الإهداء إلى الصديق وحيد بن بوعزيز مثقفا وناقدا
قلولي بن ساعد*
( 1961/ 1995) الذي غادر الحياة إثر لعب الناقد الجزائري المرحوم بختي بن عودة إغتيال جبان في ما كان يعرف ( بالحرب الأهلية الجزائرية ) ، في منصب حارس مرمى ضمن فريق حي سانتوجان في مدينة وهران الجزائرية في الملعب الذي سقط فيه برصاص الغدر مساء الثاني والعشرين من شهرايار/ مايو عام 1995،في التسعينيات من القرن المنصرم .
عندما كان يتفرج على مباراة في كرة القدم ما بين الأحياء بمدينة وهران الجزائرية بعد أن لعب الشوط الأول منها .
مثلما لعب أيضا في نفس المنصب / منصب حارس المرمى في نادي جمعية وهران بحسب الشهادة الشفوية التي قدمها لي أحد رفقاء الناقد المرحوم بختي بن عودة وهو الشاعر الجزائري عبد الله الهامل .
وكان يعلق على ولعه بكرة القدم وبمنصب حارس المرمى بالوضع المماثل لأستاذه فيلسوف الهوامش الفيلسوف الفرنسي اليهودي الأصل الجزائري المولد جاك ديريدا ، الذي لعب هو الآخر في منصب حارس مرمى لفريق حي الأبيار بالجزائر العاصمة التي ولد بها خلال الحقبة الإستعمارية قبل أن يغادر إلى باريس لمواصلة دراسته الجامعية .
ومن المعلوم أن بختي بن عودة قد تنبه مبكرا لضرورة الإنفتاح على الفتوحات المعرفية لمنظومات النقد الغربية المتمركزة حول ذاتها أو الخارجة عن سلطة اللوغوس، إيمانا منه بأن هناك قطيعة إبستمولوجية كبيرة بين النص الأدبي الجزائري والتحولات التي عرفتها المعرفة النقدية في العلوم الإجتماعية والإنسانية ..
مخلصا لفلسفة التفكيك / تفكيكية ديريدا الذي كان أول ناقد جزائري يدعوا لممارستها وإخضاع النص الإبداعي العربي لبعض نتائجها التحليلية .
الأمر الذي جعل ناقدا عربيا هو الناقد البحريني محمد أحمد البنكي يخصص له فصلا من كتابه (دريدا عربيا قراءة التفكيك في الفكر النقدي) حمل عنوان (التفكيك بوصفه خلاصا قراءة بختي بن عودة ) .
وقد إعتبره حامل لواء التفكيك والقارئ لأستاذه الثاني المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي الذي سيشتغل عليه وعلى مساره الفكري والنقدي ضمن دراسة جامعية ناقشها بجامعة وهران سنة 1994 بعنوان ( ظاهرة الكتابة في النقد الجديد مقاربة تأويلية الخطيبي أنموذجا ) بأصداء دريدية ، بنوع الحماس الذي يقول محمد أحمد البنكي أنه تجاوز حتى إستلهام الخطيبي لديريدا ..
ثم يصير ديريدا الفيلسوف الأكثر شهرة في عصر ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة التي كان ولا يزال أحد ممثليها البارزين .
وإليه يعود الفضل في تقويض اللوغوس أو الدليل الواحد الذي قامت عليه الفلسفة الغربية في مسارها الأنطولوجي المهيمن على ما عداها من الثقافات ، التي لا تنتمي إلى النسق الأورو مركزي في معياريته الإقصائية ليس فقط اللوغوس النقدي والفلسفي .
ولكن أيضا اللوغوس الرياضي كما سنرى بعد قليل .
المعيارية التي لم تعد حكرا على الفلسفة وحدها ولا على أنماط التفكير الخارجة عن الفضاء الأورومركزي وهي تطال مجالات أخرى .
