المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

مخاطب النسيم: الشاعر عمر البنا

 د. صلاح التوم إبراهيم/السودان 

______________

 

عمر البنا شاعر سوداني، يعد من أعمدة الغناء السوداني ولا سيما غناء الحقيبة، حيث تغنى بقصائده الغنائية معظم مغنيي تلك الحقبة، كتب شعر «الدوبيت» وعمره خمسة عشر عاما، كانت أول محاولاته في كتابة أغاني الحقيبة قصيدة «زدني في هجراني» التي قام بتلحينها مع الفنان عبد الكريم كرومة، وجدت الأغنية قولا جماهريا كبيرا، فحجز بها عمر مكانته مبكرا بين شعراء الصف الأول في الحقيبة..

وحقيبة الفن او أغنيات الحقيبة اسم راسخ في وجدان الشعب السوداني كمفهوم لأغاني حقبة معينة وثرة من تاريخ الغناء، فمن عام 1918م الي أواسط الأربعينات قد عرفت بهذا الاسم الخالد نسبة للحقيبة التي كان يحملها الاعلامي أحمد محمد صالح وبداخلها الاسطوانات التي كانت تحوي هذه الاغنيات ليعمل علي تقديمها عبر الإذاعة السودانية.

والدوبيت: ضرب شعري غنائي اشتهر به سكان المناطق الرعوية في السودان، وله أسماء أُخر في العالم العربي مثل الزجل والمواليا، أصله كلمة فارسية مكونة من شطرين أولهما (دو) ويعني اثنين، والأخرى «بيت» بمعني بيت الشعر. والمعنى واضح وهو الشعر ثنائي الأبيات، حيث يتكون الدوبيت من قصيدة غنائية طويلة مكونة من مقاطع صغيرة تتألف من بيتين من الشعر بذات القافية مع اشتراط انتهاء الشطر الأول لكل منهما بنفس القافية التي ينتهي بها البيت، وهذا ما يجعل المقطع الواحد من الدوبيت مكون من أربعة أجزاء صغيرة موحدة القافية مثاله:

الناس العلي الساحر بشقّوا الصيّ

أمسوا الليلة فوق راياً نجيض ما نيّ

ناس أب ترمة جاموس النحاس أب ديّ

عقدوا الشورة ميعادهم جبال كربيّ

والشاعر عمر محمد عمر البنا من أبناء آل البنا- من الاسر الأمدرمانية – ولد في مطلع القرن العشرين بالتحديد في العام 1900م، سمي تيمنا بجده عمر البنا والده محمد عمر البنا كان عالما وشاعرا ومن اوائل السودانيين الذين تخرجوا في الأزهر إبان العهد التركي بدأ تعليمه في خلوة والده محمد عمر البنا، بمدينة امدرمان التي درس فيها القرآن الكريم، ودرس الاولية في مدرسة والده أيضا، بعدها التحق بمدرسة أمدرمان الأميرية ثم كلية غردون التذكارية، ثم سافر بعد ذلك إلى مدينة رفاعة ليشرف على أعمال والده، حيث امتهنت الأسرة الزراعة والرعي. أحب عمر البنا المراعي والصيد والقنص، وتأثرت قصائده بذلك. كان صوته جميلا، فغنى أربعة أغاني بصوته، الا انه فضل التركيز على كتابة الشعر ولم يواصل الغناء.

