داود سلمان الشويلي
عبر التاريخ البشري، ومن ثم الانساني، الذي مرّ، بحثت البشرية، ومن ثم الانسانية، عن القوة العظمى التي تدير هذا الكون الكبير فلم تجده إلا في شخص كان رئيسا لهم لبعض قدراته التي وجدوا فيها ما هو مستحيلا على باقي أفرادهم القيام بها فأضفوا على ذلك الشخص بعض صفات تلك القوة العظيمة التي بحثوا عنها، أو تصوروا وجودها، فكان هذا الشخص هو المسيطر على بعض معالم الطبيعة، كالمطر، والبرق، والرعد، والرياح، والفيضانات، وغير ذلك من معالمها التي تخرج من طبيعتها السوية، ثم تطور الحال بهم الى أن يكون ذلك الشخص جامعا لشروط أسموها غيبية تصعب التكهن بها، ومعرفة أسباب قيامها، ومن ثم العودة الى حالتها الأصلية، فسموها قوى غيبية، خفية، الهية. وفيها كذلك قوى بشرية، أي كان نصفه إله، ونصفه بشر.
جلجامش يجمع الاثنين معا، وسرجون الأكدي كذلك، في الحضارة السومرية، والأكدية، أي في الحضارة الوثنية، فيما أعادت بعض الفرق الدينية من الأديان المسماة ابراهيمية، أو موحدة، مثل المسيحية ذلك في شخص المسيح، التي وجدت فيه انه يجمع بين الصفات اللاهوتية، وبين الصفات الناسوتية، وهي الفرقة السائدة، والتي عليها المسيحيين الآن، وهي المسيحية التي أنشأها الرسول بولس.
وكذلك نجد ذلك عند بعض الشيعة من غلاتها حتى وقتنا الحاضر في أن الأمام علي بن أبي طالب، وأولاده من الأئمة، يحتفظون بهذين الأصلين، الأصل الإلهي، والأصل البشري، حتى وصل الحال ببعض هؤلاء الغلاة المتشددين أن يجعلوه بأصل إلهي فقط، فهو خالق للكون، ومدبر له.
***
في جمع الأصلين في هذين الدينين، أو المذهبين، أو المدرستين، نجد صعوبة كبيرة في فك هذا الجمع الذي يصل حد الاتحاد، والتماهي، بينهما، بين الله ذو الطبيعة الالهية، اللاهوت، وبين البشر ذو الطبيعة البشرية، الناسوت، ومرد هذه الصعوبة متأت من أن هذا الجمع، والاتحاد، والتماهي، جاء من خارج هذين الأصلين، فلا الله، ولا المسيح، أو علي بن أبي طالب، هما أقرّا هذا الجمع، والاتحاد، والتماهي، بل جاء من خلال بعض البشر لغلوهم فيهما للاعلاء من شأنهما، وحجتهم في ذلك انهما لا يفعلان شيئا إلا بإذن الله كما صرح القرآن بذلك: ((أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيـي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم.))(آل عمران:49)، وهذا عذر غير مقبول خاصة لعلي بن أبي طالب، لأنه لم يصدر منه فعل يؤيد ذلك، فلا هو أحيا، ولا هو أمات، بل سقط في براثن هذه الصفة التي يصفونه بها، فقد مات قتلا، أي يمكن أن نقول قد أماته ابن ملجم، ولم يفعل لنفسه شيئا.
يصعب على كل ذي عقل مستنير الدخول في فكر العامة من الناس لفك هذا الاشتباك الحاصل بين ما هو لاهوت، وبين ما هو ناسوت، وتغيير ما آمنوا به من هذا الجمع لأن من السهولة التصديق به طالما هناك رجال دين يمدونهم يوميا بمعلومات ما أنزل بها من سلطان، وكلام رجل الدين يدخل في أفكار العامة، ويبنيها دون استأذان.