ويأتي على رأسها المجال الرياضي وتحديدا كرة القدم بالمعنى ، الذي نجده يحضر في وضع الزنجي والإعتراف به من طرف دعاة ( الميثيولوجيا البيضاء ) بمفهوم ديريدا الميثيولوجيا التي خصص لها ناقد ثقافي بريطاني هو روبرت يانج كتابا مهما حمل عنوان ( أساطير بيضاء كتابة التاريخ والغرب ) .
الكتاب الذي إفتتح الفصل الأول منه ( أساطير بيضاء ) بنفيه التام لذلك الزعم التاريخي الذي يردده بعض الكتاب الغربيين من ادعياء (الحداثة الأداتية ) ، بمفهوم هابرماس التي جعلت من إنسان الغرب الإنسان الأبيض محورا لها ومقصية إنسان الأطراف الأخرى من بعض مكاسبها .
الزعم القائل بأن تيار ما بعد البنيوية هو نتاج ثورة 1968 الفرنسية ثورة الطلاب أو ثورة المثقفين كما يسمونها .
وهو يعيد إنبثاق فلسفة ما بعد البنيوية إلى لحظة تاريخية أعمق وهي حرب الإستقلال الجزائرية .
إذ يعتقد بأنه “من المهم القول بأن سارتر وألتوسير وفرانز فانون وديريدا وليوتار وهيلين سيكسو وييار بورديو وغيرهم إما ولدوا بالجزائر أو شغلوا أنفسهم بأحداث حرب الإستقلال الجزائرية ” (01) .
يقول ذلك ، وفي ذهنه شذرات من إعترافات روائية وناقدة نسوية هي هيلين سيكسو المولودة بمدينة وهران الجزائرية والتي قضت فيها معظم سنوات طفولتها القائلة :
” تعلمت كل شئ في ذلك المشهد المبكر فقد رأيت كيف أقام العالم المتحضر الأبيض الفرنسي الذي يحكمه الأغنياء نفوذه على قمع السكان الآمنين الذين أصبحوا فجأة غير مرئيين كما لو أن هناك فقط سادة وعبيد فقط ” (02) .
ويشاركه في هذا المنظور النقدي كل من أزراج عمر و بال أهلواليا البروفيسور في جامعة جنوب أستراليا
وهذا الأخير من نقاد ما بعد الكولونيالية في الفضاء الثقافي الأسترالي .
وإليه يعود الفضل في تأليفه لعدد مهم من الكتب والدراسات التي تناولت إرث إدوارد سعيد النقدي على صعيد النظرية ما بعد الكولونيالية .على غرار الكتاب الذي إشترك في تأليفه مع بيل أشكروفت وحمل عنوان ( إدوارد سعيد ومفارقة الهوية ) .
وثمة ما يجعلني أستبعد ما قدمه بال أهلواليا من هذا التحليل النقدي لأن كتابه ( خارج إفريقيا الجذور الكولونيالية لما بعد البنيوية ) لم أطلع عليه .
ولا أدري إن كان قد ترجم إلى اللغة العربية أم لا وكل ما توفر لدي من معطيات نقدية عن هذا الكتاب الذي يصب مضمونه النقدي في نفس الإتجاه الذي سارا فيه كل من روبرت يانج وأزراج عمر.
الإتجاه المتعلق بتأثير ثورة التحرير الجزائرية في تيار ما بعد البنيوية الفرنسية .
لا يتجاوز بعض المعطيات التي ذكرها الباحث الجزائري مراد بن سعيد في المقال الذي حمل نفس عنوان الكتاب ( خارج إفريقيا الجذور الكولونيالية لما بعد البنيوية ) المنشور بالعدد 347 من مجلة المستقبل العربي الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية سنة 2015 .
وهي معطيات فيما أرى لا تكفي للإعتماد عليها وبناء منظور نقدي من خلالها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس من عادتي أبدا الحديث عن كتاب أو كتب لم أقرأها تحت أي ظرف كان .
فرغم أن الناقد والشاعر الجزائري أزراج عمر لا يتجاهل ماذكره الناقد الثقافي البريطاني روبرت يانج صاحب كتاب ( أساطير بيضاء الغرب وكتابة التاريخ ) .