سماه النقاد «مخاطب النسيم وبريده» في إشارة إلى القصائد التي تغنى بها للنسيم وشبهوه بحامل البريد الذي يحمل النسيم للعشاق بعد أن يخاطبه، من امثلة ذلك أغانيه: نسيم الروض زورني في الماسية:

يا نسيم الروض زورنى في الماسيه

وجيب لي الطيب من جناين آسيا

وأنعش روحي من الم البين

نسيم الروض نفحاتك باديه

غمرت أرجاء الحضر والباديه

أظنك مريت في ساعة هاديه

وعانقت غصين الزهره الناديه

جاتنى النسمات بطيبك ساريه

وجدت عيني دموعن جاريه

قالت ياعشوق محبوبتك داريه

بحالك وليك دائما طاريه

شكرا يا نسيم أخبارك وافيه

 وقصيدة نسيم سحرك لو يسري:

نسيم سحرك لو يسري

في الطيف يجبر كسري

تحل اسري ونظراتك ثانيه

تزيل عسري

بعدك نحسي

وقربك يسري

وقدرك يعلو سهيل والنسري

محال تبرى جروحي

ازدادت ولازم صبري

من صفا لونه نضارة التبري

وصفك اعجز فكري

وقلمي وحبري

عفافك فطري

زي قوس حاجبك هلال الفطري

من بسماتك بروق المطري

ومن عيونك سيوف الخطري

وقصيدة النسيم الفايح طيبة في رؤيا:

النسيم الفايح طيبو من رياك

مر بي وضاعف شوقي لرؤياك

******

كيف اطيق اسلاك

يا العفتك كاسياك

هيبة يا الممتاز بالأدب واسياك

أزهر البدرين في علاها ما موازياك

ولو سفرت بيخجل نورها من محياك

******

ما عرفنا الحسن يا جميل لولاك

وليك عيون جذابة غير مس واسلاك

لو تزيد تعذيبي عندي ما أحلاك

ومهما تصل عواطفي المحال اسلاك

******

صافي خمرك باذل والدرر في لماك

والبدور تتمنى تكون جواهر فاك

والحرير الناعم لو يمس قدماك

غير شك يا لادن جرحن ودماك

********

نسايم الليل زيديني

بالشذى والطيب عوديني

زاد الشوق لي يهون امتى وصاله

يا نسايم الليل آنسيني

في رجوعك لا تنسيني

بي طيب الحب آسيني

من بعد الضر ماسيني

انا برضي عشوق مهما جيوش الحب صالوا

يا نسايم ما بترعيني

ما بفيدني شذاك د…

ومن قصائده أيضا نسايم الليل وغيرها من الأغاني الرائعة ، والتي ظلت عالقة في عمق الذاكرة السودانية ، يرددها جيلا عن جيل .

ومن أغنياته التي أضحت أيقونة وملهبة الحماس ، الأهزوجة الخالدة “جيش الهنا”:

الحارس مالنا ودمنا

أريد جيشنا جيش ألهنا

 بلغنا غاية المُنى

 وأصبحت بلادنا مُؤمنة

 جيشنا القلوب طمأنا

وارتحنا وزال همَّنا

وله العديد من الكلمات المغناه بأجمل الالحان والتي أصبحت جزءا اصيلا من تاريخ الغناء السوداني، وعلى سبيل المثال لا الحصر: زيدنى في هجرانى، نعيم الدنيا، انهضوا يا شباب، زهرة الروض الظليل، جاني طيفك، انا صادق في حبك، إمتى أرجع لأم در وأعودا ، وأغنية الهلال هلا، التي كتبها ترحيبا بالفنانة المصرية سيدة الغناء العربي أم كلثوم عند زيارتها السودان:

الهلال هلا الحزن ولى

 وكوكب الأفراح في السماء اتعلا

 أهلا بيهو الهلال هلا

نور حبيب الروح النور الحلا

 أب قمر دورين في الأرض واتدلا

 أهلا بيهو

وغيرها العديد من الأغنياء الخالدات .

من عمالقة الغناء السوداني الذين تغنوا بأغاني عمر البنا نذكر على سبيل المثال : عبد الكريم كرومة، محمد أحمد سرور، الأمين برهان، فيصل الخير، وغيرهم من أباطرة الغناء السوداني .

توفي الشيخ الشاعر عمر البنا في العام 1989عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، له الرحمة والمغفرة.