المجلة الثقافية الجزائرية

اخر المقالات

الناقدة والأكاديمية السورية د.ماجدة حمود للمجلة الثقافة الجزائرية:

ضيفتنا د. ماجدة حمود ناقدة أكاديمية لامعة آمنت بالثقافة وأخلصت لها وفضّلت أن توقد شمعة بدل أن تلعن الظلام.. في رصيدها العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات والمقالات النقدية الهامة التي تضيء على تفاصيل الجماليات الأدبية.. إلا أن مشروعها الإبداعي الأهم يسلط الضوء على الانفتاح الفكري في التراث باعتباره امتداداً للحاضر والمستقبل. المجلة الثقافية الجزائرية حاورت د. حمود وسألتها عن مشروعها الخاص وعن أحوال الرواية والنقد وفيما يلي نص الحوار:
حاورتها: باسمة حامد

النقد والإبداع..

المجلة الثقافية الجزائرية: كتابك (علاقة النقد بالإبداع الأدبي) يبحث عميقاً في إشكالية العلاقة بين الأدب والنقد.. هل تجدين أن الأديب يجب أن يأخذ النظريات النقدية بعين الاعتبار أثناء الكتابة؟
د. ماجدة حمود: المبدع الحقيقي يبدع خارج القوانين والنظريات، لكن الثقافة المعرفية أمر لابد منه، لهذا جاء كتابي ليبيّن أن الثقافة وفهم نظرية الشعر أو الرواية …الخ عدة كل مبدع، كما أن الهدف من هذا الكتاب أن الناقد المبدع ينتبه إلى أمر قد لا يلتفت إليه الناقد العادي: هو اللغة النقدية، حيث تبدو قراءة من يمارس الإبداع والنقد ممتعة ومفيدة، ومثل هذا الناقد لن يهمل المعرفة، كما قد يتبادر إلى الذهن، لكنه يصوغها بلغة جميلة، تجعل عملية التلقي النقدي أشبه برحلة معرفية ممتعة، علينا أن نعترف بأننا نجد اللغة الجميلة أكثر تأثيرا في المتلقي من اللغة الجافة؛ لهذا يلجأ كثير من المفكرين إلى الكتابة الأدبية، ليضمن تأثيراً أفضل لأفكاره، النقد عملية معرفية وذوقية؛ لهذا يحتاج إلى لغة غير عادية في رأيي..

المجلة الثقافية الجزائرية: حسن، كيف نؤسس لعلاقة صحية بين الطرفين لصالح المتلقي بحيث يأخذ كل منهما حقه بعيداً عن الاستعراض خصوصاً وأن الكاتب يشتكي من تخلف النقد عن الإبداع.. بينما الناقد يلقي اللوم على نرجسية الكتّاب؟!
د. ماجدة حمود: ثمة علاقة ملتبسة بين الناقد والمبدع، نحن في مجتمع لا يحترم النقد، للنقد سمعته السيئة، ربما لأننا نحمّله دلالات خاطئة، إذ يرتبط بفكرة الهدم لا البناء، من ينقد يريد التحطيم، أو يريد إبراز ذاته على حساب المبدع، كثيراً ما ننقد بعيدا عن النص، فيأتي نقدنا وكأنه استعراض للذات ونفي للنص وتعب مبدعه! وحتى حين يلتزم الناقد بالنص الأدبي يجعله مجالا لاستعراض عضلاته المعرفية على حسابه، أو يغرقه بالتنظيرات أو الإحصاءات، فيغفل الجانب الجمالي للنص، الذي يقوم على أمور تحتاج للذائقة بكل ما تعنيه من حساسية مرهفة (الانفعال، الخيال، الإيقاع)
يُلاحظ أن الناقد مسؤول عن توتر العلاقة بينه وبين المبدع، خاصة حين لا ينظر إلى العمل الأدبي بعين العدل، فلا يتوقف عند جمالياته وسقطاته! لكن يُلاحظ أن المبدع يتوقع من الناقد أن يكيل له المديح، وإن أشار إلى ما لا يعجبه في النص، عدّ ذلك إهانة في حقه! مع أن المبدع أياً كان لن يتطور إلا إذا أصغى إلى النقد، بل أي عملية تطوير ذاتي على أي صعيد كان لابد أن يعتمد على النقد الذاتي، ثم الإصغاء إلى آراء الآخرين، المشكلة أننا مازلنا نفتقد هذا الحوار بيننا وبين الآخر المخالف لنا في الرأي، تُرى هل أنا مخطئة؟!