ويحيل إليه لتأكيد فرضية علاقة تيار ما بعد البنيوية بحرب الإستقلال الجزائرية إلا أنه لا يكتفي بذلك .
ويعتقد بان أهمية التأثير الجزائري لا يجب أن يعتبر العامل الوحيد في توليد مدرسة ما بعد البنيوية الفرنسية فهناك على ما يرى ” عملية التخلص من الإستعمار في أنحاء العالم الثالث بالإضافة إلى ثورة الطلاب في فرنسا التي حدثت سنة 1968 ثم عدد من التطورات المتنوعة ضمن حقول الفلسفة واللسانيات والتحليل النفسي وغيرها ” (03) .
في الوقت الذي يؤكد فيه بأن ” تبصرات روبرت يانج تحفزه على النظر في النواحي المهملة في البعدين الكولونيالي وما بعد الكولونيالي اللذين لعبا دورا مهما في إنبثاق تيار ما بعد البنيوية ” (04).
هذا ما جعله يتطلع إلى فتح أفق نظري ذي قيمة مضافة في نظره يتمثل في التأكيد على وجود ما بعد بنيوية أخرى يطلق عليها إسم ” ما بعد البنيوية ما بعد الكولونيالية النقدية ” (05) .
ضمن سياق ثقافي وسياسي هو سياق ” التجربة الكولونيالية الجزائرية الفرنسية وذيولها المعقدة في مرحلة الإستقلال أو ما بعد الكولونيالية ” (06) .
كل هذا يضعه أزراج عمر ضمن مخطط إستراتيجي للبحث في أنساق الخلفية التاريخية لتيار ما بعد البنيوية وما بعد الكولونيالية النقدية .
وهو المخطط الذي يضع له فصولا تتناغم و العناوين الحاملة لها مع ما يتضمنه المنظور الذي بعكسه التوجه النقدي الذي شرع في إنجازه ازراج عمرمنذ لحظة إنتسابه الأكاديمي لجامعة شرق لندن والمتعلق بالحفر في إركيولوجيا المعرفة النقدية بالمعنى الفوكوي المتصلة بجذور ما بعد البنيوية وإرهاصاتها الأولية .
وهي الفصول التي جاءت على النحو التالي :
ميشيل فوكو والجزائر وتونس
فرانسوا ليوتار والجزائر
جاك ديريدا وهيلين سيكسو والآخر .
وليس فقط روبرت يانج ولا أزراح عمر ولا بال أهلواليا هم الذين قاموا بالكشف عن ميتافيزيقا الهيمنة الكامنة وراء ( الميثيولوجيا البيضاء ) .
خاصة وأن أزراج عمر في كتابه (من أبن جاءت ما بعد البنيوية ومقاربات أخرى .. ؟ ) .
لا يتردد ابدا في مناقشة مسألة الزنوجة كما طرحها فانون وكما تتجلى في المخيال الثقافي الغربي المخيال الكولونيالي على وجه الخصوص .
فقبلهما بسنوات طويلة عمل الطبيب النفسي والمفكر المارتينيكي فرانز فانون
في كتابه (بشرة سوداء أقنعة بيضاء ) على تفكيك أقنعة هذه ( الميثيولوجيا البيضاء ) .
عندما خصص فصلا كاملا من كتابه المذكور للوقوف على معطيات الإعتراف بالزنجي من طرف الآخر الأبيض القادم من وراء البحار لتمدين الإنسان الملون وإدخاله الحضارة بحسب ما تدعي ذلك الكولونيالية البيضاء .
وهذا الفصل وضع له عنوانا بارزا هو (الزنجي والإعتراف به ) .
وفيه يعترف بأن الزنجي يتم الإعتراف به من طرف الآخر الأبيض في حالتين فقط هما :
الجنس وكرة القدم .
