المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

الكاتب العراقي الدكتور عدنان الظاهر للمجلة الثقافية الجزائرية: وُلدتُ عراقياً وسأموت عراقياً

رغم تخصصه في مجال الكيمياء، بكل ما فيها من علوم دقيقة، إلا أن الجميع يذكره ككاتب وشاعر وناقد له حضوره المميز.. للدكتور عدنان الظاهر \”إحساسي يصيب الهدف\” (ديوان شعر صادر في بغداد عام 1960.\” سورنكاث\” ديوان شعر صادر بالانجليزية عن دار\”منيرفا\”1998 ترجمت قصائده إلى الألمانية.\”رمل وبحر\” ديوان شعر صدر عن دار الحصاد بدمشق 2000. كتاب\”نقد وشعر وقص\” صادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة عام2002، يضم دراسات عن المتنبي والمعري والجواهري والسياب ومحمود دوريش ونزار قباني… في هذا الحوار مع المجلة الثقافية الجزائرية، يرد الشاعر والناقد الدكتور عدنان الظاهر على جملة من الأسئلة التي تصب في الشأن الثقافي بين القراءة والنقد والكتابة..

المجلة الثقافية الجزائرية: لو طلبت من الدكتور عدنان الظاهر أن يقدم نفسه للقارئ، ماذا سيقول؟

عدنان الظاهر: أنا عدنان بن عبد الكريم ظاهر معتوق جار الله الحاج حسين. وُلدتُ عراقياً ولم أزل وسأموت عراقياً.

المجلة الثقافية الجزائرية: أنت شاعر أيضا.. كيف يتعاطى الشاعر إلى الناقد في حالة الدكتور عدنان الظاهر؟

عدنان الظاهر: ما كنتُ ناقداً عندما بدأتُ ـ أيام المراهقة وفورات الصبى ـ محاولاتي البدائية الأولى في كتابة الشعر. يظلُّ الناقد ناقداً مع نفسه والآخرين بل ولعله أكثر صرامة مع نفسه وأضبط ميزاناً .

المجلة الثقافية الجزائرية: دعتي أسألك ما معنى الشعر في زمن الفيس بوك، والعوالم الافتراضية، وتواصل الكيبورد؟

عدنان الظاهر: الشعر الحقيقي الأصيل يبقى شعراً حقيقياً أصيلاً ما دام يعبّر بصدق وجرأة عن مشاعر قائله وثقافته ومدى تعلّقه بأهدافه ومبادئه ومعتقداته بصرف النظر عن وسيلة نشر هذا الشعر . أكرر : يبقى الشاعر شاعراً مهما تنوّعت سبل ووسائل وطرق النشر .

المجلة الثقافية الجزائرية: هل تشعر أن شاعر اليوم يؤدي الدور الذي يفترض أن يلعبه كشاعر مؤثر، وفاعل؟

عدنان الظاهر: لا ! تتبدل أغراض الشعر بتبدّل الحياة وتغيّر الأنظمة وتقلبات أمزجة الناس فلكل مرحلة تأريخية مزاجها وإيقاعها الخاصان . اكتسحت السياسة وجنون تقلبات الأسواق ، إكتسحت سوق الشعر فانكمش الشاعر وضؤل دوره في الحياة حتى غدا الشعر بعض الكماليات يمارس قوله البطرانون والعشّاق والمفلسون وضحايا الإستبداد والعسف السياسي .

المجلة الثقافية الجزائرية: لكن قراء الشعر في تراجع كما يقول بعض المنظرين الثقافيين؟

عدنان الظاهر: لا أقطع برأي في هذا الموضوع لإفتقاري إلى البيانات والإحصائيات ذات العلاقة . سوى ملاحظتي أنَّ عدد الشواعر والشعراء في تزايد مستمر وهذا لا يدلُّ على كساد في سوق الشعر .

