المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

ماذا لو علمت جاهلية الأمس بما تفعله حضارة اليوم؟

د/عبدالوهاب القرش

لا يغركم حضارة الغرب والعيون الزرقاء فقد فاق كذبهم وتدليسهم وتأييدهم للإجرام الصهيوني في غزة وكل فلسطين كفر الجاهلية، فمنذ أكثر من تسعة أشهر مضت على الحرب في غزة المحاصرة لم يتوقف خلالها قصف المستشفيات والبينان والعمران والإنسان، وأصبح المرء منا عاجزاً عن متابعة المجازر والمذابح التي تقع كل ساعة، وتعددت المقاطع المصورة التي تنقل المأساة الإنسانية للأطفال والنساء والمدنيين في غزة، وقد تواترت الأخبار أن أغلب الشهداء والقتلى في هذه الحرب من النساء والأطفال.

يقع كل هذا الإجرام أمام صمت وخذلان عربي، وتأييد ودعم غربي واضح، ومن أهم نتائج عمليات الحرب في غزة أنها كشفت زيف قيم الحضارة الغربية وكذبها؛ فأين دعاة حقوق الإنسان والحيوان؟! وأين الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها انتصاراً لعمل المرأة، وميراث المرأة، وحجاب المرأة، وتحرير المرأة، وظلم الإسلام للمرأة؟! ألم يبلغهم خبر قتل أكثر من تسعة آلاف امرأة في تلك الحرب؟ وأين دعاة حقوق الطفل وحمايته؟ ألم يبلغهم خبر قتل قرابة ثلاثة عشر ألف طفل في هذه الحرب حتى كتابة هذه السطور؟! وأين أنصار البيئة وحماتها ألم تقرع آذاناهم أصوات القنابل الملقاة على غزة المحاصرة الأبية بالأطنان؟!

والسؤال الأهم هو:

ماذا لو علمت جاهلية الأمس بما تفعله حضارة اليوم ؟

وسنجيب عن هذا السؤال من خلال النقاط التالية:

الحرص على حرمة النساء وسترهن

كفار قريش لم يكونوا ذوي صوت خشن أو قبيحي المنظر بل كان فيهم الجميل والشهم وذو المروءة، أبو لهب مثلاً كان جميلاً، وحاتم الطائي كان كريمًا يأمر خدمه بإيقاد النار أعلى الجبل حتى يهتدي التائه ليلاً..

وعندما رابط كفار قريش عند باب دار النبي ﷺ طوال الليل بانتظار أن يخرج لصلاة الفجر لقتله، كانوا قادرين على تسوّر منزل النبي ﷺ، ولكنهم لم يفعلوا، ليس خشية منه، ولكن سترًا لبنات الرسول ﷺ، حتى أن أحدهم اقترح اقتحام بيت النبوة، فرد عليه أبو جهل الكافر معنفًا:

“- أتريد أن تقول العرب عنا أنّا تسوّرنا الحيطان وهتكنا ستر بنات محمد؟”

على النقيض تماما نرى الجنود الصهاينة يقضون مضاجع الآمنين من أهل غزة ويقتادون النساء واعتقالهم ويتعرضن لمعاملة غير إنسانية ومهينة، ويحُرمن من الفوط الصحية والطعام والدواء، ويتعرضن للضرب المبرح. ناهيك عن احتجاز عدد من نساء غزة في قفص تحت المطر والبرد، دون طعام.

الحرص على الصدق والخوف من الكذب:

كان عند كفار قريش نخوة ورجولة تمنعهم من اقتحام بيت وكشف ستر من فيه من نساء.

وحدث أن غضب أبو جهل من أسماء بنت أبي بكر الصديق، فضربها على وجهها، فظل يتبعها راجيًا إياها ألا تخبر أحدًا عن فعلته، قائلًا لها: “خبئيها عني، خبئيها عني، قاصدًا ألّا تفضحيني، حتى لا يقول الناس إني ضربت امرأة.

أما أبو سفيان، فقد خرج، عندما كان كافرًا، مع قافلة من قريش إلى أرض الروم، فاستدعاهم هرقل ملك الروم ليسألهم عن محمد ﷺ

فقال: هل تتهمونه بالكذب؟

قالوا: لا

وسألهم: وهل يغدر؟

فقالوا: لا

فسألهم: وهل يقتل؟

فقالوا: لا

عندها قال أبو سفيان: فوالله، لولا الحياء أن يأثروا عليّ الكذب لكذبته، قاصدًا أنه رفض النيل من سمعة النبي ﷺ، خوفًا من أن يُقال عنه في مكة أن أبا سفيان كذب على محمد ﷺ، لقد خاف على سمعته وهو كافر.