هذا ما يجعل الإنسان الملون بحسب تحليل فانون تتصاعد الرغبة لديه في أن يتحول إلى رجل أبيض عندما يقرر الزواج بإمرأة بيضاء كي لا يعترف به كأسود بما يفضي إلى ما يسميه فانون ( الثبات النفسي ) لرجل أسود يقول :
” إني أتزوج الثقافة البيضاء والجمال الأبيض ففي هذه الأثداء البيض التي تداعبها يداي المديدتان أجعل الحضارة البيضاء حضارتي والكرامة البيضاء كرامتي ” .(07) .
وما أظن أن ذلك كان كافيا ، أو أن ( الميثويولوجيا البيضاء ) بمفهوم ديريدا ستسمح بهذا الإمتزاج الأثني إلى هذا الحد أو ذاك عندما تدفع بمحاولات الإستشراق اللوني الحيلولة دون حصول هذا الإمتزاج .
بنص العبارة التي ذكرها فرانز فانون على لسان جان قينز الذي يتخذ منه فانون مثالا بوصفه مثقفا فرنسيا من أصل إفريقي لم تعترف به الأصولية البيضاء كمواطن فرنسي كامل المواطنة بما في ذلك المواطنة اللونية .
وهو الموزع بين بلدين وبين لونين ، إذ يعترف بأنه كان يكفي ” أن أتقدم في السن وأن أمضي لخدمة وطني الثاني حتى أتوصل إلى التساؤل عما إذ كان قد خانني الحظ إذ أن الشعب الأبيض لا يعترف بي كواحد من بنيه والأسود يكاد ينكرني هذا هو وضعي بالضبط ” (08) .
وهو وضع معقد بالطبع وضع يتناص إلى حد قريب مع المفهوم الذي كان قد قام ينحته كل من بال أهلواليا و بيل أشكروفت في الكتاب المخصص لمسار إدوارد سعيد الفكري والحياتي ( إدوارد سعيد مفارقة الهوية) وهو مفهوم ( مفارقة الهوية ) .
بالمعنى نفسه الذي يعكسه الوضع الذي كان عليه النجم الفرنسي من أصل جزائري زين الدين زيدان بعد نطحته الشهيرة للمدافع الإيطالي ماركو مارتيرازي في المقابلة النهائية لكأس العالم التي جمعت المنتخبين الفرنسي والإيطالي ضمن نهائي كأس العالم سنة 2006 في محطتين من مراحل مسيرة زيدان الكروية .
المحطة الأولى :
هي المتعلقة بتألق المنتخب الفرنسي بفضل خدمات زيدان ومن معه من نجوم كرة القدم القادمين من مستعمرات فرنسا بإفريقيا .
وقد لاحظ الباحث الجزائري رابحي عبد القادر بأن هذا التألق هو الذي جعل ” فرنسا الرسمية تقدم زيدان في صورة المنتوج الخالص لفرنسا الساعية إلى تحقيق نظرية الإندماج من وجهة نظر إدماجية متفتحة على مستعمراتها السابقة ” (09) .
فيما المحطة الثانية :
والتي سيستعيد فيها زين الدين زيدان هويته الجزائرية ليس من خلال نطحته الشهيرة للمدافع الإيطالي ماركو مارتيرازي كما يروج لذلك الإعلام الفرنسي المحسوب على تيار اليمين المتطرف الساعي إلى إعتبار هذه النطحة نابعة من ترسبات الثقافة العنفية الكامنة في العقل الباطن للذات الإفريقية والعربية والإسلامية المجبولة على العنف والتوحش وهذه بحد ذاتها مقاربة عنصرية لم تتخلص منها الصنمية الفرنسية رغم تعاقب السنوات والمعطيات الفكرية وهي مقاربة يدينها الناقد الثقافي الدكتور عبد القادر رابحي أشد الإدانة
الأمر الذي جعل رابحي عبد القادر يربط إستعادة النجم الفرنسي من أصل جزائري زين الدين زيدان لهويته الجزائرية بحادثة الورود المسمومة التي تلقاها من الجماهير الفرنسية التي عادت به إلى أصوله الجزائرية وفد وضع ذلك رابحي عبد القادر ضمن قراءة أنتروبولوجية ما بعد إستعمارية ترى أن هذه النطحة في هذه المرحلة كانت ” خروجا واضحا عن المعيارية الملتوية لمنظري المستطيل الأخضر الذي لا يجب أن يخرج فيه الولد المحب عن التوصيات العامة المحافظة على مصلحة النظرة المركزية الآنية لغرب لا يفكر إلا في إنتصاراته العظيمة التي يحققها بدماء الآخرين ” (10) .
