المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

فلسطين بداية حرية الإنسان

حسن عجمي

 

     فلسطين عودة الروح إلى قِيَم الحقيقة والمعرفة والأخلاق لأنها دعوة استيقاظ وتحرّر من كهوف البرامج التي تحكم الإنسان المعاصر. فما غاية الوجود الإنساني؟ لا غاية للإنسان سوى احترام كل الحقوق كحق أن يحيا ويحيي وحق أن يعلم ويُعلِّم و حق أن يكون حُرَّاً ويُحرِّر و حق أن يُعامَل بمساواة كما يُعامَل الآخرون. وفلسطين مجموعة حقوق وبذلك فلسطين هي الغاية العليا للإنسان. فلسطين مجموعة حقوق إنسانية لا بد من أن تَسُود وإلا زالت إنسانية الإنسان بزوال حقوق الشعب الفلسطيني. فالفرد لا يكتسب إنسانيته سوى من خلال احترام إنسانية الآخرين أي احترام حقوقهم. وبذلك بلا احترام حقوق الشعب الفلسطيني تغيب إنسانية كل إنسان. لذلك انتصار فلسطين وحقوقها في الوجود والحرية والعدالة انتصار الإنسان الجديد المتصف حقاً بالإنسانية. لا إنسانية بلا حرية فلسطين وسيادتها. لذا تحرير فلسطين بداية ولادة الإنسان وحريته.

 

     فلسطين أكثر من قضية وأكثر من أمل. إنها عملية تفكير إنسانوي تهدف إلى سيادة كل الحقوق والتحرّر من مخلفات عصور الحروب العالمية و حداثتها الكاذبة التي أنتجت ما بعد المعرفة وما بعد الأخلاق و ما بعد الحقيقة والإنسانية. فلسطين ثورة على ما بعد المعرفة وما بعد الأخلاق لأنها نقيضة اختزال المعارف إلى أنظمة رمزية و خوارزمية مُحدَّدة سلفاً ونقيضة سطوة الآلة المتفوّقة ببرامجها على وجود الإنسان الثائر بفكره ومشاعره. فلسطين ثورة على ما بعد الإنسانية لأنها نقيضة تغييب مركزية الإنسان وأولويته. هكذا تُشكِّل فلسطين ثورات متتالية على جرائم قتل الإنسان ومعارفه وحقه في الوجود المتصف بحرية الفكر والتفكير والتصرّف. من هذا المنطلق، فلسطين منظومة فكرية تحررية تتضمن في الأساس قيامة الإنسان الحق المُتحرِّر من برامج التاريخ المعاصر التي اغتالت أحقية الإنسان في الوجود. لذا ليس من المستغرب أن تكون فلسطين بداية الإنسانية الحقة. فلسطين فلسفة الإنسان العليا. فلسطين هي الإنسان الأعلى بحقوقه وحريته. فلا حرية بلا ثورة ولا إنسان بلا حرية.

 

     فلسطين لغة الأحرار وفكرة الحرية المطلقة. أن تستحضر فلسطين بالكلمة والمشاعر أن تعانق الأمل في قيامة إنسان جديد متحرِّر من قيود أنانيته و سجون طغاة الأنظمة الحاكمة. تحرير فلسطين بداية حرية الإنسان المعاصر لأنَّ فلسطين دعوة إلى احترام حقوق كل إنسان لا يعتدي على الآخرين. وبذلك فلسطين منظومة معرفية عُليا فلا حقوق بلا معرفتها. أما في عصر ما بعد الحقائق فزال الفرق بين المعرفة والجهل وغابت أحقية القِيَم واستحالت إمكانية التمييز بين الحقيقة والأكاذيب. في عصر ما بعد الحقيقة، زال معيار الحكم على مصداقية الخطاب أو كذبه كما غاب معيار الحكم على أخلاقية السلوك أو لا أخلاقيته. ولكن فلسطين إستعادة الحقائق والحقوق وسيادة الحق والحقيقة. وبذلك فلسطين هي المعيار الفاصل بين الحق والباطل ونهج التمييز بين الحقيقة والأكاذيب مما يحرِّر الإنسان بصدقها وحقوقها فتؤسِّس لولادة عصر جديد خالٍ من طغيان القوة العسكرية والإعلامية. فلسطين منظومة حقوق إنسانية بل منظومة الحقوق والعدالة الإنسانية وفقط بقيامها يَسُود السلام وتتمكّن الإنسانية من أن ترتقي بإنسانيتها.

 

     لا الوجود يسبق الماهية ولا الماهية تسبق الوجود بل الحق يسبق الماهية والوجود معاً. فالحق يؤسِّس لِما يجب أن يوجد وماهيته. من هنا، فلسطين كمجموعة حقوق إنسانية تسبق أية ماهية و أيّ وجود. لا التاريخ يُحدِّد الحقوق و لا الأفعال تحتِّمها بل الحقوق أسس الوجود والماهية لأنَّ الحقوق تُعرِّف الإنسان وبذلك تصوغ وجوده وماهيته فالإنسان مجموعة حقوق. لذلك فلسطين كحقوق إنسانية، كحق الفلسطيني في أن يكون حُرَّاً في حكم ذاته، هي معيار الحكم على أحقية الوجود وماهيته. على هذا الأساس، فلسطين هي القضية الإنسانية العليا التي على ضوئها تولد الحقوق وتحيا.