المجلة الثقافية الجزائرية: تخصصك الدراسي كان في الكيمياء ، ومع ذلك الجميع يعرف الدكتور عدنان الظاهر الكاتب الشاعر والناقد، ولا يذكرون الباحث الكيميائي.. كيف حدث ذلك؟

عدنان الظاهر: معهم كل الحق . تركت الكيمياء والأبحاث والتدريس الجامعي متقاعداً وانصرفت بما تبقّى فيَّ من طاقة لشؤون الأدب لكي أقتل الوقت قبل أنْ يقتلني فأنتصر في سنيِّ التقاعد على الحياة !

المجلة الثقافية الجزائرية: اشتغالك على النقد يجعلني أسألك: ما هو النص الذي تشعر أنه مكتمل الجمال حين تطلع عليه؟ما هي صفاته وأبعاده؟

عدنان الظاهر: لكل نص ، شعرياً أكان أو روائياً ، مزاياه الخاصة وآليات تكوينه المميزة وأفضل النصوص عندي ما أجد فيها صاحب النص شاخصاً أمامي عملاقاً وقوة شخوصه على قدر إبداعه حتى يخيّلُ إليَّ في الغالب أني في خضرة ربٍّ قاهر قدير يثقفني ويُعيد تكويني وخلقي من جديد فأسجد له أو لها . النص هو صاحب أو صاحبة النص دماً وعصباً ولحماً . لذلك أصرّ على معرفة كتاب وكاتبات النصوص قبل الشروع بالكتابة عمّا أنتجوا . ثم للكمال وجوه لا حصرَ لها والمبدعون درجات ومقامات وقدرات كما قال المتنبي [[ على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ .. ]].

المجلة الثقافية الجزائرية: ما معنى أن يكون الإنسان ناقدا، وهل تشعر ان الناقد محكوم بالنظرة النقدية الثاقبة أكثر مما هو محكوم بقراءة النص قراءة سوسيوبوليتيكية كما يفعل بعض النقاد؟

عدنان الظاهر: أقرأ النص كما هو وكما أفهمه وأفسّره لا كما يريد كاتبه . لكل منا وجهات نظره الخاصة ولكل منا أهدافه وفلسفته في الأدب وطرقه في التحليل والمقارنات والاستنباط فالكاتب يكتب ما يريد قوله لكني أقرأ هذا وأقرأ ما وراءه وأقرأ ما لا يريد هذا الكاتب . الكاتب يكتب على سطح الورقة لكني أحفر وأبحث عمّا أخفى وما فاته وما خفيّ عليه فالجذور والأنساغ في التربة تحت الأرض .

المجلة الثقافية الجزائرية: تناولت الكثير من النصوص الأدبية بالنقد، بحيث يبدو لي أنك قارئ نهم للتجارب الأدبية القديمة والحديثة.. أريد أن أعرف ما هي نقاط الاختلاف بين كاتب الستينات أو السبعينات من القرن الماضي وكاتب اليوم؟

عدنان الظاهر: الإجابة عن هذا السؤال عسيرة . خلال العقود التي ذكرتها كنت منصرفاً للتدريس والبحث في حقول الكيمياء فلم أستطع مواكبة الحركات الأدبية . عموماً لا إبداع بدون حريات سياسية وشخصية وكثير من المبدعين العرب أبدعوا مقيمين أو لاجئين في بلدان أخرى هرباً من ملاحقة أو بطش أو سجن أو قتل . هل نتوقع إبداعاً في بلدان مثل تونس إبن علي ومصر مبارك بالأمس وليبيا وسوريا واليمن اليوم ؟ الجواب معروف !