الرواية والروائي

المجلة الثقافية الجزائرية:  بصفتك ناقدة أكاديمية مواكبة.. كيف تنظرين إلى واقع الرواية العربية عموماً والجزائرية بوجه خاص في ظل سطوة الجوائز وتهافت الروائيين للترشح لها؟
د. ماجدة حمود: لاحظت تطوراً في الرواية العربية، وإن كنت أعترف بتقصيري في رواية الشباب الجزائري، لكن في حدود ما قرأت لاحظت تطوراً في اللغة الروائية، وأصالة في الرؤية، كما لاحظت الرغبة في الابتعاد عن الرؤية التغريبية، التي لحظتها لدى الجيل السابق! هم بناء إنسان جديد يهجس بالوطن وبالحرية وبحياة أفضل، وهنا لا أجد فرقاً بين الرواية العربية والجزائرية!
مهما قلنا من رأي حول الجوائز (تسييسها ودخول المحسوبيات الإقليمية والفكرية…الخ) يبقى لها جانب إيجابي، إنها النافذة الوحيدة التي تجمع الروائيين العرب، وتحفّزهم على الإبداع والتنافس من أجل كتابة الأفضل!
الروائي بشر يحتاج إلى التشجيع المادي والمعنوي، منْ منَ المؤسسات العربية الرسمية وغير الرسمية، يستطيع تقديم هذا التشجيع؟ أعترف بأن هذه المؤسسات تعيش ضائقة فكرية ومادية معاً! لهذا يُلاحظ أن معظم الروائيين يلهثون وراء الجوائز، ولا ننسى الانتشار العالمي الذي تحققه هذه الجوائز بفضل إمكانيات الترجمة والانتشار!

المجلة الثقافية الجزائرية: ثمة كثير من الروائيين يهربون من الحركة والحيوية والابتكار في الأحداث نحو الاستغراق في الوصف العاطفي.. فهل لاحظت أن الروائي العربي يصغي لنصيحة الناقد ويسعى لتصحيح الأخطاء السردية بما يفيد المنتج الإبداعي؟
د. ماجدة حمود: مازالت العلاقة ملتبسة بين الناقد والروائي، لكن ما ألاحظه أن ثمة جيلاً من الروائيين بدأ يتخلص من النرجسية، التي هي عدو الإبداع، بل هي دليل على تحنيطه، ووقوعه في التهافت والسطحية، الرواية فن حساس منفتح على الفنون كافة والعلوم؛ لهذا لن يستطيع الإبداع من لا يحمل هما معرفياً وإنسانياً، بدأت ألاحظ لدى بعض الروائيين رغبة في الإصغاء للنقد من أجل تقديم رواية متميزة!

المجلة الثقافية الجزائرية: حسب علمي ما زال سوق الرواية يغذي الاتجاه (الإنشائي) في الكتابة.. وكأني به يطبق مبدأ (الجمهور عاوز كده).. هل صحيح أن القارئ العربي ينجذب للغة الشعرية أكثر من انجذابه للأفعال السردية؟
د. ماجدة حمود: ثمة مستويات عدة من القراء، لا نستطيع أن نضعهم جميعاً في سلة واحدة، أما مقولة الجمهور (عاوز كده) فأنا أرفضها؛ لأننا نلغي بها دور المبدع في الارتقاء بجمهوره، نحن اليوم في أزمة إنسانية تنعكس على الفكر والروح، لعل أحد أسبابها ضياع القيم وهيمنة الفكر الظلامي، لأن جيلاً بأكمله بات يعيش فراغاً فكرياً وروحياً، لهذا ضاع، وهو يلهث وراء الأشياء المادية، حتى تحولت كثير من الاستهلاكيات إلى ضرورات، يضيع عمره من أجلها، ثمة فراغ لدى بعض الشباب يملؤه الفكر الظلامي، الذي يدمر الوعي، ويحول الإنسان إلى آلة بيد الأمير أو القائد، من ينهض بالوعي؟ من ينهض بروح الإنسان؟ أليس الدين؟ أليس الفن الراقي؟ مع الأسف كلاهما اليوم يتعرضان للتشويه، بحجة الجمهور عاوز كده! أو بحجج أخرى أو أجندات تملى على من ليس له إرادة وفكر!