تأمل كيف منع الحياء أبا سفيان من الكذب رغم طغيانه وكفره؟! ثم تأمل كيف بلغت مستويات ودرجات الكذب في الإعلام الغربي وكيف عمدت لتبديل الحقائق المنقولة على الهواء والتي تعددت صورها وتكررت ليبرروا قتل الأطفال والنساء والمدنيين في المستشفيات ومناطق الإيواء، أو ليست جاهلية الأمس في صدقها خير من حضارة اليوم في تلونها وكذبها؟!

بين حلف الفضول وحلف الفجور:

رغم أن البغي والظلم كان من أظهر صفات المجتمع الجاهلي إلا أنه عرف نجدة المظلوم ورد الحق إليه؛ فقد تداعت قبائل العرب إلى تأسيس حلف الفضول، واجتمعوا له في دار عبدالله بن جدعان، وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكةَ مظلومًا من أهلها أو غيرهم ممن دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه، وكانوا على مَن ظلمه حتى تُرَد عليه مظلمتُه، وقد شهِد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحلف في شبابه وقال عنه:” لقد شهدتُ في دار عبدالله بن جدعان حِلفًا ما أحب أن لي به حُمْر النَّعَم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت”.

فماذا عن الحضارة الغربية اليوم التي دعمت وباركت سلسلة هائلة من المظالم المنقولة إلينا على الهواء مباشرة، وليتها كانت مظالم مالية، ولكنها مظالم الدماء، واغتصاب الأرض والعرض وقتل الأطفال، وتدمير البنيان والقضاء على مقومات الحياة في غزة، والحلف المعاصر صار حلفا للفجور لا الفضول؛ فوقف إلى جوار القاتل ومنع أي محاولة لإيقاف شلال الدم وقتل الأبرياء، أوَليست جاهلية الأمس خيرًا من حضارة اليوم؟! ولم تكن الأحلاف العربية أفضل حالاً من الدولية من حلف التعاون الإسلامي، إلى حلف جامعة الدول العربية تلك الأحلاف العاجزة حتى عن مجرد الاجتماع!!

أشراف قريش في الجاهلية يرفضون الحصار والتجويع:

ضَيَّقت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه حتى حاصروهم في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، وكانت من أشد الأيام على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، ورغم ذلك وُجد من العرب من تحركت الإنسانية في قلبه فتحرك لإنهاء المقاطعة، وقال قائلهم: “يا أهلَ مكَّة، أنأكلُ الطَّعامَ، ونَلبَسُ الثِّيابَ، وبنو هاشمٍ هَلْكى، لا يُباع ولا يُبتاعُ منهم، والله لا أقعدُ حتَّى تُشَقَّ هذه الصَّحيفةُ القاطعةُ الظَّالمةُ”.

وغزة وأهلها محاصرون منذ أكثر من 16 وليس 3 سنوات تحت سمع وبصر العالم وتنقطع الكهرباء عن المشافي وتموت الأطفال في الحضانات ولا يتداعى أحدٌ لنصرتهم وقطع حصارهم، أو ليست جاهلية الأمس في تلك أيضا خيرٌ من حضارة اليوم؟!

فصورة كفار اليوم أفضح وأشد وقاحة من كفار الأمس.

الرِّفعة هنا ليست في مواقف أبي جهل أو أبي سفيان وحلف الفضول ورفض الحصار على بني هاشم، بل في المجتمع الذين كانوا يعيشون فيه، فأبو جهل لم يكن ليخاف إلا لو كان يعرف أن المجتمع يرفض ما عمله، ولهذا رفضوا وتهيبوا من اقتحام بيت النبوة خوفًا على سمعتهم ونظرة مجتمعهم لهم، وكذلك خاف أبو سفيان من أنه لو رجع بكذبته إلى أهله لنبذه مجتمعه.

ومن حيث بدأت أختم…

والسوأل يعيد طرح نفسه .. ماذا لو علمت جاهلية الأمس بما فعلته وحضارة اليوم ؟

وفي ظل. الحضارة الغربية بتقنياتها وتقدمها.

باحث في الفكر الإسلامي