في مقال فضل فيه صاحب كتاب (ديوان تيهرت المفقود مقاربات في الأدب والحرية) هو رابحي عبد القادر وضع العنوان التالي له :
(كعب ماجرورأس زيدان ويد مارادونا إسطورية الإختراق المأسوي لمركزية المستطيل الأخضر ) بدل العنوان الذي كان في ذهنه وهو ( كعب أخيل ورأس القيصر ويد الإله ) .
لولا أنه تراجع عن ذلك بسبب رغبته المحمومة في ” نزع هالة الأسطرة عن الابطال الغربيين وتعرية تماثيلهم المنحوتة من الرخام المسروق بما يحققه من حين لآخر البطل المضاد من إختراقات في المنطقة الخضراء المحرمة عليه مبدئيا ” (11) .
وليس غريبا أبدا أن يستشعر أحد أهم رموز الأنتروبولوجيا الفرنسية في حقبة ما بعد الكولونيالية للبلدان الأفريقية وهو مارك أوجيه نوعا من التفكير المركزي والصنمية المركزية التي حاول التنصل منها ومن عنصريتها الفائقة التي دأبت على الإتكاء على مفهوم شديد الحضور في النصوص التأسيسية للأنتروبولوجيا الكولونيالية وهو ( أوربا وبقية العالم ) بنوع من التشديد على أسبقية أوربا على بقية العالم .
وهذا التقسيم العرقي بين أوربا وبقية العالم الذي ينتقده مارك أوجيه الذي إستطاع التنصل من سطوة مركزية الذات الغربية .
يشبهه في كتابه (اللاأمكنة مدخل إلى أنتروبولوجيا الحداثة المفرطة ) .
بتقسيم آخر حدث في عالم الرياضة وكرة القدم ، عندما كانت أنجلترا في أحسن مستوياتها الرياضية والكروية هو ( إنجلترا وبقية العالم ) بما يوحي بحصول إنزياح بمفهوم كريستيفا (أوربا على بقية العالم ) من الحقل الثقافي إلى الحقل الرياضي كنوع من التأكيد على مركزية الذات الغربية .
وهكذا أصبح التمركز أو اللوغوس يتحرك على أرضيتين
:الأرضية الأولى
هي المركزية الثقافية الغربية والأوربية تحديدا
:بينما الأرضية الثانية هي
هي المركزية الرياضية كما تتجلى في المفهوم الجديد ( إنجلترا وبقية العالم ) .
ولست أدري إن كان المفكر الكندي ألان دونو مخطئأ أم مصيبا عندما إستثني عنصرية المنظومة الرياضية الغربية من أنظمة التفاهة في كتابه ( نظام التفاهة ) .
الكتاب الذي أثار نقاشا دوليا واسعا وبيعت ملايين النسخ منه وترجم إلى عدد مهم من اللغات العالمية ومنها اللغة العربية .
وتعرض فيه ألان دونو للكشف عن مساوئ كل أنظمة التقاهة الجامعية منها والثقافية والإقتصادية والإعلامية .
والمرة الوحيدة التي ذكر فيها ماله صلة بالرياضة وعالم كرة القدم بما هي ( الديانة العلمانية للبروليتاريا ) كما وصفها الأننروبولوجي الشهير إريك هبسباوم عندما شبه ألان دونو مذيعات التلفزيون في العالم التافه في نظره وهن يتقافزن من فقرات الربط إلى المسلسلات بلاعبي كرة القدم المصابين في أربطتهم الصليبية حين يكتشفون في أنفسهم مهارات تقديم البرامج الرياضية .