الآخر في الرواية العربية

المجلة الثقافية الجزائرية: الرواية العربية طرحت مواضيع حساسة اجتماعياً وسياسياً ودينياً وتاريخياً.. لكن هل أفلحت في تناولها (للآخر)؟ أي هل عالجت هذا الموضوع بشكل وافٍ وديمقراطي أم أنها قمعته فكرياً وانساقت خلف رؤى تقليدية سائدة؟
د. ماجدة حمود: بدأت الرواية العربية تنتبه إلى ضرورة حضور الآخر المختلف، إن جمال الرواية وحيويتها يكمن في هذا الحضور، أي في تعدد وجهات النظر المختلفة، واحترام هذا التعدد! لكن السؤال المهم: هل يستطيع من يُربى على أحادية النظرة وكمالها، بل عصمتها، أن يحترم رؤى مغايرة له؟ هنا دور الرواية، لأنني لاحظت رغبةً لدى المثقف العربي في تمجيد ما يراه هو، وتسفيه ما يراه الآخر، فمثلاً: الروائي ينتصر لما يؤمن به من أفكار يمنحها لشخصيات إيجابية تمثله، أما الفكرة النقيضة فيشوهها بالقمع، ويمنحها لشخصية سطحية لا تقدم الرؤية المخالفة بشكل جذاب أو مقنع! وبذلك يهيمن صوت المؤلف على من يخالفه الرأي، بل يصل الكثير من الروائيين إلى درجة قمع وجهة النظر المخالف، أو تشويهها! الرواية فن ديموقراطي، لكن مع الأسف إلى الآن لم تتجسد هذه الديموقراطية فيها، كما لم تتجسد في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية! أليست الرواية مرآة لكل ذلك؟!

المجلة الثقافية الجزائرية: في ضوء ما قدمتِه من دراسات نقدية حول (الآخر) بوصفه شريكاً في الحضارة الإسلامية وليس عدواً صليبياً فقط.. لدي فضول لأعرف لماذا اخترت تحليل هذا المفهوم تحديداً؟ الأمر بدا لي وكأنك تبحثين عن ثقافة السلام بل وتحرضين عليها..
د. ماجدة حمود: إذا سألتني ما هو مشروع حياتك، سأقول لك الانفتاح على الآخر، لأن التميز والإبداع لن يكون بالانغلاق أبداً، لهذا درست الآخر بالتراث، الآخر في الرواية العربية, الآخر في الرواية الغربية…الخ فقد لاحظت إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001) الأزمة الثقافية التي نعانيها، وهيمنة الرؤية المغلقة للدين الرافضة للآخر، مثلما ترفض الفن والجمال! تساءلت ما هو دوري؟ ما الذي يتوجب علي أن أفعله، فضلت أن أحمل شمعة، بدل أن ألعن الظلام!

المجلة الثقافية الجزائرية: هذا يحيلني إلى سؤال جديد انطلاقاً مما كتبته عن (صورة الآخر في التراث العربي): هل نحتاج اليوم لاستنطاق الماضي إبداعياً وإنسانياً لصياغة ثقافة حقيقة تحافظ على الهوية والخصوصية الحضارية وفي الوقت ذاته تنفتح على الإنسان بالمطلق خصوصاً وأن هناك من يحاول إلصاق تهمة الإرهاب بالتراث؟
د. ماجدة حمود: لاحظت أن كثيراً من المثقفين يرفضون التراث، ويرونه أحد أسباب تخلفنا وانتشار الفكر الإرهابي؛ لهذا أعدت قراءة بعض نماذجه، وسلطت الضوء على الانفتاح الفكري في التراث، دون أن أغفل على بعض نماذج التعصب أيضا فيه! لم أقرأ التراث بنية التمجيد، وإنما كي نعطيه حقه، ونتعلم من حسناته وسيئاته معا! درسته كي أحفّز على قراءته بموضوعية، فقد لاحظت مشاهد انفتاح مبهرة (الخليفة المأمون يحاور المرتد) نحتاج اليوم! مثلما لاحظت مشاهد سوء التفاهم وتعصب تصل إلى حد الوقوع في ممارسات لا إنسانية (رفض إنقاذ إنسان من الغرق لأنه ينتمي إلى قبيلة أخرى معادية)! أعتقد أن العودة إلى دراسة التراث ليس من أجل تمجيد الماضي، لكن لكونه امتداداً للحاضر، فكلنا أبناؤه، شئنا أم أبينا، المهم أن نحترمه، دون أن ننغلق عليه، علينا أن ننفتح على التراث الإنساني بأكمله، لنستطيع أن نبدع، فالتقليد مرفوض للآخر التراثي أو الآخر الغربي!