المجلة الثقافية الجزائرية: لعل الكثير من الكتاب لا يعطون أهمية للنص الذي يكتبونه، بحيث يخيل إلينا أنهم يكتبون على عجل، لأجل النشر، أو الطبع.. ما رأيك؟

عدنان الظاهر: الكتّاب ـ كما قلتُ قبل قليل ـ مستويات وقدرات ومقامات ودرجات متفاوتة شتّى . منهم السطحي العجول وفيهم المتأني الدقيق الحريص على سمعته وسمعة ما ينشر . سوق الأدب اليوم سوق رأسمالية بكل ما في هذا النظام من حسنات ومساوئ والإنسان هو ابن ونتاج وإفراز حقبته وعصره وخلاصة زمانه إلاّ ما ندر من استثناءات .

المجلة الثقافية الجزائرية: هذا يدعوني إلى سؤالك عن نظرتك إلى الكاتب العربي، هل تشعر أنه أكثر عمق في تعاطيه مع النص، ومع اللغة، ومع الدلالات التي ترمز إليها ضمن علاقته بإنسانيته، بأرضه، وبحريته؟

عدنان الظاهر: أكثر عمقاً ممن ؟ الأدب  مكون واحد من مكونات المجتمع يكون كيف تكون هذه المجتمعات يتأثر بكافة المنجزات العلمية والتكنولوجية والإقتصادية والكاتب جزء يسير من كلٍّ متحرك نابض متطور يعكس عمق ومديات تطور مجتمعه لذا أعتقد جازماً أنَّ الكاتب أو الشاعر [ أقصد كلا الجنسين ] في المجتمع الرأسمالي أكثر تطوراً فيما يكتب من نظيره في العالم العربي وأعمق نظرة وأوسع ثقافة . لذا برز فيهم كتاب عظام أفضل وأكثر مما لدينا اليوم وعلى امتداد أعوام القرن العشرين . لهم قصب السبق وفيهم واضعو النظريات وفيهم فلاسفة معروفون . ولا من عجب ، فنظامهم السياسي والإقتصادي أكثر تطوراً من الأنظمة العربية والحرية على رأس الجميع .

المجلة الثقافية الجزائرية: هذا يشجعني على سؤالك عن رأيك في الثورات العربية الراهنة،.. أين يوجد المثقف فيها؟

عدنان الظاهر: أنا بدون تحفظ مع الثورات العربية أجد فيها لي مُتنفساً وتعويضاً عمّا لحقني من ظلم وتعسف وكبت لحريتي لذا أفهم الثورة وأعي دوافعها وأدافع عنها بما أستطيع من وسائل متواضعة فلقد كتبت خمس مقالات عن ثورة شباب ميدان التحرير المصرية في قلب القاهرة وما زلت معها أتابع أخبارها بعد انتصارها ولا تفارقني مخاوفي على مصيرها فشباب الثورة ما زالوا بعيدين عن مركز وسلطة اتخاذ القرار ! غالبية المثقفين الكبرى مع الثورات العربية الراهنة لأنهم من طلائع المهتمين بها ومن أوائل المتأثرين بنتائجها ومن أكابر المعانين من كبت الحريات وغياب الديمقراطية في البلدان العربية مشرقاً ومغرباً . يحضرني قول محمود درويش :ومن الخليج إلى المحيط إلى الوسطْ شاهدتُ مِقصلةً فقطْ

المجلة الثقافية الجزائرية: دعني أسألك كيف يقرأ الدكتور عدنان الظاهر المشهد الأدبي والثقافي في العراق منذ سقوط صدام حسين، وداخل واقع الاختلال؟

عدنان الظاهر: تركت العراق فجر التاسع من شهر تموز ( يوليو ) عام 1978 ولم أره حتى اليوم ! لكني رغم ذلك أستطيع الزعم أنْ قد نال المشهد الثقافي العراقي بعض التطور بعد سقوط نظام حزب البعث وحكم صدام حسين بسبب بعض أجواء الحرية المتاحة اليوم أمام الكتاب والشعراء والمثقفين وإنْ كانت حرية ناقصة بسبب النوعين من العسف : السياسي ثم الديني بدرجة أكبر . أُستشهد الكثير من الصحافيين والمثقفين وبعض رؤساء التنظيمات النقابية وكان آخرهم رئيس هيئة المساءلة والعدالة المرحوم علي اللامي . لا أتكلم على العدد الهائل من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات الذين سقطوا قتلى على أيدي مجهولة ـ معروفة . أتحْ حرية واسعة حقيقية للناس تجد العجائب والمثقفون هم بعض الناس !