وفي نظره أن ما شجعهم على ذلك ” أمران
:الأول
هو الإفتقار لثقافة الجمال الحقيقي
:فيما الأمر الثاني فهو
أتون الفضائيات التلقزيونية المستعر الذي يتطلب مادة تلفزيونية يومية كوقود لازم للحفاظ على إستمرارية هذا الموقد الجهنمي ” (12) .
يحدث كل هذا في ظل وجود سلطة عليا تدير اللعبة الأكثر شهرة وجماهيرية في العالم .
وهي الإتحادية الدولية لكرم القدم ( الفيفا ) والإتحادات العاملة تحت لواءها المحلية منها أو القارية .
علما أن مفهوم السلطة هنا زئبقي ومتحول ، تحول الثقافة والثقافات التي أوجدته منذ أن بدأ ( فيلسوف القاعة الثامنة ) وهو ميشيل فوكو يقدم بعض محاضراته في الجامعات الفرنسية والأمريكية التي زحزحت مفهوم السلطة من مرجعيته القاعدية الشديدة الحضور في الخطابين الليبرالي والماركسي، وهو المفهوم الإيديولوجي المباشر نحو مفهوم آخر هو المفهوم المرئي ( السلطة المرئية ) بتعبير فوكو أو ( السلطة الرمزية ) بمفهوم السوسيولوجي الفرنسي بيار بورديو .
على الرغم من أن هناك رغبة ملحة من الخروج عن المفهومين عند فوكو وبورديو( السلطة الرمزية والسلطة المرئية ) .
وهذا الخروج يتجلى في الدلالة التي يعود بها رولان بارت إلى المفهوم السيميولوجي رغبة منه في إستدعاء حضورالسلطة في المحافل الرياضية والثقافية .
وهو يضع تجليات السلطة هنا ضمن وعي مركب يجمع بين السلطة السياسية والسلطة الرياضية وسلط أخرى كالسلطة الثقافية والسلطة الجامعية ناهيك عن سلطة الإعلام الرياضي .
وهذه السلطة في نظره ” حاضرة في أكثر الآليات التي تتحكم في التبادل الإجتماعي وعند الطبقات المختلفة وفي أشكال الموضة والآراء الشائعة والمهرجانات والألعاب والمحافل الرياضية والآخبار والعلاقات الأسروية الخاصة ” (13) .
علما أن رولان بارت يتحدث هنا من موقعه كباحث سيميولوجي يستدعي كلامه القليل من التحليل السيميائي لأشكال وتجليات السلطة المنتشرة هنا وهناك .
على غرار سلطة الإعلام الرياضي المرئي منه على وجه الخصوص المتمثل في عدد من القنوات الرياضية التي تستقطب نفرا من المحللين الرياضيين ، وهم من قدماء اللاعبين الذين إعتزلوا اللعب بعد تقدمهم في العمر إلى إستوديوهات التحليل الرياضي قبل وبعد إنطلاق المباريات المبرمجة في بعض التظاهرات الرياضية التي تنظمها وترعاها الإتحادات القارية أو الإتحادية الدولية ( الفيفا ) .
إنها السلطة التي وصفها الصحفي الفرنسي دانيال شيندرمان في رده على بيار بورديو على مايذكر ذلك المفكر اللبناني علي حرب في كتابه ( أصنام النظرية وأطياف الحرية نقد بورديو وتشمومسكي ) .
بأنها ” تشبه الطاحونة بمعنى أنها تفرض على من يتعامل معها قدرا من المساومة بحيث يتوقع الخسارة مثلما يتوقع الربح ” (14) .
ليس فقط من خلال أطوار التحليل الرياضي وآراء المحللين وإنطباعاتهم ، فخلف هذا كله هناك أشياء أخرى تكمن في ماوراء لغة التحليل الرياضي .
لقد إكتشف بيار بورديو بحسب رواية علي حرب في كتابه ( أصنام النظرية وأطياف الحرية نقد بورديو وتشمومسكي ) .
