميتة هنية”.

لم يكن إسماعيل هنية الأول على درب الشهادة ولن يكون الأخير؛ فقد سبقه من قادة المقاومة في داخل فلسطين أحمد ياسين والرنتيسي..وأغتال الاحتلال الصهيوني من قادة المقاومة في خارج فلسطين فتحي الشقاقي وخليل الوزير، ومن قبلهم: عمر المختار وعزالدين القسام.. وقبلهم من هو خير منهم: حمزة بن عبد المطلب وأنس بن النضر. هذه النهاية التي يتمناها القادة المخلصون ولمثل هذا اليوم يعملون.

لو أن المقاومة تنتهي باغتيال القادة لانتهت باغتيال الشيخ أحمد ياسين، ولكن المقاومة فكرة تزرع في الأجيال والفكرة لا تموت، وما نجحت المقاومة في إنتاجه وإفرازه من قادة عظماء بعد جميع عمليات الاغتيال، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك مؤسسية المقاومة، ومتانة تنظيمها، وقوة صفها القيادي والنخبوي.

ألا يعلم الصهاينة أنه حين يغتال قائدًا فإنه يرقّي من خلفه قائدًا أشرس؛ محمّلًا برزانة الخطة، وبغريزة الثأر، وبنار الانتقام لاستشهاد سلَفه، أما القائد الشهيد فيُمنح مكافأة أبدية لنهاية الخدمة، قبل أن تتحول روحه لاسم صاروخ جديد، بيد قائد جديد. اصبروا وصابروا ورابطوا، فلو شاء ربك ما فعلوه، وهكذا يجدد الله بأعدائه دماء دعوته.

لولا استشهاد أحمد ياسين لما شهدنا بأس إسماعيل هنية وبلاءه، ولولا استشهاد صلاح شحادة لما عرفنا محمد الضيف ورأينا صنيعه، ولولا استشهاد الرنتيسي لما ذاقت إسرائيل بأس السنوار.

الأيام دول يا صهاينة، الأيام دول، والآتون أشد بأساً وأعظم خطراً..

تسقط الأجساد ولا تسقط الفكرة.. لقد اغتالوا الشيخ أحمد ياسين ولم يكسروا القضيه، بل زادت عزيمة المجاهدين وقاموا بتخليد ذكراه بقذائف “الياسين” التي تدمر اليوم مركبات الإحتلال.. أيا من أوجعتكم حياته وسرتكم وفاته، والله ليؤرقنّكم اسم هنيّة حيا ومرتقيا.

من يصدق الله يصدقه الله والرجال على قدرِ كلامهم ويموت المرء على ما عاشَ عليه طلب إسماعيل هنية الشهادة فنالها، وسعى فوصل هنيئاً له ، والله هنيئاً..

استشهاد هنية، وقبله ثلة من أبنائه وأحفاده، يضاف إلى لائحة الشهداء القادة الافداد، دليل على وحدة مصير الشعب الفلسطيني المجاهد، الذي يضحي من أجل تحرير ارضه ومقدساته ،الكبير والصغير، النساء والرجال ،ومن كان منهم في غزة اوالضفة اوالخارج، هو شعب مجاهد شهيد في الحال اوفي الاستقبال، وكفى… شعب يحق قول الله فيه {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.

سؤالاً إلى الذين كانوا ينالون من إسماعيل هنية وعائلته على مدار سنوات، ورد أحدهم أن هنية قدم أكثر من 60 شهيدا من عائلته واليوم هو يرتقى ويلحق بهم؟!!..

فبكلِّ حال ستلقون الله وخصيمكم يوم القيامة شهيد مجاهد مظلوم!

فاللهُمَّ تقبَّله من الشهداء، وأجر فلسطين في مصيبتها، وأخلفها خيراً منها!

باحث في الفكر الإسلامي