المجلة الثقافية الجزائرية: أنت مقيم في ألمانيا منذ سنوات طويلة، ما الاختلاف الذي تراه بين المثقف العربي والمثقف الأوروبي مثلا، ضمن تواصلك مع مجتمعين مشرقي بحكم انتمائك وغربي بحكم حياتك؟

عدنان الظاهر: لقد بيّنتُ في فقرة سابقة ماهية الفروق بين المثقف العربي والآخر الغربي . الفروق هي في الأنظمة القائمة هناك والقائمة هنا . فروق علمية ـ تكنولوجية وحضارية معاصرة بالدرجة الأولى والمثقف نتاج عصره وزمنه وثمرة تربته وشجرته .

المجلة الثقافية الجزائرية: وما مدى اقترابك من الأدب الجزائري؟ وما الأسماء الأدبية الجزائرية التي تلفت انتباهك من الجنسين؟

عدنان الظاهر: لسوء الحظ معرفتي بالأدب الجزائري جدَّ متواصعة . تعرّفت في السنوات القليلة الماضية على عدد قليل منهم أخص بالذكر أخي العزيز النحات الكاتب والناقد الأستاذ محمد بوكرش ثم الكاتبة الروائية ياسمينة صالح وقد نشرت دراستين عنها وعن روايتين لها لكني أراها اختفت في الشهور الأخيرة. ولعلي قرأت لآخرين من القلّة لكن لا تحضرني أسماؤهم. كان نصيب المغاربة من كتاباتي أكبر بكثير.

المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تقرأ الآن؟

عدنان الظاهر: حينما أقرأ أكتب . قرأت في الأيام الأخيرة رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ وكتبت دراسة عنها. ثم كتبت خطرات ولمحات من مسيرة صديقي دكتور ممتاز كريدي وتقديماً لكتاب متواضع عن مدينتي الحلة مركز محافظة بابل. وقبل ذلك نشرتُ قراءة موجزة لإحدى روايات صديقي الدكتور زُهدي الداوودي  ودراسة لرواية نشرتها كاتبة مغربية . ماذا أقرأ اليوم ؟ أعيد قراءة تأريخ الطبري لغايات معينة وأقرأ ترجمة لقصيدة جايلد هارولد للشاعر الإنكليزي لورد بيّرنْ . وقرأت للتو كتاباً قيّما للويس عوض فيه فن الشعر لهوراس وترجمة لقصيدتي الشاعر شللي ( بروميثيوش ) و ( أدونيس ) .

المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تكتب؟

عدنان الظاهر: أحاول … أجلْ ، أحاول خوض مجاولة الكتابة عن أوديب وطيبة وعلاقتهما بقصيدة الشاعر توماس إليوت المسماة الأرض اليباب / الجزء الثالث منها بعنوان حفل النار أو طقس النار . أشكُّ في نجاحي في هذه المحاولة لقلة المصادر .

المجلة الثقافية الجزائرية: كلمة ترغب في قولها عبر موقعنا؟

عدنان الظاهر: أشكر أولاً حضرة الأستاذ محمد نور الدين رئيس تحرير موقع ومجلة الثقافة الجزائرية على ما عرض عليَّ من أسئلة أحرجني بعضها لكني أحسب أني تجاوزت الخطوط وعبرت حقول الألغام ولكنْ إلى أين هذا العبور ؟ أرجو له وللمجلة وقرّائها موفور الصحة وبلوغ الأهداف المرسومة واتساع الأفاق إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير .

عدنان الظاهر / ميونيخ / ألمانيا