” أن الأولوية على الشاشة ليست للقول أو الحجة بقدرما ما هي لأشياء أخرى تتعلق بالشكل والهيئة وبالحركة وتعابير الوجه ” (15) .
وهذا ما يتجلى في تدخلات السادة المحللين الرياضيين عندما يريدون توجيه المشاهد الوجهة التي يريدونها بإستخدام إيديهم وملامح وجوههم التي تقول مالا تقوله الكلمات مما يستدعي قليلا من التحليل السيميولوجي كما يقدمه رولان بارت في كتابه ( درس السيميولوجيا ) .
وليس يخفى أحد أن هذه المركزية الرياضية ( إنجلترا وبقية العالم ) أو ( أوربا وبقية العالم ) قد تم التراجع عنها من طرف منتخب في كرة القدم من منتخبات الأطراف والهوامش هو المنتخب الجزائري الذي ألحق بالمنخب الألماني هزيمة نكراء في ملحمة خيخون سنة 1982 فاتحا الباب أمام بعض المنتخبات العربية التي واجهت منتخبات قوية من الفضاء الرياضي الأورومركزي بندية وبدون عقدة نقص أو تردد .
وهناك من قام بهزم هذه المنتخبات كما فعل المنتخب التونسي مع المنتخب الفرنسي والمنتخب المغربي مع منتخبات بلجيكا وكندا والبرتغال وإسبانيا .
وهو المنتخب الذي وصل في دورة كأس العالم 2022 التي أقيمت بقطر إلى الدور النصف النهائي وهي مرحلة متقدمة جدا لم يصلها بعد أي منتخب عربي أو إفريقي أو آسيوي .
مثلما تم التراجع عنها مرة أخرى عندما إستطاعت دولة قطر العربية إفتكاك شرف تنظيم مونديال قطر 2022 وهوشرف عربي مهم جدا لا شك أنه نال نجاحا كبيرا والبقية تأتي لا محالة .
إحالات
01 ) أساطير بيضاء كتابة التاريخ والغرب روبرت يانج ترجمة أحمد محمود ص55 منشورات المجلس الأعلى للثقافة القاهرة الطبعة الأولى 2003
02 ) نفس المصدر ص 55
03 ) من أبن جاءت ما بعد البنيوية ومقاربات أخرى .. ؟ أزراج عمر ترجمة فادي أبو ديب ص 32 منشورات دار فضاءات عمان الأردن 2019
04) من أبن جاءت ما بعد البنيوية ومقاربات أخرى .. ؟ ص 29
05 ) من أبن جاءت ما بعد البنيوية ومقاربات أخرى .. ؟ ص 30
06 ) من أبن جاءت ما بعد البنيوية ومقاربات أخرى .. ؟ ص 30
07 ) بشرة سوداء أقنعة بيضاء– فرانزفانون – ترجمة خليل أحمد خليل- ص 69 دار الفارابي بيروت الطبعة الأولى 2004
08) بشرة سوداء أقنعة بيضاء– فرانزفانون ص 80
09 ) أنظر مقال كعب ماجرورأس زيدان ويد مارادونا إسطورية الإختراق المأسوي لمركزية المستطيل الأخضر لرابحي عبد القادر ضمن فصول كتابه ديوان تيهرت المفقود مقاربات في الأدب والحرية ص 119 منشورات دار خيال للنشر والترجمة الجزائر 2020
10) المرجع نفسه ص 119
11) نفس المرجع ص 111
12) نظام التفاهة ألان دونو ترجمة وتعليق مشاعل عبد العزيز الهاجري – ص 51 دار السؤال للنشر والتوزيع بيروت الطبعة الأولى 2020 .
13) درس السيميولوجيا رولان بارت ص 11 ترجمة عبد السلام بنعبد العالي منشورات توبقال الدار البيضاء الطبعة الأولى 2016
14) أصنام النظرية وأطياف الحرية نقد بورديو وتشمومسكي علي حرب ص 65 المركز الثقافي العربي بيروت / الدار البيضاء الطبعة الأولى 2001
15) نفس المصدر ص 64
ناقد وكاتب / الجزائر