المجلة الثقافية الجزائرية: لنفتح نافذة من خلالك على الإبداع النسوي في سورية حالياً.. كيف ترى المرأة ذاتها؟ وكيف تعبّر عن قضاياها؟ وما هي أبرز الرسائل التي تمرّرها في نصوصها في ظل الحرب الجارية؟
د. ماجدة حمود: سأعترف لك بأنني أقرأ الإبداع بعيداً عن التصنيف الذكوري والنسوي، صحيح أنني درست الخطاب القصصي النسوي، لكي أعرّف به! لهذا لم أمجّد هذا الخطاب، أردت تقديم منجزاته وسقطاته، أعتقد أن الفن الروائي فن حساس لهذا في ظل الحرب لن ننتج سوى رواية وثائقية تسجيلية، قد تفتقد الرؤية الموضوعية (السماح لصوتين متحاربين بالتعبير عن رؤيتهما بحياد) ولكن من منا في ظل الدماء يملكها، لهذا سنفتقد فيها تعدد وجهات النظر، وسيكون الروائي، بغض النظر عن جنسه، أسير اللحظة الراهنة بكل آلامها ونيرانها!

الثقافة حصننا الأخير

المجلة الثقافية الجزائرية: يقول ألبير كامو: \”الثَّقافةُ هي صرخةُ البشرِ في وجهِ مصيرِهِم\”.. إلى أيّ حدّ ساهم الحراك العربي- من وجهة نظرك- في خلق حالةِ إبداعية مختلفة.. وهل لعب دوراً في ولادة جيل جديد من المبدعين العرب؟ وهل يمكن القول بأن هذا الجيل برز في المشهد الثقافي استجابةً لمطلب الحرية؟
د. ماجدة حمود: الحرية مطلب أبدي للإبداع، سواء لهذا الجيل أو الجيل السابق أو اللاحق، أي حدث تاريخي سيترك بصمته على الوجدان، لهذا يبدو لي الروائي أكثر حساسية وأكثر قدرة على رسم اللحظة المأزومة، التي تقهر الإنسان، وتدمر وجدانه! لن نستغرب شيوع لغة الإحباط في الرواية العربية، اليوم، لكن التحدي الحقيقي هو مواجهة هذه السوداوية، التي نعيشها كيف؟ لكل روائي طريقته، ومن لن يستطيع رسم طريق الخلاص من هذه الظلمة، سيسقط في أحادية النظرة، التي تعني أحادية اللغة، وهذا ما يبعد الروائي عن طريق الإبداع في الفن وفي الحياة!

المجلة الثقافية الجزائرية: لا شك أن التفاعل بين المثقف والمتلقي في المنطقة العربية هو تفاعل محدود بالمقارنة مع مجتمعات أخرى أكثر تقدماً.. ما المطلوب –من وجهة نظرك- لتفعيل هذه العلاقة حتى تنعكس إيجاباً على الواقع العربي المأزوم؟
د. ماجدة حمود: إذا تساءلنا ما الذي يسهم في تفاعل المثقف مع المتلقي في بلادنا العربية؟ ما الذي يردم الهوة بينهما؟ هل يتطور المتلقي بالمستوى نفسه، الذي يتطور فيه المثقف؟ أين المثقف العربي؟ ألا يعيش غربة عن مجتمعه؟ ألا يتبنى، غالباً، قيماً تستفّز ما رُبي عليه من قيم أصلية؟
الجميع مسؤول عن هذا التراجع الثقافي الذي نعيشه اليوم، باتت السهولة والابتذال في زمن وسائل الاتصالات الحديثة عنوان حياتنا اليوم! تراجع الاهتمام بغذائنا الروحي، وانصب اهتمامنا على الاستهلاكيات!!!
من يرعى الكتابة المسؤولة، التي تبحث عما ينفع الناس ويمكث في الأرض؟ نفني حياتنا في الكتابة، ثم نبحث عمن ينشر، فلا نجد!
أين دور النشر التي ترعى الكتابة الجادة؟
أين المؤسسات المستقلة، التي يهمها تقديم ما هو راق للمتلقي؟ وهل يكون ذك دون رعاية حرية المبدع والناقد؟
الثقافة حصننا الأخير، لكن من يحمي هذا الحصن ويرعاه، الساسة مشغولون بالمناصب ورجال الأعمال بالمكاسب والإنسان العادي بلقمة عيشه، ولكن إذا لم نعش هاجس المعرفة هل يمكن أن نحقق حلم التطور؟!!